رحلة التميز والإبداع.. “سارة النجار” من أضواء الإعلام إلى شغف الكتابة والتدريب
كريترنيوز /شقائق /حوار/ سبأ الجاسم الحوري
في هذا الحوار، نجول مع سارة أسامة النجار، الإعلامية الفلسطينية الشابة التي قادها شغفها بالصحافة والإعلام إلى عالمٍ مليء بالتحديات والإنجازات، من بلدة بني سهيلا شرق خانيونس في جنوب قطاع غزة، حيث درست الإعلام وبدأت مسيرتها كمقدمة برامج إذاعية وتلفزيونية ومدربة، إلى سعيها لإكمال دراسات عليا في إدارة الأعمال.
رحلة مليئة بالتحديات والصعوبات، ولكنها أيضاً محملة بالتجارب التي تركت بصمتها الخاصة على أسلوبها المهني، سنكتشف معها تأثير خلفيتها الأدبية على عملها الإعلامي، ورأيها في دور الإعلام الفلسطيني في دعم الثقافة والتوعية، إلى جانب نصائحها القيمة للشباب الطموح.
كيف بدأ اهتمامك بالإعلام، وكيف قررت الانتقال من دراسة الصحافة إلى مجال تقديم البرامج؟
اسمحوا لي أن طرُقَ خزانَ ذاكرتي لأصلَ إلى جذرِ انتمائي للإعلامِ، حيثُ كنتُ في صغري أهربُ إلى عالمي الخاص الذّي يبسُطُ فيهِ خيالي منصةً أتوسطها؛ لأقفَ تحتَ الأضواءِ وأنا أحتضنُ بينَ أناملي الرّقيقة مشطَ شعري لأُهندم صووتي بأشعارٍ وأغانٍ وعرافاتِ مهرجاناتٍ ضخمة، فيرتدَ صدى تصفيقِ جمهورها في رُبوعِ أحلامي، فيزدادُ عطائي بإلقاء ما يجولُ في داخلي، فقط بتحريكِ شفاهي دون أنْ أسمحَ لصوتي أن يجتاحَ آذانَ غيري، وإذا شعرتُ أنَّ شخصًا ما يراني، أسرعتُ لتَسْريحِ جدائلي، وكانَ أهلي يعتقدونَ أني مُصابةٌ بِهوسِ ترتيب شعري، والحقيقةُ أنَ الخجلَ كان يغزوني.
ربما غرقتُ في مُحيطِ أرشيفِ طفولتي، لكني سأقفزُ نحو تفوقي في الثّانويةِ العامة مما جذبَ كاميراتِ الإعلاميين والصّحفيين إلى بيتِنا، فبتُ أُهرولُ من لقاء تلفزيوني إلى مُقابلةٍ إذاعية، ثم إلى حوار صحافي، ثُمَّ إلى مدونة وموقع إلكتروني، بَقيتُ على هذا الحالِ مُدّةَ شهرٍ كامل، وفخرُ أهلي كانَ مُضاعفًا بِتفوقي وتشتيت الخجل عن مُحياي، فسطع ثباتُ مفرادتي ومُصادقتي للكاميرات حتى وجدتُني أجيبُ الصّحفيين “أني سأُصبحُ زميلتكم في الميدانِ” وبالفعلِ، امتطيتُ إرادتي، وجمعتُ كل “اللاءات” اللّاتي اعترضت حُلمي؛ لأحولها إلى “آه” عميقة جعلتني أسبقُ فرسان الإعلام القُدامى، وأحصدَ الثّناء من كل من قال لي “لن تستطيعي”.
تنقلتُ بين الكتابة الصحفية، والتقديم الإخباري، والتحرير، والبرامج، حتى صرتُ مطلبًا لمؤسسات المجتمع المدني التي ترغبُ بإعداد حلقات حول قضايا اجتماعية؛ فأصبحَ صوتي بوصلة؛ للتغيير المجتمعي، وملأتُ المقاعِدَ الشّاغِرةَ في عشراتِ المحطات الإذاعية والتّلفزيونية. لم يستطع أحد تعويض غيابي، هذا ما قاله الإعلاميون المُخضرمون لي.
