مقالات وآراء

الهوية الجنوبية .. بين المطالب التاريخية وآفاق المستقبل

كتب : حافظ الشجيفي

 

في خضم الأحداث السياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يبرز مطلب الجنوبيين بعودة دولتهم الجنوبية إلى ما قبل عام 1990 كموضوع معقد يتطلب تحليلًا عميقًا من زوايا متعددة. فمنذ تأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عام 1967، تمتع الجنوب بهويته المستقلة التي كانت تتميز بحدود جغرافية واضحة ونظام سياسي خاص. تلك الفترة شهدت ازدهارًا ثقافيًا واجتماعيًا ملحوظًا، حيث تطورت مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية بشكل كبير.

 

ومع اندماج الجنوب مع الجمهورية العربية اليمنية في عام 1990، بدأت رحلة التحولات التي أثرت سلبًا على الهوية الجنوبية. وعندما يطالب الجنوبيون اليوم بعودة دولتهم، فإنهم يسعون إلى استعادة هويتهم الجغرافية والسياسية، وليس بالضرورة إلى إعادة النظام السياسي السابق. هذا المطلب يعكس رغبتهم في تقرير مصيرهم والحفاظ على ثقافتهم وهويتهم الاجتماعية، بعيدًا عن الهيمنة السياسية التي فرضتها الوحدة.

 

التحولات العالمية التي شهدها العالم منذ التسعينيات تلعب دورًا كبيرًا في صياغة هذه المطالب. فالأنظمة السياسية التقليدية لم تعد قادرة على تلبية احتياجات الشعوب، حيث أصبح التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان من القيم الأساسية التي يسعى إليها الناس في مختلف أنحاء العالم. لذا فإن العودة إلى النظام السياسي السابق الذي كان قائما في الجنوب قبل الوحدة ليست خيارًا واقعيًا للجنوبيين، بل أنهم يتطلعون إلى بناء نظام جديد يتناسب مع تطلعاتهم ويعبر عن هويتهم الثقافية والفكرية في هذه المساحة الجغرافية من خريطة العالم.

 

الهوية الثقافية للجنوبيين تعتبر جزءًا لا يتجزأ من مطالبهم، فهي غنية بالتنوع والتاريخ، وقد تأثرت بشكل كبير بالتحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد. لذلك فإن العودة إلى الوضع الجغرافي الذي كانوا عليه قبل الوحدة تعني أيضًا استعادة تلك الهوية الثقافية والفكرية التي تعرضت للتآكل على مر السنين.

 

تعتبر الجغرافيا رمزًا للسيادة والانتماء، وعندما يطالب الجنوبيون بعودة دولتهم، فإنهم يطالبون أيضًا بالاعتراف بحقوقهم في الأرض والموارد التي لطالما كانت محور صراع طويل الأمد. إن استعادة هذه الهوية الجغرافية تعني أيضًا استعادة الحق في تقرير المصير وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

 

ومن هنا يمكن القول :

إن المطالب الجنوبية ليست مجرد رغبة في العودة إلى الماضي، بل هي دعوة لبناء مستقبل جديد يتماشى مع تطورات العصر ومع المتغيرات العالمية. ويجب أن تكون هذه المطالب محط اهتمام الجميع، وأن تُؤخذ بعين الاعتبار في أي حوار سياسي يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في اليمن. فالتاريخ والجغرافيا والثقافة هي الأسس التي يمكن أن تُبنى عليها رؤية مشتركة لمستقبل يسوده السلام والاستقرار.

إن الجنوبيين يسعون إلى تحقيق العدالة والاعتراف بحقوقهم، وهو ما يمثل خطوة ضرورية نحو تحقيق السلام الدائم والاستقرار في المنطقة.

Back to top button