رياضية

من نيمار إلى لامين يامال.. سر إصابة المواهب الشابة في أوروبا

كريترنيوز/ متابعات /وائل زكير

تتعرض مواهب كرة القدم الأوروبية الشابة لضغط هائل بين جداول المباريات المكثفة ومتطلبات العقود والإعلانات الضخمة، قبل أن تكتمل نمو أجسادهم، ما يجعلهم عرضة للإصابات المتكررة، خصوصًا الفتق الرياضي وتمزق العضلات. المباريات المتواصلة، الأحمال التدريبية العالية، والمشاركة المبكرة في المباريات الأساسية تجعل أجسادهم تعمل فوق حدودها الطبيعية، ما يهدد تطور مهاراتهم ويضع مستقبلهم الاحترافي تحت تهديد مباشر. خبراء الصحة الرياضية يحذرون من أن إدارة الحمل البدني، برامج التأهيل، وفترات الراحة الدقيقة هي الحل الوحيد لحماية جيل كامل من اللاعبين الموهوبين من الانحدار المبكر أو الإصابة الخطيرة، قبل أن يحققوا إمكاناتهم الكاملة.

فقد تحولت كرة القدم الحديثة إلى ساحة تجارية ضخمة، حيث تُقدَّم الأرباح والإعلانات والصفقات على حساب صحة اللاعبين الشباب، فيطلب منهم اللعب باستمرار في المباريات والتدريبات، مع الالتزام بعقود ضخمة ومتطلبات التسويق والإعلانات، ما يزيد من الضغط البدني والعقلي عليهم. في ظل هذه الرأسمالية المكثفة، يصبح جسد اللاعب أداة أداء مستهلكة، تُستنزف قدراته تدريجيًا، ويُهدد مستقبله الرياضي قبل أن يحقق إمكاناته الكاملة.

تشير البيانات الأخيرة إلى أن كرة القدم الأوروبية تواجه مرحلة حرجة؛ فقد اختتم موسم 2023‑24 بأعلى معدلات إصابات تم تسجيلها بين أندية الصفوة، ما يسلّط الضوء على ظاهرة “الحمل البدني الزائد”.

اللاعبون المهاريون يتعرضون لحمل بدني وتقني أعلى، تدريبات عالية الشدة، حركات تقنية متواصلة، تغيير اتجاهات وتسريع وتباطؤ متكرر، كل ذلك يزيد الضغط على المفاصل والأربطة.

كما أن المشاركة المبكرة في المباريات قبل اكتمال النمو العضلي أو المفصلي تزيد من احتمالية الإصابات المزمنة مثل الفتق الرياضي وتمزقات الأنسجة. الدراسات تشير أيضًا إلى أن الأداء العالي واللياقة البدنية المرتفعة يرتبطان بزيادة مخاطر الإصابات.

وتشكل هذه الظاهرة تحديا مزدوجا، أخلاقيا واقتصاديا، يهدد مستقبل اللاعبين الشباب تحت سن 21، وسط توقعات تقارير التأمين العالمية باستمرار ارتفاع عدد الإصابات وتكاليفها المالية، مما يضع المواهب الصاعدة تحت ضغط غير مسبوق.

لغز الفتق الرياضي

شهدت المواسم الأخيرة زيادة مقلقة في إصابات الفتق الرياضي بين اللاعبين الصغار. من بين أبرز الحالات: لامين يامال (برشلونة)، فرانكو ماستانتونو (ريال مدريد)، ونيكو ويليامز (أتلتيك بيلباو)، إضافة إلى كول بالمر (تشيلسي). ومن اللافت أن القاسم المشترك بينهم كان دخول المشاركات الأساسية في سن مبكرة وتوالي المواسم دون فترات راحة كافية.

الفتق الرياضي هو إصابة شائعة بين اللاعبين الشباب والمحترفين الذين يشاركون بكثافة في التدريبات والمباريات منذ سن مبكرة. يحدث هذا النوع من الإصابات نتيجة الإجهاد المتكرر والضغط الزائد على عضلات منطقة الفخذ والعانة والحوض، ما يؤدي إلى تمزق صغير في الأنسجة أو شد مزمن للعضلات والأوتار. تعد هذه الحالة من الإصابات المزمنة الخطيرة، إذ لا تقتصر آثارها على الألم فقط، بل تمتد لتؤثر على سرعة اللاعب، مرونته، وتحكمه بالكرة، وقوة التسديد. وغالبًا ما تتفاقم الإصابة عند استمرار اللاعبين في اللعب دون فترة راحة مناسبة، ما يزيد من خطر الحاجة إلى تدخل جراحي، وقد يبعد اللاعب عن الملاعب لأسابيع أو أشهر.

