مقالات وآراء

من كرش إلى العند

كتب/ ماجد الطاهري

كعادتي كل يوم أغدو صباحًا واعود ظهراً في رحلةٍ قصيرةٍ أستهلها من حيث مسكني بمركز مديرية كرش الى سوق مدينة العند م/تبن أقطع خلالها مسافة تقدر حوالي من[35 إلى 40] كيلو متراً تقريبًا أقود سيارتي الهيلوكس وعليها بضعة نفر من <الرُّكّاب> نتبادل خلال مسافة الطريق أطراف الحديث والغالب أنه حديث مكرر يتمحور عن الحرب وتدهور صرف العملة وغلأ الاسعار ولايخلو من بعض التحليلات والأراء كلاً بحسب رؤيته وتصوّره ..

هذا كله وانا اراقب بخوف شوكة عداد خزّان الوقود الذي بدأت تترنح وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة في مثلث العند فأنعطف إجباريًا يساراً صوب محطة الوقود وأقف بجانب المحطة لأنادي على العامل: ياشيخ يوجد لديكم بترول ؟ يجيب حينًا بلا يوجد واحياناً أخرى نعم ويضيف اليها كم لتراً تريد ؟

أسأله مرّةً أخرى بصوت أقرب الى الهمس كم سعر الدبة عشرين لتر؟
فيرد العامل:أقطب واحد وعشرين الف ريال، آخذ نفسًا عميقًا واقول له مغلوبًا على أمري حسنًا اسكب نصف دبه وبينما هو يملى خزان الوقود أحاول عبثًا لفت انتباه الركاب بإدخال يدي الى جيبي لتخرج بيضاء خالية الوفاض من النقود ،يلمحني أحد الركاب وهو بجانبي ويدرك بإنه يعتريني الخجل لعدم توفر المبلغ بحوزتي ف يُنصِّب نفسه وكيلاً بدلاً عني ويخرج من جيبه نقودًا مشيراً على البقية بالقول هيّا اعطوا للراجل قيمت البترول فيجمعها منهم كلاً بحسب الضروف وأسأله هل المبلغ كافي ثمن الوقود فيجيب حيناً نعم وحيناً آخر يقول نقص عن القيمة الف أو الفين …

بعدها نواصل المشوار تجاه مقصدنا مدينة العند وما أن نصل الى أول الشارع الرئيسي للمدينة حتى نصبح وكأننا في صعيد مِنى ورمي الجمرات زحامًا للبشر وأفواج السيارات والشاحنات إضافةً الى جنون سائقي الدراجات النارية التي تمر جميعها عبر الطريق العام للشارع الضيق والذي يعج بالمحلات التجارية ومفارش الباعة والعربيات وسط الشارع الرئيسي ما يجعل الصدر ضيقًا حرجًا والمحظوظ من نفذ بجلده وسيارته سليمًا من ≧صدمه أو دحشه﹏≦نتوقف بعد جهد للبحث عن موقف مناسب ينزل الركاب كلاً يقضي شأنه ، وأقعد أنا غالبًا في سيارتي والحظ ما يقوم به رجال المرور من عمل جبّار في التخفيف من وطأة الزحام وفي مقدمتهم رجل المرور المعروف (بن مانع) إذ تجده يصول ويجول في الشارع ويطلق عباراته المألوفة إطلع يابشر-إطلع ياسيكل-اطلع ياباص ووووالخ،

ما تجدر الإشارة اليه والهدف مما ذُكِر ما رأته عيناي خلال هذا الأسبوع الأخير في المدينة إذ لحظت أن الناس بدت أشدّ تضجّراً حتى تكاد تفقد صوابها جرّاء ارتفاع اسعار المواد الغذائية وتدهور العملة المحلية ولم يعد تذمرهم مجرد أحاديث وأقوال بل تعدى ذالك إلى أفعال فلا يكاد يمرُّ يوم إلا وتشاهد مظاهر إحراق الإطارات وقطع الخط العام واغلاق المحلات التجارية والمطاعم والصيدليات لبضع من الوقت ثم تتلاشى تدريجيًا وهي كل يوم تختلف عمّا قبلها، أفواج من الجماهير تظهر بمجرد شرارة يشعلها صوت أحد الاشخاص في الشارع يندد بالأوضاع الكارثية والأحوال المأساوية التي وصل اليها المواطن فينجذب نحوه العشرات من الناس وكأنهم كانوا في أسر من الهموم والأحزان أو مكبلين بأغلال الفاقة والحسرة، وكأنهم كانوا فقط ينتظرون أملاً كاذبًا إو خبراً مفرحًا يفرّج ما بهم من ضيق لكنهم بعد يأس سمعوا صوتًا يستنهض ما بقي بهم من قوةٍ وينادي بهم بما معناهُ كفى عبثًا وكفى كذبًا هذه لم تعد حرب كما زعموا مشروعة بل حرب على البطون والأفواه فما أن يتردد صداء ذالكم الصوت وتسمعه الآذان إلّا وأشرأبت له الأعناق وتداع له القوم من كل حدبٍ وصوب فأصبح هديراً يملى المكان تنديداً ورفضاً للإستمرار أكثر على هكذا أحوال..

وأصدقكم القول فقد بدأت أقلق كثيراً من تغير مزاج الناس وتصرفاتهم هناك إذ بدت ملامح وتيرة التظاهرات تميل نحو العدائية كل يوم أشد من ذي قبله،وفي ظل اللا مجيب أو مستجيب أو متجاهل لما يحصل في محافظات الجنوب فأخشى ما أخشاه أن تنفرط عقد الحبل ويتجه الناس نحو الفوضى والسلب والنهب ، الذي دون شك سيجر الى القتل والعبث والخراب ويؤدي الى إقلاق السكينة العامة وإنعدام الأمن والطمأنينة للمواطن وهما لعمري أهم مما سواهما…

رسالتي الى أهل الحل والعقد {دول التحالف-المجلس الانتقالي الجنوبي-شرعية هادي} إذا لم يتدارك الأمر وتعملوا حلولاً لما وقع بحقّ هذا الشعب الصابر من ممارسات الظلم والجور وسياسة التجويع والتركيع والإذلال وحرب البطون فإننا نتجه نحو الفوضى والعبث واللا دولة وهو ما سيقود حتمًا نحو الضعف والفشل وبالتالي يسهل للإعداء ابتلاع الجميع بكل سهولةٍ ويُسر لا سمح الله…

اللهم فرّج عنّا ما نحن فيه
وردّنا اليك رداً جميلاً ، والّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا وانصرنا على القوم الظالمين

زر الذهاب إلى الأعلى