وطالما شعرتُ أنَ تقديمَ البرامجِ أبٌ للمهاراتِ الصّحفية كافةً، وكنتُ أسمعُ الميكرفون يُناديني؛ لذا لم ولن أرده خائبًا دون أن أطليه برسائلي التّي أسعى من خلالها إلى تثبيت مبدأ أن الاختلافات تميزنا، والإنسانية توحدنا.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ كإعلامية شابة في غزة؟ وكيف تغلبتِ عليها؟
منذ وطئت أقدامي البِساط الإعلامي وخزتني أشواكٌ عدة؛ كانت أبرزها مخالبُ المُجتمع التّي كانتْ تحاول أنْ تخدِش طموحي بزعمهم أنَّ الإعلام لا يليقُ بي؛ لأني أُنثى مِن جهة، ولأنَّ بدرَ نظري لم يكتملْ؛ لأنَّ حُسنَ تقويمي قضى أن يُرافقني ضعفُ النظر على متنِ حياتي من جهةٍ أخرى، علاوةً على اكتظاظِ خريجي الصّحافة في كفةِ مدينتي رَغم قلةِ المؤسساتِ الإعلامية.
ولأنَّ صرح طموحي أعرقُ من كُلِ العراقيلِ، سللتُ عزيمتي، وبفرٍ دون كرٍ هزمتُ تَنابُزَ الثّرثارينَ فصفعتهم أعمالي المُقترنة بعلمي؛ ليبددوا مُعتقداتهم ويعترفوا أن لا شيء يليقُ بي سِوى الإعلام، وكأنهم يمنحون صك الإبداع الذّي فُطرتُ عليه، وملتُ إلى التّكنولجيا لأصنعَ لنفسي عينًا صناعية تُقرب البعيد، وتكُبر الصغير، وتوشم في عقولِ النّاس أنَّ بصيرتي كزرقاءِ اليمامة، ترى ما خلفَ حدود البصرِ.
وجميعُ التّحدياتِ تندثر أمام الاجتهاد في العلم والعمل، وتسمين المهارات، دون كللٍ أو مللٍ.
هل وجدتِ أن خلفيتك الأدبية أثرت على أسلوبك في إعداد البرامج وتقديمها؟
بالتأكيد للأدب سحر يُسكر الأذهان؛ فقد كنتُ أرمي يدي على لوحة مفاتيح جهازي المحمول، وأتمعن بتدفق الأحرف بين شرايين لغتي؛ لتتراقص بنانُ أصابعي، لتُغري الفكر بلوحة مُرصعة بالبلاغةِ المُتكئة على عرش محتوى يستعد ليرتدي صوتي ولغة جسدي، ليخلق لي أسلوبًا مختلفاً في تقديم البرامج، فكانت وما زالت مقدمة وخاتمة أعمالي ضفتي نهرٍ عذب يرتشف منه من يشاء؛ ليكون مرجعاً في مساقات الإذاعة والتلفزين في أكثر من جامعة محلية في قطاع غزة.
وإذا دقَ بابي أصدقائي من طلبة الإعلام ليستعيروا بردية كلماتي في الإعداد، تظهرُ بصمتي عند تقديمهم مُفرداتي، فكنتُ أشعرُ بقوةِ تأثيري النابع مِن إبحاري اللامتناهي في يمِ الضاد؛ فامتناني للثمانية والعشرين جوهرة ليس له حدود.
ما هي اللحظات التي تعتزين بها في مسيرتك الإعلامية؟ وهل هناك برنامج أو لقاء معين يعتبر الأقرب إلى قلبك؟
أفردُ ريشَ تقديري لذاتي دون اغترار عندما يُحكم مدراء المؤسسات الإعلامية التشبث بي أثناء محاولتي التّنصل من تقديم عملٍ لهم، أو عندما أُطلب بالاسم لأقود حلقة تحتضن ضيوف رفيعي المستوى، وترتسمُ على مُضغتي ابتسامة مصدرها رسالة من مُتابع يخبرني أني صنعتُ له فارقًا، وأجملُ ما يجعلني أرفرف هُو عبارة “أنتِ مُلهمتي”.