ويشير خبراء الإصابات الرياضية إلى أن العامل الأساسي وراء الفتق الرياضي هو الحمل البدني الزائد الناتج عن جدول تدريبي مكثف، والمشاركة المستمرة مع الفرق الوطنية والأندية، وضغط المباريات المتكرر دون فترات تعافي كافية.

من جهته أكد د. علاء جمال المدير الفني بنادي إنبي المصري لـ”البيان” أن ضغط المباريات وكثرة الأحمال التدريبية ودقائق اللعب الطويلة في التشكيل الأساسي تؤثر بشكل كبير على اللاعبين في سن المراهقة وما بعدها، إلا أن هناك عوامل فنية لا تقل أهمية.

وأوضح جمال أن أبرز هذه العوامل أسلوب اللعب نفسه، حيث تعتبر عضلة العانة من أكثر العضلات التي تتحمل الإجهاد أثناء عملية التسليم والاستلام في الملعب.

وأضاف أن أسلوب كرة القدم الحديث خلال السنوات الخمس الأخيرة يعتمد بشكل كبير على الاستحواذ وكثرة التمريرات، ما يفرض على اللاعب التحرك المستمر بين مواقع مختلفة بعد كل تمريرة، مع تغيير الاتجاهات ومحاور الارتكاز، ما يزيد الضغط على عضلات المراهقين ويرفع من احتمالية الإصابة بالفتق الرياضي حتى سن 23 عامًا.

وأشار جمال إلى أن ارتفاع زمن اللعب الفعلي بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بنسبة تزيد على 70%، زاد من الحمل البدني على اللاعبين المراهقين وضاعف خطر الإصابات العضلية.

ويرى الدكتور بيدرو لويس ريبول، المتخصص في الإصابات الرياضية أن: “هذه الإصابة هي نتيجة مباشرة للحمل البدني الزائد، وهي ليست أمرًا عابرًا، اللاعب يتعرض لمضاعفات في السرعة، المرونة، التحكم بالكرة وقوة التسديد”. وأوضح أن اللاعب المصاب بهذا النوع من الفتق يفقد نحو 50٪ من قدراته الكروية الأساسية إذا لم تُعالَج الإصابة مبكرًا، مشددًا على أن المسؤولية تقع على الأندية والاتحادات لإدارة الحمل البدني بشكل فعال”.

الواقع المظلم

وفقًا لتقرير “هاودنز” لإصابات كرة القدم الأوروبية للرجال لموسم 2023/24، تم تسجيل 4,123 إصابة في الأندية التي تنتمي إلى الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا، بارتفاع نسبته 4٪ عن الموسم السابق، وتكلفة مالية وصلت إلى 732.02 مليون يورو، بزيادة 5٪ عن الموسم السابق. وعلى مدى أربعة مواسم (2020‑21 إلى 2023‑24)، بلغ عدد الإصابات نحو 14,292 إصابة وتكلفة تقارب 2.3 مليار يورو.

الأرقام الأكثر إثارة للقلق تتعلق باللاعبين تحت 21 عاما، حيث ارتفعت شدة الإصابات لهذه الفئة بنسبة 187٪ مقارنة بموسم 2020‑21، مع غياب متوسط بلغ 44 يومًا لكل إصابة في الدوري الإنجليزي و35 يوما في الدوري الإيطالي.

وقال جيمس بوروز، رئيس قسم الرياضة في شركة هاودن للتأمين: “مع زيادة ازدحام المباريات وتوسع المنافسات المحلية والدولية، نشهد غياب المزيد من اللاعبين لفترات أطول، مع ارتفاع ملحوظ في تكاليف الإصابات بنسبة 5% هذا الموسم”.

وأضاف أن الإصابات بين اللاعبين الشباب لم تعد مقتصرة على آثار جائحة كوفيد السابقة، بل تشهد اليوم معدلات مقلقة رغم استقرار عدد الإصابات بعد طفرة 2022.

وأوضح بوروز إلى أن البيانات تكشف واقعا معقدا، حيث سجلت كرة القدم الألمانية أعلى نسبة إصابات رغم طول فترة الراحة الشتوية وقلة عدد الفرق، مشددا على ضرورة تفسير الأرقام بحذر وعدم الاكتفاء باستنتاجات ثنائية، إذ تدعم بعض المؤشرات فرضية “الحمل البدني الزائد”، بينما تتعارض معها مؤشرات أخرى.

