هل ستتمخض حرب اليمن عن قيام دولة مدنية ..!
وليد ناصر الماس
كاتب جنوبي
يجري الحديث في الوقت الراهن عن تحرير اليمن من السيطرة الحوثية، بل يعتبر تحرير هذا البلد من نفوذ الحوثيين أهم إستراتيجية تسعى لها دول التحالف العربي لتحقيقها من حربها في اليمن.
فمن أجل ذلك شكلت تحالفها المعروف، وبذلت في سبيل تلك الأهداف أغلى ما تمتلكه من موارد كامنة وأموال طائلة.
ويتضح للمتابع لمجريات تلك الأحداث، مساعي الاخوة بدول التحالف العربي في حربها هذه بكل وضوح، والتي تهدف للعمل على خفض مستويات التهديد التي يشكلها الحوثيون وأعوانهم والداعمون لهم في طهران على أمنها القومي.
ذلك الأمن الذي توسع مفهومه كثيرا، فلم يقتصر على مايحدث على تخوم الحدود، بل تجاوزه إلى ما وراء تلك الحدود، في سابقة لم تعرفها العقود المنصرمة عندما يتعلق الأمر بتوصيف الأمن القومي لأي بلد.
ليس هذا ما يعنينا في حد ذاته هنا، ولكننا الآن بصدد تتبع نتائج هذه الحرب على اليمنيين أنفسهم، واستخلاص أهم المزايا والمحاسن والمكاسب التي ستتحقق لليمنيين من وراء هذه الحرب، وصرف النظر بالوقت نفسه عن خسائر هذه الحرب والتقليل منها قدر الإمكان، طالما أنه يمكن تعويضها من خلال المكاسب التي ستنجم عنها.
وفي هذا السياق وبما إن حديثنا يجول حول موضوع تحرير اليمن، يدفعنا الفضول لطرح المزيد من التساؤلات المشروعة:
إلى أي مدى يمكن إن يستجيب اليمنيون لدعوات التحرر التي تطلقها النخب السياسية والمثقفة؟.
وإلى أي مستوى يمكن لشعب كاليمن الفكاك من هيمنة ونفوذ قوى ظالمة سلبته إرادته وكرامته؟.
وهل تقدر دول التحالف العربي طموحات اليمنيين المعقولة وتطلعاتهم المكفولة للتحرر من براثن حكم فئوي ؟.
نطرق هنا موضوع من الأهمية بمكان تناوله، ألا وهو تحرير اليمن،وأقصد باليمن في حديثي هذا ( الشمال)، فلم نلاحظ بالوقت الراهن أي مؤشرات ودلائل واضحة، تعكس جهود حثيثة لدى مواطني هذا البلد، للخلاص من هيمنة وتسلط القوى التقليدية بشقيها (القبلي والديني)، بل نجد إن هناك تكريس أكبر لسلطانها، وتعاظم متزايد لحضورها، على عكس ما شهدته تلك المحافظات في نهاية عقد السبعينيات أثناء اندلاع الاضطرابات المسلحة فيما كانت تعرف حينها بالجبهة الوطنية، والتي كانت ترمي لإسقاط نفوذ القوى القبلية، واستبدالها بحكومة مدنية ووطنية.
حدث ذلك برغم الفارق الكبير بين واقعنا اليوم وتلك الحقبة المنصرمة والتي تميزت بجبروت النظام وغطرسته، فضلا عن الوعي السياسي لدى سكان هؤلاء المحافظات، والذي يفترض أنه زاد اليوم بفعل الطفرة التعليمية المطردة، والمتغيرات السياسية الحاصلة بالعالم من حولنا.
فقد تمكنت القوى التقليدية في شمال الشمال بعقلياتها القبلية الضيقة، وخلفياتها المذهبية المتزمتة، من فرض طوقها الحديدي واحتواء وإسكات جميع أشكال الرفض والممانعة لمشروعها، في المناطق الواقعة وسط البلاد وذات الغالبية الشافعية، وتدجين سكانها وترويضهم على الطاعة العمياء لأنظمة حكمها المتعاقبة، وبالطريقة التي يراد لهم إن يحكموا بها.
ما يؤلمنا حقا عدم وجود أي توجه أو رغبة للتحالف العربي، لمساندة اليمنيين على التخلص من الطغمة القبلية المتخلفة التي حكمتهم بقوة الحديد والنار، والتي تعتبر مسئولة بشكل مباشر عن جميع المآسي والويلات والاحتقانات والأزمات والصراعات التي عاشها اليمنيون عقودا قبل الوحدة، مرورا بحرب صيف 1994م التي اجتاحت فيها تلك القوى الجنوب وعاثت فيه فسادا، وصولا لحروب صعدة الستة، وسيطرت الحوثيين على السلطة في البلد.
فلم يلتفت التحالف العربي في تدخلهم العسكري هذه المرة، للأسباب الحقيقية الكامنة خلف الأزمات المتلاحقة التي عانى ويعاني منها المجتمع اليمني على مدى سنوات عديدة، بل أننا نجد السعوديون أنفسهم، يحتضنون بعض تلك القوى وعناصرها على أراضيهم، ويوفرون لها كل أسباب القوة والتمكين، غير مكترثين بما تمثله تلك القوى من تهديد خطير على مستقبل بلد مزقته الصراعات الأهلية.
بقاء القوى القبلية الراديكالية على سدة الحكم يمثل تهديدا بالغ الخطورة لفكرة قيام الدولة، فالمشروع القبلي المتخلف لا يمكن له إن يتناغم أو يتعايش مع مشروع الدولة المدنية الحضارية التي ينشدها الأحرار.
فإذا كان الجنوبيون قد استفادوا من فصول هذه الحرب، ووضفوا عناصرها على طريق التحرر من هيمنة واستبداد القوى القبلية المتغطرسة، ورسموا الخطوط العريضة لقيام دولة مدنية عريقة على أرضهم، تدير حكمها الكفاءات والخبرات، في إطار التعددية الحقيقية والشراكة المجتمعية البناءة.
فينبغي على الشماليين إن يكونوا أكثر يقضة وإدراكا لقضية بناء دولتهم المأمولة، لضمان مستقبل آمن ومستقر للأجيال القادمة، والخروج من حالة التيهان التي تعيشها الأجيال المتعاقبة هناك في ظل اللادولة.
الأمل يبقى معقودا على شريحة الشباب الواسعة في مسألة التغيير المطلوب، فمستوى الوعي التحرري لديها ما زال في تزايد، ورغبة التخلص من الحكم الكهنوتي قد أضحت جامحة، فضلا على إن فرصة التخلص من حكم هذه القوى قد صارت مواتية، سيما في ضوء التدخل العسكري المباشر.
نؤكد هنا على ضرورة الإسراع بالانخراط في عجلة التغيير هذه، لأن فرصته هذه المرة قد لا تتاح ثانية في المستقبل. فإذا لم تسفر نتائج هذه الحرب عن قيام دولة مدنية بالوقت الراهن، نستطيع إن نجزم بإن مستقبل البلد برمته سيؤول حتما إلى المزيد من التعقيد والاستبداد السياسي والفوضى والعنف.
والله على ما نقول شهيد.