وقبلَ أيامٍ تسربت لسمعي همساتُ فتيات يجلسن خلفي، وهن يتنافسن على مدحي سرًا وإعجابهن بحضوري السلس الذّي يحصدُ قَبول من يُصافحُ نسمات وجودي، فيزدادُ منسوب يقيني أني خُلقتُ للإعلامِ.
سؤالك هذا عن أقربِ الأعمال إلى قلبي أدخلني متاهة شديدة التّعقيد، لِأفاضلُ بين مُفضلاتي، فلدي الكثير مِن الأعمال تسرقُ قلبي، لاسيما تلك التّي تخرجُ مِن قلبي دون استئذان؛ لتهمس في قلب من يحتاجها. أحبُ أول أعمالي الإعلامية “ساعي البريد” الذي أوصلتُ من خلاله رسائل تطوير الذّات للشباب. وأحب الحلقات الأولى من برامجي الإذاعية، مثل: “جواهر مخفية”، و “حلّق عاليًا” الذي حلقتُ فيهِ مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في سماء الشّمولية التّي تتسعُ للجميع. وأحبُ برنامجي التلفزيوني “مشوار وقصة”، الذّي جلتُ خلاله في المعالم الأثرية في وطني، مع الحديثِ عن قُرانا المُهجرةِ التّي طردنا الجُندُ منها في نكبة 1948م. وأحب عشرات الفيديوهات التنموية، أو قصائدي الشعرية التي قدمتها على منصة أِنستغرام تحت مُسمى “وزيرة الإيجابية”.
كيف كان تأثير الظروف المحيطة، وخاصة الحرب، على مسيرتكِ المهنية والشخصية؟
تنهيدةٌ تعصفُ بروحي مع تتابع الغارات التّي لا تخرس في حرب الإبادة الجماعية التّي وصلتْ شظاياها إلى عملي الإعلامي، فبترتْ برامجي، ومعظم أعمالي. نال الخوفُ مني، وارتعشت أحلامي في ذلك اليوم القاتم في الخامس من ديسمبر حينَ حاصرتْ فيه آليات الجيش الإسرائيلي بيتنا الكائن في المنطقة التي زعموا أنها آمنة، كُنا نفطرُ البارودَ ونتغذى على وجبة دسمة من الانفجارات الهوجاء، ونتعشى قذائف مدفعية مُتصارعة، حتى استهدفونا بشكل مباشر فأُصبنا بجروح متفاوتة، تزامَنَ هذا مع منعهم لطوااقم الصليب الأحمر من إجلائنا.
وبعد أسبوع، اقتحمت كتيبة منزلنا واعتقلت أبيّ وأخوتي الشّباب، واحتجزت النّساء والأطفال، وكنتُ أرتعدُ خوفًا مِنْ أن يُصابَ أحدنا بمكروه؛ فالشّرُ كان يقدح من أعينهم أكثر من بنادقهم المصوبة في وجوهنا، صادروا كل شيء، وأهم شيء هو هاتفي المحمول الذي كان بمثابة عين لي، وصديق، ومرشد، ومخزنٍ لأعمالي، ثُم أجبرونا على النّزوح حُفاةَ الأقدام مع فُتاتٍ من حاجياتِنا.
وهُنا بدأتْ الحربُ بالنّسبة ليّ حيثُ غربتُ عن بيتي، فكانَ طوفانُ القهرِ يكسرُ مجاديفَ رحلتي الإعلامية؛ فالجوع، والمرض، والبرد، والنزوح تلو النزوح، كُلُّ أولئك دفنوا صوتي في سِرداب عميق، أعاني لاسترجاعه، إلا أنَّ سعيي لم يُشل، فعدتُ للعملِ مع بعض الإذاعات في الضفة الغربية، والكتابة لمجلة بريطانية.