الحماية والإدارة

يشدد خبراء الصحة الرياضية على ضرورة أن تتبنى الأندية والاتحادات مقاربة شاملة لإدارة اللاعبين الشباب، تبدأ بالتحكم الدقيق في عدد الدقائق والمباريات التي يشارك فيها اللاعب، مع وضع برنامج إعادة تأهيل متكامل وفترات راحة كافية بعد كل موسم لضمان استعادة جسده بالكامل. كما يؤكدون على أهمية استخدام تقنيات متقدمة لمراقبة الحمل البدني، بالإضافة إلى تبني سياسات تقلل من ضغوط الأداء الإعلاني والمطالب المالية التي تُفرض على المواهب الصاعدة.

جسد اللاعب الشاب، بعظامه وأنسجته وعضلاته، لا يفرق بين أن يكون راتبه مليون يورو أو ثلاثين مليونًا؛ فاللعب المتواصل والتراكم البدني يمثلان العدو الحقيقي، ورأسمالية كرة القدم لا تحصد فقط الأرقام والمباريات، بل أحيانًا مستقبل لاعبين ما زالوا في بداياتهم. وإذا استمر تجاهل هذه الحقيقة، فهناك خطر حقيقي في فقدان جيل كامل من المواهب قبل أن يتمكنوا من كتابة قصص نجاحهم على أرض الملعب.

اللاعبون المهاريون الشباب يواجهون مخاطر إصابات أعلى مقارنة باللاعبين العاديين، بسبب الجمع بين المهارة العالية، المشاركة المبكرة في المباريات، وكثرة الأحمال التدريبية. هذه الظاهرة تتضح من خلال حالات عدة:

نيمار دا سيلفا، المولود عام 1992، يُعتبر أحد ألمع المراوغين في العالم، لكن الإصابات المتكرّرة أنهكت جسده على مدار مسيرته. سجلت له إصابات متعددة في الكاحل، القدم المشطية، الرباط الصليبي، وأيام غياب تراكمية. على سبيل المثال، عانى من كسر مشط القدم في 2018 و2019، وجراحة بالكاحل في 2023 أدت لغياب 131 يومًا، ثم تمزق الرباط الصليبي في أكتوبر 2023. لم تكن الإصابات وحدها، بل أسلوبه في اللعب، المراوغات المستمرة، تغيير الاتجاهات السريع، وضغط المباريات والإعلام، جعلت مهاراته عاملاً مزدوج المخاطر، مصدر تميز وفي الوقت نفسه عامل إصابة.

لامين يامال، لاعب برشلونة، يعاني من إصابة في منطقة العانة. هذه الإصابة تؤثر على قدرته على الجري، التسديد، والتحكم بالكرة، وتندرج ضمن نفس الظاهرة المتعلقة بالضغط المستمر على اللاعبين الموهوبين، حيث تؤدي المشاركة المكثفة والحمل التدريبي المتكرر إلى إصابات مزمنة إذا لم تُدار فترات الراحة والتأهيل بشكل مناسب.

كول بالمر، لاعب وسط تشيلسي، تعرض لإصابة في عضلات الفخذ نتيجة مشاركته المبكرة مع الفريق الأول والمنتخب الإنجليزي. الإصابة أظهرت كيف يمكن أن يؤدي الحمل التدريبي المستمر والإجهاد العضلي المتكرر إلى تهديد تطور مهارات اللاعبين الشباب.

فرانكو ماستانتونو، مهاجم ريال مدريد الصاعد، أصيب في منطقة الحوض بعد مشاركته المكثفة مع الفريق الأول وأكاديمية الشباب، ما أثر على سرعته وتسديداته الدقيقة وأبعده عن مباريات أساسية.

هذه الحالات توضح العلاقة بين المشاركة المبكرة في مباريات عالية المستوى وعدم اكتمال النمو العضلي، مما يزيد من احتمال الإصابات المزمنة للاعبين الموهوبين.

اللاعبون المهاريون الشباب معرضون بشكل أكبر للإصابات المزمنة بسبب عوامل متداخلة، المهارة العالية التي تتطلب حركات تقنية متكررة، المشاركة المبكرة والمكثفة في المباريات، الأحمال التدريبية الكبيرة، وضغط الأداء الإعلامي، إدارة فترات الراحة والتأهيل الصحيح تصبح ضرورية لحماية مسيرتهم الاحترافية وتجنب إصابات طويلة المدى تهدد مستواهم وقدرتهم على المنافسة.

زر الذهاب إلى الأعلى