التلويح باستخدام القوة لفرض السلام..«العصا الأمريكية» هل تفلح في إخماد أزمات الشرق الأوسط أم تؤججها؟

كريترنيوز / تقرير
تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعات معقدة، في اليمن وسوريا والسودان والصومال وليبيا والعراق ولبنان وفلسطين. وكان أخطرها – من المنظور الأمريكي والأوروبي – صراع اليمن الذي تسبب في تعطيل خطوط الملاحة الدولية بمضيق باب المندب الرابط بين البحر الأحمر وخليج عدن، نتج عنه تضاعف تكلفة نقل البضائع وارتفاع أسعارها والتبعات السلبية على الاقتصاد العالمي.
تداعيات دفعت دول أوروبية وأمريكا إلى تشكيل تحالفات عسكرية (حارس الازدهار واسبيدس)، لحماية السفن التجارية من قرصنة واعتداءات مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من جمهورية إيران الإسلامية، وإعادة أو فرض – إن صح التعبير – الأمن والسكينة والسلام بذاك الممر الدولي الهام، عبر استخدام القوة العسكرية.
ويرى محللون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ أن تصدر المشهد السياسي في الولايات المتحدة في 20 يناير 2025م، عاد مفهوم “السلام من خلال القوة” إلى الظهور كوصف لسياسته الخارجية.. متسائلين: كيف نقل ترامب مفهومه عن “السلام من خلال القوة” إلى الواقع في تعامله مع أبرز الصراعات في العالم.
لافتين إلى أن المتابع لتصريحات ترامب ومواقفه يجد فيها خليطاً من عدة أمور، فهو من ناحية صاحب رؤية توسعية، من مظاهرها الرغبة في السيطرة على أراضي الغير كطموحه في ضم جزيرة غرينلاند، وضم كندا لتصبح الولاية الحادية والخمسين، وامتلاك أراضي قطاع غزة لتصبح “ريفييرا” عالمية، واستعادة قناة بنما، وتغيير اسم خليج المكسيك. ومن ناحية أخرى، يُهدد باستخدام القوة بمختلف صورها: الاقتصادية في شكل فرض رسوم جمركية على الواردات من دول أخرى، والسياسية في شكل إيحاءات وتلميحات تصل إلى حد الابتزاز لدول وقيادات.
بالإضافة إلى تهديدات ترامب بفتح أبواب جهنم إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه. وتتمحور تهديداته العسكرية في شكل الدعم العسكري والاستخباراتي، كدعمه لإسرائيل في حربها على غزة، والاستخدام المباشر للقوة العسكرية كالحرب على الحوثيين في اليمن.
ولا يعني مفهوم “السلام من خلال القوة” عند ترامب مجرد استخدام القوة العسكرية، لكن أيضاً توظيف مختلف عناصر القوة الأمريكية..
الدبلوماسية القسرية والتفاوض تحت الضغط:
بحسب خبراء ومحللين، يمكن فهم كيفية نقل ترامب مفهومه عن “السلام باستخدام القوة” إلى الواقع، من خلال تعامله مع عدد من الملفات في العالم والشرق الأوسط، أهمها الحرب الروسية الأوكرانية (ليست ضمن موضوع بحثنا)، وملف إيران النووي، حيث بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تشديد سياسته تجاه إيران، القائمة على مبدأ “التفاوض تحت الضغط” أو “الدبلوماسية القسرية“.
هدد ترامب خلالها بتنفيذ عمليات قصف وفرض رسوم جمركية ثانوية على طهران، إذا لم تتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، خاصة وأن النظام الإيراني يرفض الانصياع للضغوط الأمريكية، والجلوس بشكل مباشر مع الطرف الأمريكي، طالما استمرت العقوبات والتهديدات.
إذ ترفض طهران الجلوس على طاولة المفاوضات بشكل مباشر مع الجانب الأمريكي، طالما استمرت العقوبات والتهديدات العسكرية التي تفرضها الإدارة الأمريكية ضدها، تحت مبدأ “السلام بالقوة“، وهو ما يعتبره الجانب الإيراني “لن يأتي بأية نتائج إيجابية”.
وكذلك، تأتي تهديدات ترامب بمزيد من العقوبات وتوجيه ضربات عسكرية، لتبقى طهران تحت ضغط التهديد من أجل التوصل لاتفاق مرضٍ للطرف الأمريكي.