تجاوزت الحرب الـ 400 يومًا فقدتُ خلالها العشرات من أهلي، وأصدقائي، وزملائي الإعلاميين، ودمروا بيت عائلتي، ثم حرقوا منزلنا الآخر؛ فخسرتُ ذكرياتي، وملابسي، وشهاداتي، وألعاب طفولتي، ودروع تفوقي وإنجازاتي؛ فالبيتُ يا سادة ليس مجردَ اصطفاف حجارة، أنهُ منجم حب، ونجاح، وفرح، وذكريات، حتى لو كان جزءٌا منها حزين، إلا أني أحنُ لَها، كما أتوق شوقًا للروتين المتكرر تحت مظلة الأمان الذي نتضور إليه الآن، والحمدلله أن أبيّ وإخوتي الشّباب عادوا ليكونوا حصنَ أماني مع أمي وأخوتي.
هل ترين أن الإعلام الفلسطيني يؤدي دوره بفعالية في دعم الثقافة والتوعية؟
يناطحُ الإعلامُ الفلسطيني ترسانةَ الرّواية الصّهيونية والغربية التّي تمتدُ جذورها في أذهان الملايين من العالم، الذين حُجبتْ عنهم الحقيقة لعقودٍ من الزّمن؛ لِذا كانتْ خطواتُها التّوعوية بطيئة، إلا أنَّ هذا لا يُلغي فكرةَ “أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول”، وبدا الأثرُ ينضجُ في السّنواتِ الأخيرة مع توجيه خطاب موحد بلغاتٍ مُتنوعة تحملُ الحقيقة بحق القضية الفلسطينية، وإعادة بث المواد الإعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأُزيلتْ الغمامة عن عيونِ مئات الآلاف في كوكبنا بفهم أبجدية اللّعبة السّياسية العالمية، وعدالة قضيتنا، والفضلُ يعودُ للرسالةِ الإعلامية الفلسطنية، وأبطالِ مهنة صاحبة الجلالة.
بالإضافة إلى ذلك، ما زلنا نحتاجُ لتكثيف الجهود الإعلامية؛ لضبط المحتوى المتدفق للعرب والغرب لتثبيت مرساة التغيير والوعي.
كيف تتعاملين مع النقد الذي قد يواجهكِ، خاصةً في بيئة إعلامية مليئة بالتحديات؟
أبوابي مفتوحة دائمًا لاستقبالِ وفود النّقد، فلو قُدمت لي على طبقٍ من الذّوقِ الرّفيع لتناولتها هديةً، ولاحتفظتُ بِها في صندوقِ تطوير مهاراتي، ولَوْ قُدّمتْ في كأسٍ لاذع فهي دواء مُر، لَكنهُ مُفيدٌ لا أعرِضُ عنهُ.
والنّقدُ يُثبتُ أنَّ أعمالي تُسمع، وتُقرأ، وتُشاهد، وهذا مؤشر على وجودي في السّاحة الإعلامية، مما يُحرك عجلاتْ طموحي للقمةِ.
هل تجدين أن ميلك للأدب انعكس بشكل خاص على أسلوبكِ الإعلامي؟ وكيف توازن سارة بين الأدب والإعلام؟
الأدبُ يا صديقتي مرآة تعكسُ الفكر في إناء الإعلامِ؛ إذْ تصبحين قادرة على الرّسمِ بالحروفِ، فيغدو محتواك لوحة تُعرضُ في مزادِ الإبداع. وهذا ما حدث معي تمامًا. إن أعمالي ميزان في كفتيه الأدب والإعلام، تغيرُ مكياله الرّسالة أو الظروف المُحيطة مع مرعاة الفئة المُستهدفة.
وأنا أملكُ قلبًا مُتيمًا بحبيبين هما الأدب والإعلام، وأنحازُ في بعض الأوقاتِ للمعشوق الأول ألا وهو اللغة التّي أبهجت معشقوتي الأخيرة الصحافة والإعلام، وإن فرقتهما تصبحان ضرتين تتصارعان، وإن جمعتهما تصبحان توأمتين تنشران شذا التأثير على من يرتشف رحيقهما.
