دولية

نحو تحالف سياسي أقوى في إيطاليا.. حكومة “كونتي” تعلن استقالتها

[su_post field=”post_date”][su_spacer size=”10″]
[su_label type=”warning”]كريتر نيوز / متابعات [/su_label]

لا يكتمل المشهد السياسي في إيطاليا، من دون استقالة الحكومة كل فترة، أياً يكن السبب. واستقالة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي لا تشذّ عن هذه القاعدة.
لكن الفارق قد يكون أن كونتي أقدم على هذه الخطوة، سعياً إلى تشكيل ائتلاف حكومي أكثر قوة، وتجنّباً لإجراء انتخابات مبكرة، ستلهي البلد عن مكافحة فيروس كورونا، الذي أسفر عن وفاة أكثر من 85 ألف شخص، واعتُبرت إيطاليا إحدى بؤر الجائحة في أوروبا.
وأفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن اضطراب حكومة كونتي بدأ منتصف يناير، عندما سحب حزب “إيطاليا فيفا” اليساري بزعامة رئيس الوزراء السابق، ماتيو رينزي، دعمه لها.
ونجا كونتي، من تصويت على الثقة بحكومته، في البرلمان، الأسبوع الماضي، لكنه فشل في تحقيق أغلبية مطلقة في مجلس الشيوخ، وباتت حكومته تتمتع بأغلبية بسيطة وهشة، ما أرغمه على المجازفة بالاستقالة.
وعلى رئيس الجمهورية، سيرجيو ماتاريلا، الذي يتولّى منصباً شرفياً إلى حد كبير، أن يجري استشارات حكومية، يطلب بعدها من كونتي محاولة تشكيل حكومة ائتلافية أوسع، أو يعيّن حكومة تقنية إلى حدّ كبير تقود البلاد خلال محنة كورونا، أو يحلّ البرلمان ويدعو إلى انتخابات مبكرة، قبل موعدها بسنتين.

“ألاعيب قصر”

ويضمّ الائتلاف الحكومي الحالي “حركة النجوم الخمس” الشعبوية، و”الحزب الديمقراطي” ليسار الوسط، وحزب “لو” اليساري، ويأمل الأطراف الثلاثة في أن يشكّل كونتي حكومة ثالثة. وكانت الأولى في عام 2018، وضمّت “حركة النجوم الخمس” وحزب “الرابطة” اليميني المتطرف، بقيادة ماتيو سالفيني، واستمرت 15 شهراً. أما الثانية فكانت مع “الحزب الديمقراطي” ودامت 16 شهراً.
ويطالب سالفيني، وأحزاب المعارضة اليمينية بإجراء انتخابات مبكرة، على أمل الاستفادة من استطلاعات للرأي أظهرت ارتفاعاً في نسبة التأييد لحزب “الرابطة” وحزب “إخوان إيطاليا” اليميني المتطرف، بقيادة جورجيا ميلوني.

وانتقد سالفيني “ألاعيب قصر وشراء أعضاء في مجلس الشيوخ وبيعهم” في الأيام الأخيرة، لدى محاولة كونتي إيجاد حلفاء جدد لائتلافه، معتبراً أن الأخير عاجز عن قيادة إيطاليا خلال أزمة كورونا.
وأضاف: “دعونا نستغلّ هذه الأسابيع لإعادة الكلمة للشعب، وستكون لدينا 5 سنوات من برلمان جدي وشرعي، وحكومة لم يتم اختيارها في القصور، بل بواسطة الإيطاليين”، وفق “أسوشيتد برس”.
في المقابل، نبّه رئيس “الحزب الديمقراطي” نيكولا زينغاريتي إلى أن الانتخابات المبكرة هي آخر شيء تحتاجه البلاد.
وكتب على تويتر: “(أقف) مع كونتي من أجل حكومة وسطية جديدة مؤيّدة لأوروبا بشكل واضح، ومدعومة بقاعدة برلمانية واسعة، تضمن صدقية واستقراراً لمواجهة التحديات التي تنتظرها إيطاليا”.

“حكومة أورسولا”

