رسالة لم تُكتب

خاطرة/ رملة محمد باوزير
كان المشهد يعج بالكلمات التي لم تجد أفواها تنطقها.
الدمار يفترش الأرض، والدخان يتصاعد من النوافذ كأنفاس مدينة تحتضر.
أصوات متداخلة، كأنها أنين أم وطفل، وصرخات لا تفرق بين شهقة ولادة وصدى موت.
الجميع يركضون كظلال طريدة، وأنا وقفت كتمثال من ذهول.
بحثت عن سماء زرقاء، فوجدت دخاناً أسود كثيفاً ككفن الحقد.
البيوت تهوي، والضحكات تدفن، والقبل معلقة في الهواء، كأن كل شيء جميل قرر أن يموت دفعة واحدة.
منزلي؟
كان ضوء أمي، وضحكة أبي، وهمسات إخوتي قبل النوم.
كلهم غادروا دون وداع، ضحايا لصاروخ لا يفهم معنى الأمان.
لو كتبتها تلك الرسالة
لكنت أخبرت أبي كم أشتاق لصوته، وأمي كم ندمت لأني لم أعتذر،
وإخوتي أننا لم نختر الوداع، بل اختير عنا.
لكنها لم تكتب،
فتحولت الكلمات في صدري إلى ركام فوق ركام، كأنها صرخة لم تولد، وكأن قلبي خيمة للغياب واليوم أكتبها،
لا لأنني تعافيت، بل لأني أخشى أن يمحى كل هذا من الذاكرة.
أكتبها باسم كل قلب توقف دون أن يقول: أحبك.
باسم كل عين أغلقت دون أن ترى العناق الأخير.
باسم كل بيت صار رماداً، ووطن صار شبحاً، وأسلمها للريح.
علها تمر على أطلالنا وتهمس للسماء:
“كنا هنا، نحب الحياة… لكنهم قتلوها فينا”.