كيف أسهمت تجربتكِ الشخصية في تكوين رؤيتك الخاصة حول الإعلام وتطوير نفسكِ؟
تنضج تطلعاتي نحو الإعلام مع التجارب المختلفة في القوالب المهنية، والمواضيع الموجهة للجمهور، وهذا يجعلني أُجازف بالغوص في القضايا كافة؛ ليستقر في عقلي أن للإعلام سطوة بالغة القوة في صناعة الوعي المجتمعي، وبناء السياسات، ونسج القيم والأخلاق.
وإدراكي بأنَّ الإعلام سلاح ذو حدين دفعني للسعي المستمر لاكتساب مهارات جديدة، وتطوير ما لديّ بشكل متوازٍ، مع إبقاء عدسات التحليل مصوبة نحو الصغائر والكبائر التي تحيطنا.
ما هي النصيحة التي تقدمينها للشباب الفلسطيني الطموح في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها؟
أودُ أن أُذكِرَ كل الشّباب بِأَنَّهُ حينما تعرقل قطعة حديد دولاب سيارتك، فلا تلعنها، ولا تتركها، بل انهض واقلع المُعيق، وأكمل رحلتك بنفس السّرعة، وتجاوز الحواجز بحكمة، ولا تشتكي الشّقاء، بل اشكره؛ لأنه من سيجعل لعقلك عضلات تؤهلك للانتصار في معارك الحياة.
وكنا على يقين أنه “لا يُكلِف اللهُ نفسًا إلا وسعها”.
نعم.. بوسعك تحمل جبال الابتلاءات المُلقاة على ظهرك، وستقطف ثمار الخير عاجلًا أم آجلًا، المهم أن تشنق كلمة “مستحيل” لتُمحى إلى الأَبَدِ من قاموسك، ولا تستسلم.
كيف تقيمين دور المجلات الأدبية، مثل مجلة “إيفرست”، في نشر الثقافة وتوثيق الإبداع الفلسطيني؟
تُعدُّ المجلات الأدبية، مثل مجلة “إيفرست” جزءًا جوهريًا من النّسيج الثّقافي الذّي يربط الهوية الفلسطينية بالواقع الإبداعي والثّقافي العربي والدّولي.
وتحتل هذه المجلات دورًا محوريًا في نقل وتوثيق الثّقافة الفلسطينية؛ فهي ليست مجرد صفحات ورقية، بل مساحات حيوية تمنح المبدعين الفلسطينيين، من كتّاب، وشعراء، وفنانين، منصةً تتيح لهم التّعبير عن رؤاهم وتجاربهم، وتفتح آفاقًا أوسع للتفاعل مع الجمهور العربي والعالمي.
كما تسهم المجلات الأدبية كذلك في توثيق التراث الفلسطيني، وحمايته من النّسيان، خصوصًا في ظل التّحديات التّي يواجهها الشّعب الفلسطيني، حيث تُمثّل نصوص الأدب والفن وثائق حية تُحافظ على الهوية، وتؤرّخ مرحلة مفصلية في التّاريخ الفلسطيني، وتؤكد أن فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل أرض خصبة تتجلى فيها ألوان الإبداع، ومآسي الأمل.
وأعتقدُ أنها تساعد في نشر الثّقافة بين جيل الشّباب، مما يخلق مساحة للتواصل بين الأجيال، ويدفع الشّباب نحو الانخراط في الأدب والفن كمصدر إلهام ومقاومة يعبر عن واقعهم، وينقل صوتهم إلى العالم.
ما هي المهارات التي تعتقدين أن الشباب الطموح يحتاجها للنجاح في مجال الإعلام؟
ضريبةُ النّجاح هي الطمع في اقتِناءِ المهارات الممزوجة مع المعرفة بشكل مستمر ومواكب مع تغيرات العصر السّريعة، لكن دعيني ألخص أبرز المهارات مثلث التفوق الإعلامي:
ضلعه الأول يتمثل في التّفكير النّقدي، حيثُ يجب أن يمتلك الإعلامي عينًا تحلل بذكاء، وتقرأ ما بين السّطور وما وراء الحدث، أما الضّلع الثّاني فيبرز في المهارات التّقنية، والقدرة على إنتاج محتوى رقمي سريع يجذب تطلعات الشّباب الذّين يتلقون الأخبار من هواتفهم الذكية، فيتميز الإعلامي بتحويله الكلمة إلى صورة، والصورة إلى صوت يلامس القلوب.