ولفتت وكالة رويترز، إلى أن فشل كونتي في تشكيل حكومة جديدة، قد يدفع ماتاريلا إلى تشكيل ائتلاف واسع متعدد الأحزاب، يشمل الأحزاب الحاكمة وتلك اليمينية المعارضة.
ورجّحت الوكالة، أن يقود تلك الحكومة تكنوقراطي غير متحزّب، مثل الرئيس السابق للمصرف المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، مستدركة أن غالبية الأحزاب الإيطالية تستبعد هذا الخيار.
ويبقى خيار تشكيل “حكومة أورسولا”، بقيادة كونتي على الأرجح، وعضوية الأحزاب الإيطالية الرئيسة التي صوّتت لأورسولا فون دير لاين، لترأس المفوضية الأوروبية، وستضمّ هذه الحكومة الافتراضية، الأحزاب التي دعمت رئيس الوزراء المستقيل، وحزب “فورتسا إيطاليا” المحافظ الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلسكوني، لكن الأمر يستدعي أن ينأى الأخير عن كتلة يمين الوسط، كما أن “حركة النجوم الخمس” رفضت دوماً مشاركة الحكم مع “فورتسا إيطاليا”، وفق رويترز.
وقبل ساعات من استقالة كونتي، قال برلوسكوني إنه يثق بـ “الحكمة السياسية” لماتاريلا للخروج من الأزمة، معتبراً أن الحلّ يكمن في تشكيل “حكومة جديدة تمثل وحدة جوهرية للبلاد، في حالة طوارئ”، أو تنظيم انتخابات يكون فيها القرار للناخبين الإيطاليين.

أسباب الأزمة

ولكن لماذا سحب رينزي وزراءه الثلاثة من الحكومة؟ أوردت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن الأخير “تذرّع بأسباب موضوعية كثيرة”، أوّلها اعتراضه على إدارة كونتي لـ 209 مليار يورو، هي حصة إيطاليا من خطة التعافي الأوروبية لكبح تداعيات كورونا. لكن السبب الأهم قد يكمن في “عملية سياسية تستهدف تعزيز موقعه المؤسّساتي، رغم عدم شعبيته”، مرجّحاً سقوط كونتي بعد خطوته.
ولفتت مجلة “ذي إيكونوميست” إلى أن شعبية حزب رينزي لا تتجاوز 3%، فيما أن نسبة تأييد كونتي هي الأعلى. وأضافت أن منتقدين لرينزي اعتبروا أنه “يريد أن يصبح صانع الملوك في السياسة الإيطالية”، متهماً كونتي بالاحتفاظ بـ “مقدار كبير من السلطة”، و”مستشهداً بسيطرته على أجهزة الاستخبارات”. وندّد رينزي بإحجام كونتي عن الاستفادة من صندوق أوروبي للإنقاذ المالي، يُسمّى “آلية الاستقرار الأوروبية”، للحصول على سيولة من أجل تعزيز الخدمات الصحية في إيطاليا.
أما هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، فذكرت أن استطلاعاً للرأي أعدّته مؤسسة “إيبسوس”، أظهر أن 73% من الإيطاليين يعتبرون أن رينزي “يسعى إلى تحقيق مصالحه الشخصية ومصالح حزبه”، من خلال إثارة الأزمة السياسية، علماً أنه ترأس الحكومة بين عامَي 2014 و2016.

“مهارات بقاء غير متوقعة”

لكن صحيفة “وول ستريت جورنال” لفتت إلى أن “ساسة واقتصاديين ورجال أعمال كثيرين يتساءلون هل لدى كونتي رؤية لاستخدام أموال الاتحاد الأوروبي بشكل جيد، رغم شعبيته”، مضيفة أن “إنهاء الركود في إيطاليا شكّل تحدياً لرؤساء وزراء لديهم خبرة اقتصادية، أكبر من خبرة أستاذ القانون البالغ 56 عاماً”.
لكن الصحيفة أقرّت بأن كونتي “أظهر مهارات بقاء غير متوقعة”، بعدما أحبط محاولة سالفيني إسقاط حكومته، في عام 2019، وفرض تنظيم انتخابات مبكرة، إذ شكّل ائتلافاً جديداً مع “حركة النجوم الخمس” و”الحزب الديمقراطي”.
واعتبرت الصحيفة أن سقوط الحكومة، بعد 17 شهراً على تشكيلها، “هو أحد أعراض انقسامات مستمرة في السياستين الإيطالية والأوروبية”. ورجّحت أن يثير “الانهيار السياسي الأخير في روما، قلقاً في عواصم الاقتصادات الأوروبية الأقوى، مثل ألمانيا”، علماً أن إيطاليا هي أبرز مستفيد من حزمة التعافي الأوروبية.

أما مجلة “فورين بوليسي” فتحدثت عن “قاعدة في السياسة الإيطالية”، مذكرة بأن البلاد شهدت رئيساً جديداً للحكومة كل سنتين، منذ عام 1989. ولفتت إلى أن استطلاعاً للرأي أعدّته مؤسسة Morning Consult منح كونتي نسبة تأييد تبلغ 56%، ليحتلّ بذلك المرتبة الثانية في أوروبا، بعد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في شعبية القادة.
ونقلت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية عن ولفانغو بيكولي، من مركز “تينيو” للبحوث، قوله: “حسابات كونتي أنه من خلال تولّي زمام المبادرة، وبالتالي تجنّب هزيمة مذلّة في مجلس الشيوخ، فإنه سيعزّز فرصه في نيل تفويض من ماتاريلا لتشكيل حكومة جديدة”.

زر الذهاب إلى الأعلى