ويرى مراقبون أن عدم جدية أمريكا وترددها في تدمير برنامج إيران النووي، قد يفتح المجال أمام الأخيرة للماطلة وإطالة مدة المفاوضات، ليتسنى لها استكمال برنامجها النووي السري بعيداً عن الأنظار الأمريكية.
دعم إسرائيل لفرض سلام قسري على الفلسطينيين:
في الحرب الإسرائيلية على غزة، يرى محللون أن ترامب انتهج سياسة الضغط الدبلوماسي والعسكري غير المباشر، من خلال تزويد إسرائيل بقنابل ذات قدرات تدميرية كانت إدارة بايدن قد منعتها، وكان الهدف من ذلك تمكين إسرائيل من القضاء التام على حماس وفرض واقع جديد على الأرض.
وهدد ترامب حركة حماس أكثر من مرة بأن أبواب جهنم سوف تنفتح ضدها. وفي ذات الوقت طرح فكرة نقل أهالي غزة إلى أماكن أخرى تتوفر فيها – حسب قوله – شروط الحياة الكريمة والأمن، في تناقض واضح في الموقف حيث (لا سلام مع تهجير).
ويشير محللون إلى أن ترامب يتعامل مع القضية الفلسطينية بازدراء واضح للقانون الدولي. فقد اقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى بلدان الجوار، حتى لا يكونون مصدر إزعاج لإسرائيل. والأسوأ من ذلك، أنه يوفر في الوقت نفسه جلإسرائيل دعماً عسكرياً ودبلوماسياً غير محدود، مما يشجعها على رفض أي تسوية سياسية.
هذه السياسة لیست فقط غير مقبولة، بل تتجاهل جذور الصراع، وتنتهك الحقوق الأساسية لشعب يعيش تحت الاحتلال منذ أكثر من 75 عاماً.
فسّر محللون تأرجح سياسة ترامب تجاه غزة إلى عدم اعترافه بأن إسرائيل قوة احتلال، وأنها تمنع الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. الأمر الذي يشير إلى أن سياسة ترامب تجاه القضية الفلسطينية فاشلة وغير مجدية، وقد تعمق الجرح الفلسطيني.
استخدام العصا وغياب الدبلوماسية ضد الحوثيين:
في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن ترامب قد مزج بين القوة والدبلوماسية ببعض الملفات، فإن الدبلوماسية غابت في تعامله مع الحوثيين في اليمن، مستفيداً من تجارب أسلافه من الرؤساء الذين فشلوا دبلوماسياً في التعامل مع تلك المليشيا الإرهابية.. مشيرين إلى أن مليشيا الحوثي لا تفقه لغه الحوار ولا ترقب في الجنوح إلى السلام إطلاقاً، وفي كل مرة تخلق حجة للاستمرار في تصعيدها العسكري المسلح في البر والبحر والجو وضد جوارها العربي.
وينبع ذلك – بحسب المراقبين – من نهج جماعة الحوثي العقائدي المذهبي المستمد، بحسب زعمها، من التفويض الإلهي لآل البيت لحكم جميع الأقطار العربية، ما جعل الجماعة تبقي نفسها في حالة حرب مفتوحة حتى تحقيق أهدافها التوسعية بالمنطقة، الأمر الذي انعكس سلباً على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ورفع حالة التوتر بالمنطقة إلى مستويات قياسية.
ومنذ 15 مارس الماضي، كثفت الطائرات الأمريكية غاراتها على الحوثيين، وكان تركيزها الأكبر على محافظة صعدة (معقل الجماعة).
وفي 19 مارس 2025م، هدد ترامب الحوثيين بتدميرهم تماماً، مؤكداً أن ضربات سلاح الجو الأمريكي ستُلاحقهم في كل مكان.
ولفت محللون إلى أن هذا التحرك العسكري الأمريكي جاء منفرداً ومتواصلاً ومن دون مشاركة من دول أخرى، مما يُرجح أنه لا يهدف فقط إلى ضرب الحوثيين، بل يسعى أيضاً إلى توجيه رسالة تهديد إلى إيران.
ختامًا..
يعتقد خبراء ومحللون أن فرض السلام بالقوة قد ينجح عندما تغلق جميع القنوات المؤدية إلى السلام، وتصبح القوة هي الخيار الوحيد، كالحرب على الحوثيين في اليمن، ولكنه ليس الحل السحري لجميع النزاعات الدولية.