الحب..!

كتب: عمر محمد العمودي
الحب هو التجاوز المطلق للذات. هو اللحظة التي يُزال فيها العالم عن الإنسان، ليبقى وجهًا لوجه أمام جوهره الخالص.
في تلك اللحظة، يصبح القلب مركبة صافية، والمشاعر نورانية، والوعي مفتوحًا على نفسه بقدر ما هو مفتوح على الآخر، الذي لا يكون إلا مرآة للكشف..
في الحب، يظهر الإنسان على حقيقته: هشًّا أمام الفقد، صلبًا أمام الصدق، رقيقًا أمام ما لا يُقال، جامحًا أمام ما لا يُمسك.
كل ما كان يراه ثابتًا يتحول، وكل ما اعتقد أنه أمان يتحوّل إلى فضاء متحرر. الحب يجرّد من السيطرة، ويُلغي أوهام الامتلاك، ويعيد الإنسان إلى جوهره الأول؛ جوهر التعلق بالمطلق الذي لا يُحاصر، وباللحظة التي لا تتكرر..
إنه لا يعد بالدوام ولا بالثبات، لكنه يعد بالحضور، الحضور الذي يطفو فوق الزمن كما يطفو الضوء على مياه وادعة..
الحب وعي متكامل، رؤية كل شيء بلا حجب، والتعرّف على الذات في أعمق مستوياتها، حيث يصبح الآخر محورًا لانكشافنا. هنا تتولد حرية، لكنها حرية لا تحرر الإنسان من تعلقه، بقدر ما تحرره من وهم التملك، وتدفعه لأن يعيش اللحظة كاملة..
في الحب، يُقاس الإنسان بما يتخلى عنه من أوهام، لا بما يكتسبه من الآخر. فالعاطفة تزول، أما الحب فيبقى في شكل سؤال حيّ: من أكون حين أُحب؟
وهل أملك الشجاعة لأن أكون صافيًا أمام هذا السؤال؟
ومن يواصل العيش ضمن هذا السؤال، لا يكتشف الحب فحسب، بل يكتشف ذاته، وتكون المرة الأولى التي يرى فيها الإنسان ذاته مكتملة، حرة، صافية..
فالحب، آية من آيات الوجود..