مقالات وآراء

في ذكرى التصالح والتسامح الجنوبية.

د. عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري.

في يوم 13 يناير من كل عام، تتنفس ذاكرتنا الجنوبية نسائم التصالح والتسامح، تلك القيم التي خرجت من قلب الألم والجراح لتكون شاهداً على قدرة الإنسان على تجاوز المحن وإعادة بناء الجسور بين القلوب. إنها ذكرى نقشتها الأجيال الجنوبية على صفحات التاريخ، لتكون درساً خالداً بأن الشعوب القوية هي التي تستطيع الوقوف من جديد على قدميها بعد ان كسرت من قِبل من وثق بهم من الدخلاء عليه، واليوم بعد أن تجلاء الستار عن اعدائه اقام على ساقية التي لا تنكسر أمام العواصف والتحديات ، بل تنحني لتنهض أشد صلابةً.

في مثل هذا اليوم المجيد على شعب الجنوب المقهور من الالم ولِما اثخن في جسده من الجراح.
لكن في مثل هذا اليوم 13 يناير، يحمل التاريخ بين طياته حكاية شعب قرر أن ينتصر على ماضيه بجراحه وأحزانه، ليكتب صفحة جديدة بيضاء عنوانها التصالح والتسامح. إنه اليوم الذي انتفض فيه الجنوب من رماد الفرقة والشتات، وأعلن أن المحبة أقوى من كل الشتات، وأن الوحدة الحقيقية تبدأ من القلب، من القدرة على العفو، ومن إرادة تجاوز الألم لصنع مستقبل أفضل لجنوبنا الحبيب.

وفي هذا اليوم العظيم من عام 2012، أضاءت حياتي شعلة جديدة، ميلاد ابني سامح عبدالرزاق، الذي اخترت له هذا الاسم ليكون تجسيداً حياً للمعاني التي حملتها هذه الذكرى. سامح ليس مجرد اسم، بل هو رسالة، رمز لكل أب وأم، لكل رجل وامرأة، لكل طفل على هذه الأرض الجنوبية الطيبة. أردت أن يكون اسمه دعوة لكل من ينطق به أن يتذكر أن التسامح ليس ضعفاً، بل هو شجاعة ونبل، هو القوة التي توحد الشعوب وتصنع الأوطان،لميلاد جنوب موحد متماسك بين ابنائه مهما نال منهم الاعداء.

حين نظرت لأول مرة إلى عينيه الصغيرتين، رأيت فيهما جنوباً جديداً، جنوباً يغسل وجهه بدموع التصالح ويقف شامخاً أمام عواصف الزمن البقيض على شعب الجنوب. فكان ميلاد سامح ابني وفلذة كبدي بالنسبة لي ليس فقط حدثاً شخصياً، بل كان امتداداً لتلك اللحظة التاريخية التي أعادت لشعبنا الأمل في المستقبل. لقد أصبح اسمه رمزاً للعهد الذي قطعناه على أنفسنا بأن نكون أوفياء لذكرى 13 يناير، أن نحملها معنا كراية حب وسلام ووئام وتآلف وتكاتف، نغرسها في كل قلب، ونخط بها كل خطوة.

اليوم، وأنا أرى سامح يكبر بين يدي، أشعر بالفخر بأنه ابن هذا التاريخ، ابن التصالح والتسامح. أراه يكبر بقلب طاهر، لا يعرف الكراهية، لا يحمل سوى المحبة والإيمان بأن الجراح يمكن أن تندمل، وأن الشعوب العظيمة هي التي تتعلم من أخطائها لتبني أمجادها. سامح هو شهادة حية على أن الأمل لا يموت، وأن إرادة الحياة أقوى من كل انكسار وأن ارادة الشعوب لا تقهر امام الاعداء.

في 13 يناير من كل عام، أحتفل بميلاد ابني، وأحتفل معه بميلاد روح جديدة لشعب الجنوب. أروي له الحكاية، وأقول له: “يا سامح، أنت تجسيد لأجمل ما في الإنسان، قدرتنا على التصالح مع أنفسنا ومع الآخرين، قدرتنا على بناء الغد بأيدي مليئة بالحب والإيمان. كن فخوراً باسمك، واحمل في قلبك دائماً رسالة هذه الذكرى العظيمة.”

الى مقال آخر مليار تحية وسلام الى شعب الجنوب المتصالح والمتسامح مع جميع ابنائه.

زر الذهاب إلى الأعلى