آداب وفنون

الإحسان.. إضاءة

كتب: فاطمة امزيل

ما حاجة البشر إلى البشر إلا حاجتهم إلى وديعة خصصها الله لهم في يد البعض الآخر، خيارها الأمانة وسبيلها الإحسان.

أفيقوا، فلا أحد يملك شيئاً، إنما يحمل البعض أمانات ليبلغوها إلى أصحابها. أرأيت أن الله حين أعطاك مهد لك كل السبل لتبلغ العطايا، وأمنك على ما رزقك، ثم جعل في طريقك آخرين ليست أمامهم سبل ولا أبواب إلا أنت وأمثالك ممن أغناهم الله عن غيرهم.

فانظر ما أنت فاعل، ولينظروا مصيرهم معك، لأن الله ينظر ويترقب تعاملك معهم ومع ما أمنك عليه اتجاههم.
حاجة البشر إلى البشر ليست المال فقط، وإن غلب في الإحسان المال، لكن تعددت الحاجات المادية والمعنوية المستعصية، والعالقة، والمستعجلة، والمصيرية، و.. و.. فيكون العمل الإنساني إحسانا، ويكون العمل المادي إحسانا، لتكون المادة إنسانية ما دمت تفتح أبواب السعادة والخير، وما دامت تضمر في ثناياها كل المفاتيح والورشات لترميم حياة البشر، والتخفيف من آلامهم وتعاستهم، وخلع جبة الفقر عنهم.

كل أنواع الإحسان شفاء وتطهير، ما لا يحقق الأمل كله يحقق بعضه، ويخفف وطأة الحياة وضغوطاتها، ليجعل للآخر متنفساً ويريح كاهله من الكثير من الأحمال والأثقال.
الإحسان شفاء من أوبئة الحياة، وتجديد التعايش، واسترجاع الثقة بالله، وبالبشر المسخرين من الله، والإيمان أن الله يحبنا ولن يتخلى عنا مهما امتد الزمن أو قصر، وأنه يهيئ لنا المفاجآت السارة، ويعبد لنا طريقا صلبة للاستمرار بعزم، واثقين أننا في أمان.

الله دائماً سباق للإحسان، وإحسانه إلينا يتجلى في نعمه ظاهرة وباطنة، وأسمى النعم نعمة الحياة، والتي يكتمل معناها بالوفاء بالوعود وأداء الأمانات والعهود، والإيمان المطلق بما يجري علينا من أقدار.
إحسان الله سبحانه لا يساومنا عليه، فهو ينعم على المؤمن والكافر والطائع والعاصي، والمستسلم والجاحد… الله لا يميز في خلقه ولا في عطاياه بين عباده، إنما تميز بينهم الاختيارات والخيارات في أفعالهم وأعمالهم، وما عقدوا عليه العقل والفؤاد.

وقد جعل الله – جل جلاله – إحسانه ابتلاء وسبيلا من سبل الهداية والرحمة والمغفرة والنجاة. فالإحسان كما قلنا متعدد، وهو مصباح لإنارة دروب وسراديب الحياة.
إحسان الله بالغ أمره وبليغ، ويد الله سبحانه تمتد ولا ترتد، فيداه مبسوطتان، وكذلك يريد المحسنين من عباده، لكننا دائما نقع في الغلط وفي اللغط وكثرة الأحكام والتأويلات. ففهمنا وتفكيرنا الضيق والمغالط والخاطئ يجعلنا لا نقوم بما يرضي الله على أحسن وجه، فعيب وعار أن نظن مجرد الظن أننا يعيينا البذل والعطاء المستمر، لأن الإحسان راحة وليس إعياء، فكلنا نطلب من الله ونلح في الطلب، ونكرره برجاء، وهو لا يمل ولا يتولى عن العطاءات المتكررة والمستمرة، بل يعطي الغني والفقير، والصالح والطالح من عباده.
أرأيتم أن الله يربي الصدقات، وأنه يضاعف لمن يشاء، وأنه يعطي ويجزل العطاءات، وأنه يمنع اختبارا لنا، ويجازي بذلك أحسن الجزاء، وأن من يقرض الله قرضا حسنا يضاعفه له وله أجر عظيم، ومن يقرض الله قرضا حسنا يضاعفه له أضعافا مضاعفة، فتكون المضاعفة نوعان، نوع يضاعف له ويؤجره أجرا عظيما لا يمكننا تصور ذلك الأجر، ولا مقدار المضاعفة فيه، والثاني يضاعف له أضعافا مضاعفة، فكل ضعف له أضعاف إلى ما لا يحسبه العقل البشري، وهو اللانهاية، والحسنة بعشر أضعافها، لكل مضاعفة للحسنة عشرة أضعاف ولكل ضعف من الأضعاف عشرة إلى ما لا نهاية. هذه عظمة الله في عطاءاته وإحسانه وجزائه للمحسنين، ولكل من أعطى قليلا أو كثيرا، ماديا أو معنويا، فعطاءات العالم إحسان، وعطاءات الآباء والوالدين إحسان، وعطاءات كل من تمتد يده إلى غيره بما يسانده أو يخفف عنه أو يساعده أو يرشده من عطاءات الخير، كلها تعتبر إحسانا، حتى كانت الابتسامة في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وكتم السر أيضاً صدقة وإحسان، فكل صدقة إحسان وكل إحسان صدقة، والله يحب المحسنين، ويحب الصدق والوفاء في إحسانهم، وثقتهم أنهم يؤدون ما لله في سبيل الله تلبية وإرضاء.
أجرنا الله وإياكم كما يحب ويرضى.

زر الذهاب إلى الأعلى