مقالات وآراء

شبابنا ينسلخ يوماً بعد يوم نحو الهاوية

بقلم: الشيخ أمين الأميني

لم يعد المشهد خافياً على أحد: شبابنا اليوم يواجه أعاصير متلاحقة من التحديات الفكرية والسلوكية، في ظل انفجار تقني غير مسبوق جعل من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإباحية نافذة مفتوحة على كل ما يفسد الذوق والخلق ويزعزع الانتماء. هذه المنصات ــ بما تحمله من إغراءات وشهوات ــ باتت تستنزف طاقات الشباب وتدفعهم بعيداً عن القيم الأصيلة، لتُشكّل بذلك تهديداً مباشراً للهوية الثقافية والأخلاقية لمجتمعنا.

الوالدان، رغم صدق نياتهم وحرصهم، ما زال أغلبهم يحاولون مواجهة هذه العاصفة بوسائل تقليدية، كالمراقبة المباشرة أو التوجيه البسيط، دون إدراك لحجم الفجوة بين ما كانوا يعرفونه بالأمس وما يواجهه الأبناء اليوم من أدوات متطورة تخترق البيوت دون استئذان. لقد أصبح واضحاً أن أساليب المنع القديمة لم تعد مجدية في عصر لا يعرف الحدود، حيث الهاتف الصغير يتفوق على المكتبات والجامعات معاً في التأثير والانتشار.

من هنا، تأتي أهمية الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية والمجتمعية التي تسعى بصدق إلى تنمية الفكر وبناء قدرات الشباب، وتغذية انتمائهم للحياة المدنية الصحيحة. ومع ذلك، فإن بعض هذه المنظمات تسلك مسارات مريبة، وتنفّذ برامج تزرع بذور الانحلال وتفكك القيم، تحت شعارات براقة ظاهرها الحرية وباطنها الهدم. لذا، فإن التمييز بين من يخدم المجتمع بصدق ومن يسعى لاختراقه ضرورة قصوى.

إن مسؤولية الدولة هنا لا تقل خطورة، بل هي في صلب المعركة. فمن الواجب أن تبادر السلطات إلى اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المواقع الإباحية وحجبها بشكل كامل، وأن تُلزم شركات الاتصالات بتوفير حماية للأسر، تكريساً لمبدأ السيادة الوطنية وحرصاً على بقاء الشباب أوفياء لقيمهم وانتمائهم.

ولعل أهم ما يمكن أن يحصّن الأجيال القادمة هو إعادة صياغة التعليم بحيث تُدرّس مادة شاملة عن الرجولة والأخلاق الإسلامية والثقافة الوطنية والانتماء الوطني، بدءاً من المراحل الأساسية وحتى الثانوية، ليشبّ الطلاب على إدراك أن الهوية ليست مجرد كلمات تُرفع في المناسبات، بل هي سلوك يومي وحصن منيع ضد الغزو الفكري والانحلال الأخلاقي.

إننا، إذ نطلق هذا النداء، نؤمن أن الحفاظ على الشباب هو الحفاظ على مستقبل الأمة، وأن أي تهاون في هذا الملف يعني التنازل عن جزء من حاضرنا وغدنا معاً. فالوقت ليس في صالحنا، وما لم تتحرك الأسرة، والمجتمع، والدولة في خط واحد، سنظل نشهد انسلاخاً يومياً عن الهوية، حتى نصحو يوماً على جيل بلا جذور ولا ملامح.

زر الذهاب إلى الأعلى