ضعف التوثيق للموروث الشعبي المحفوظ في الذاكرة الجمعية بعدن
كتب: عيشة صالح
تمتلك مدينة عدن إرثاً ثقافياً غنياً يتجلى في موروثها الشعبي، الذي يتنوع بين الأغاني الشعبية والأهازيج والأمثال والحكايات. هذا التراث يشكل جزءاً مهماً من الهوية الثقافية للمدينة وسكانها، إلا أن التوثيق لهذا الموروث يعاني من إهمال وضعف ملحوظين، مما يهدد بفقدانه مع مرور الزمن.
أحد الأسباب الرئيسية لضعف التوثيق هو الاعتماد الكبير على الذاكرة الجمعية كمصدر أساسي للحفاظ على هذا الموروث. في المجتمعات التقليدية، كانت الذاكرة الشفهية هي الوسيلة الرئيسية لنقل المعارف والقيم عبر الأجيال، لكن مع التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها العاصمة عدن في العقود الأخيرة، تأثرت هذه الذاكرة بشكل كبير. وقد أدى ذلك إلى فقدان العديد من العناصر الثقافية التي كانت تشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية العدنية.
علاوة على ذلك، تعاني جهود التوثيق من نقص في الموارد والدعم المؤسسي. لا توجد حتى الآن مؤسسات متخصصة بشكل كافٍ في عدن لتوثيق وحفظ الموروث الشعبي كما يليق. غالباً ما تكون المحاولات الفردية أو الجهود المجتمعية هي السبيل الوحيد للحفاظ على هذا التراث، ولكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص التمويل وغياب الدعم الحكومي أو الأكاديمي.
إلى جانب ذلك، يواجه التوثيق تحديات أخرى تتعلق بالتكنولوجيا والتحديث. في الوقت الذي يمكن أن تلعب فيه التكنولوجيا دوراً هاماً في توثيق الموروث الشعبي، إلا أن هناك نقصاً في الاستفادة من هذه الوسائل بشكل فعال.
من ناحية أخرى، نجد أن الشباب في عدن لم يعودوا مهتمين بالموروث الشعبي كما كان الحال في الأجيال السابقة. قد يكون ذلك نتيجة لعولمة الثقافة وتغير أولويات الشباب، الذين أصبحوا أكثر انجذاباً للثقافات العالمية على حساب الثقافات المحلية. هذا التغير في الاهتمامات يزيد من صعوبة تمرير هذا الموروث للأجيال القادمة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي مرت بها عدن على مدى السنوات الماضية أثرت بشكل كبير على جميع جوانب الحياة في المدينة، بما في ذلك الحفاظ على التراث الثقافي. في ظل هذه الظروف، يصبح من الصعب التركيز على توثيق الموروث الشعبي عندما تكون الأولويات منصبة على البقاء والتكيف مع التحديات اليومية ومواجهة صعوبات الحياة.
في الحقيقة إن هذا الأمر يشكل تهديداً حقيقياً لفقدان تراث عدن الغني، ومن الضروري اتخاذ خطوات جادة للحفاظ على هذا الإرث الثقافي من خلال تعزيز جهود التوثيق، ودعم المؤسسات والمبادرات التي تعمل على الحفاظ على الموروث الشعبي، وتشجيع الشباب على الاهتمام بتراثهم الثقافي الذي يساهم في تعزيز الهوية الثقافية لعدن، وضمان استمرارها للأجيال القادمة.