مقالات وآراء

الجنوب يحتفي بذكرى 14 أكتوبر: ملحمة النضال وبوصلة المستقبل

كتب / نوال أحمد

في كل زاوية من أرض الجنوب، تتوهج مشاعر الفخر والاعتزاز مع حلول الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر، تلك الثورة التي لم تكن مجرد حدث عابر في سجل التاريخ، بل كانت نقطة تحول فارقة أعادت رسم ملامح الهوية الجنوبية، وأشعلت جذوة الكفاح من أجل الحرية والاستقلال.

في فجر يوم الإثنين، الرابع عشر من أكتوبر عام 1963، دوّى صوت أول رصاصة للثورة من جبال ردفان، أطلقها المناضل راجح بن غالب لبوزة، لتكون بداية ملحمة وطنية ضد الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدر الجنوب لعقود. لم تكن تلك الرصاصة مجرد طلقة في الهواء، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن الجنوب قرر أن يكتب تاريخه بدماء أبنائه، وأن زمن الخضوع قد ولى.

امتدت شرارة الثورة لتشعل نيران الكفاح في كل المحافظات، واستمرت المعركة حتى الثلاثين من نوفمبر عام 1967، حين تحقق الحلم الكبير، وارتفعت راية الجنوب خفاقة في سماء عدن، إيذانًا بانتصار الإرادة الشعبية وتحرر الأرض من قبضة الاستعمار. لقد كانت تلك السنوات الأربع من النضال تجسيدًا حيًا لوعي جنوبي متجذر، يؤمن بحقه في تقرير المصير وبناء دولته المستقلة.

في هذا العام، تتزين محافظات الجنوب بالأعلام والشعارات، وتنبض الشوارع بالحياة، احتفاءً بذكرى الثورة المجيدة. في الضالع وحضرموت، تتعالى الهتافات وتُرفع صور الشهداء، في مشهد يعكس عمق الانتماء الوطني وارتباط الجنوبيين بتاريخهم النضالي. هذه الاحتفالات ليست مجرد طقوس سنوية، بل هي رسالة واضحة للعالم بأن الجنوب لا ينسى تاريخه، وأن مشروعه الوطني ينبض بالحياة في كل بيت وشارع وزاوية.

تحمل ذكرى 14 أكتوبر في طياتها دعوة صريحة للتأمل في الماضي واستلهام دروسه لبناء مستقبل أكثر إشراقًا. ففي الخطاب السياسي الجنوبي، تتكرر الدعوات إلى مواصلة الكفاح من أجل استعادة الهوية والحقوق، ويؤكد أبناء الجنوب أن الأمل لا يزال حيًا في قلوبهم، وأن الثورة لم تنته، بل أخذت أشكالًا جديدة تتناسب مع تحديات العصر.

إنها لحظة للتجديد، لحظة يعيد فيها الجنوبيون التأكيد على أن تضحيات الأبطال لن تذهب سدى، وأن المسيرة نحو تحقيق الأحلام الجنوبية مستمرة، مهما كانت العقبات.

وسط هذا الزخم الوطني، يبرز اسم القائد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، كرمز للثبات والرؤية الواضحة. يقود الزبيدي شعبه بخطى واثقة نحو بر الأمان، مستشعرًا تطلعاتهم وآمالهم في استعادة دولتهم وبناء مؤسساتها على أسس العدالة والكرامة.

يؤمن الجنوبيون أن قيادتهم الحالية تمتلك من الحكمة والإرادة ما يؤهلها لتجاوز التحديات، وتحقيق تطلعاتهم في بناء وطن يليق بتضحياتهم، ويضمن لهم مستقبلًا مستقرًا ومزدهرًا.

في هذه الذكرى، تختلط مشاعر الفخر بالحنين، ويقف الجنوبيون صفًا واحدًا، كأنهم جنود في معركة الحرية، يحملون في قلوبهم إرثًا من التضحيات، وفي عقولهم رؤى لمستقبل واعد. إنها لحظة للتأمل في ما تحقق، وللاستعداد لما هو قادم.

فلنحتفل معًا بذكرى الرابع عشر من أكتوبر، لا كحدث تاريخي فقط، بل كنبراس يضيء طريقنا نحو الغد، وكعهد متجدد بأن الجنوب سيظل وفيًا لتاريخه، متمسكًا بحلمه، وماضٍ بثبات نحو تحقيقه.

زر الذهاب إلى الأعلى