وليكتمل مثلث التألق الإعلامي، يجب التّسلح بمهارة التّواصل الفعال مع الجمهور، والقدرة على بناء جسر بين الواقع والمجتمع، مع حصد ثقته للتأثير عليه؛ لجعله يتفاعل معك. فالإعلامي ليس مجرد ناقل للخبر، بل هو صاحب رسالة، وعصا سحرية للتغيير. والإعلامي النّاجح هو الذّي يتمتع بإحساس مرهف وإنسانية ورغبة مستمرة لتطوير مهاراته، وجعلِ نعله يدوس الأرض؛ أي يكون قريبًا من الجمهور.
كيف أثرت تجربتكِ في التدريب على فهمك لدور الإعلام في تنمية الوعي المجتمعي؟
اكتشفتُ شغفي بالتّدريب عندما كُنتُ في ربيعي الخامس عشر، حينَها طلبت مني مُعلمة الثّقافة أن أنوب عنها بشرح الدّرس، فاخترقتُ القوانينَ وحولتُ الصّف إلى قاعة تدريبية تضج بمنهجية المُشاركة وتنويع الأساليب، وكانا والداي قدّ ورثاني المهارات القيادية والتدريبية التّي انعكست على وقفتي أمام الجمهور.
وحصولي على شهادات مُعتمدة بتنصيبي مُدربة قد حجز لي مساحة أنقلُ من خلالها المهارات والمعرفة في مجالات شتى، قربني من الناس، وجعلني أتعاطف مع قضاياهم بنزاهة، وأتوسّم بوسام ثقتهم.
وللتدريب جوانب خفية في صقل الشّخصية وتربية النّفس، تظهر معالمها عند إنتاج المحتوى الإعلامي، سواء عبر الإذاعة أو التلفاز، أو منصات التواصل الاجتماعي.
ويكمن الأثر عندما يصبح متدربيوي جمهوراً لأعمالي، أو يصبحون ضيوفي، ويُشارِكونَني قصص نجاحهم، والتغيير الفارق في مشوار الألف ميل نحو أهدافهم.
ما هي المحطات التي تتمنين تحقيقها في مسيرتك المهنية، سواءً في مجال الإعلام أو التدريب؟
لا يوجدُ سقفٌ لطموحي اللامحدود، وأسأل الله دومًا أن يجعل اسمي شامخًا فوق قلاع الإيجابية، حتى لو كانت بصمتي خفية على قلب طفل، أو عقل حالمٍ، وسأكتفي بسيمفونية خططي المستقبلية التي تُعزَفُ على أوتار الكتمان؛ كي لا أحرقها قبل أن تُضيء.
أخيرًا، كيف كانت تجربة هذا الحوار بالنسبة لكِ، وهل ساعدتكِ الأسئلة في استرجاع محطات مؤثرة من رحلتك الإعلامية والشخصية؟
لم أكن أتمنى أن أنهي نزهتي الحوارية معك عزيزتي سبأ؛ فقد كنتُ سعيدة بنسمات الذكريات التّي تُحيي عزيمتي للعطاء. ورغم مد وجزر الظروف العاتية إلا أن هذا لم يحرمني السّير على شاطئ أرشيفي المرصوفِ بصدفات التميز. رحلتي معك جددت تأشيرة الاعتزاز بذاتي الواقفة فوق أنقاض آمالي المُبعثرة مع تتابع الغارات التي كتبت معي إجابات هذا اللقاء العميق.
وأتمنى عزيزي القارئ أن لا يزورك الضجر وأنت تقرأ إحساسي الموجه إليك، ولا تنسى أني قدّ خبأت لكَ أسرارًا تُعينك على التحليق عاليًا.