تكنولوجيا

مخاطر استسلام الصحافة أمام الذكاء الاصطناعي

كريترنيوز/ متابعات /موسى علي

حذرت الكاتبة الصحفية مارغريت سيمونز من استسلام الصحافة أمام التحوّلات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الإعلام، إذ تشهد علاقة الصحافي بالجمهور تحولاً جوهرياً وخطيراً هو الأحدث ضمن سلسلة اضطرابات تقنية مستمرة منذ خمسة عقود.

وتقول مارغريت الكاتبة في صحيفة “الغارديان” البريطانية: “منذ نشأة مهنة الصحافة، ارتكز جوهرها على خدمة الجمهور؛ سواء من خلال تقديم معلومات رصينة تدعم وعي المواطنين، أو عبر مواد جذّابة تمزج بين الخبر والترفيه، وكانت احتياجات الجمهور بكل تنوعها حاضرة دائماً في صلب عمل غرف الأخبار.

وأوضحت، أن هذه العلاقة تتغيّر اليوم بفعل موجة الذكاء الاصطناعي، التي بدأت تعيد تشكيل دور المؤسسات الإعلامية ومكانتها في البيئة الرقمية، ومن يلاحظ التطور في محركات البحث، وتحديداً “غوغل”، سيجد أنه عند البحث عن أي موضوع تظهر في أعلى النتائج خلاصة جاهزة تتضمن أهم النقاط، ورغم وجود روابط تفصيلية، يكتفي معظم المستخدمين بهذه الخلاصة.

وأضافت” هذه النصوص تُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي، اعتماداً على أعمال البشر، ومن ضمنهم الصحافيون، الذين تُستقى منهم المعلومات قبل معالجتها وصياغتها، هذا التحول يعني أن عدداً أقل من القراء ينقرون فعلياً على المواقع الإخبارية للوصول إلى الخبر الأصلي، ورغم أن الانخفاض ما زال محدوداً، إلا أن المستقبل قد يحمل تراجعاً أكبر، ما يهدد النماذج الاقتصادية للصحافة؛ إذ تقلّ الزيارات، فيتراجع عدد المشتركين والإعلانات.

وتابعت: “أما الأخطاء التي تنتج عن هذه الخلاصات، فهي موجودة لكنها آخذة في التراجع، خصوصاً بعدما بدأت شركات الذكاء الاصطناعي مثل غوغل و”أوبن إي آي” بعقد اتفاقيات مع مؤسسات إعلامية لشراء حق استخدام محتواها وأرشيفها في تدريب نماذجها”.

وأشارت مارغريت إلى أن هذه الاتفاقيات مغرية مالياً، خصوصاً في ظل الأزمات المتكررة التي تضرب قطاع الإعلام، لكن المكاسب المالية تُخفي وراءها تحولاً خطيراً في ميزان القوة بين الصحافة والجمهور.

انتقال السلطة المعلوماتية من الإعلام إلى شركات التقنية

قالت الكاتبة: “مع استمرار هذه الاتجاهات، ثمة مخاوف من أن تتحول المؤسسات الإعلامية سريعاً من نموذج “صحافي إلى جمهور” إلى نموذج “شركة إلى شركة”، بحيث تصبح الشركات التقنية الوسيط الرئيسي بين الصحافي والجمهور”.

وأضافت “اليوم، 22% فقط من الأستراليين يدفعون مقابل الحصول على الأخبار، وفق تقرير جامعة كانبيرا السنوي، ورغم أنها نسبة تعكس قدراً من الولاء للعلامة الإعلامية، إلا أنها تظل بعيدة عن الأغلبية، فالميديا الجادة لم تعد سلعة “جماهيرية” بل خدمة نخبوية”.

ولفتت إلى أن الذين لا يدفعون، يعتمدون على التلفزيون المجاني، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو المحتوى المجاني من المؤثرين والبودكاست والمنصات الحزبية، بعضهم يتجنب الأخبار كلياً، وفي دول عديدة، يمثّل الإعلام العام المستقل أحد آخر المصادر الموثوقة المتاحة للجميع، لكن مع صفقات الذكاء الاصطناعي، تخاطر المؤسسات الإعلامية بالتخلي عن جوهر علاقتها بالجمهور، العلاقة التي تشكل أساس الثقة وسبب البقاء.

 

ما المخاطر؟

أولاً: إذا لم تكن الصحافة تخدم الجمهور مباشرة، بل شركات الذكاء الاصطناعي، فقد يُحجب أو يُشوَّه المحتوى بما يتوافق مع مصالح تلك الشركات، ويظهر ذلك في بعض نتائج البحث لدى روبوت “Grok” المملوك لإيلون ماسك.

ثانياً: يفقد الجمهور ما يميز زيارة المواقع الإخبارية: اكتشاف قصص لم يكن يبحث عنها، ضمن حزمة متوازنة يصوغها صحافيون يملكون حكماً وخبرة، أما نماذج الذكاء الاصطناعي فلا تهتم إلا بما يُطلب منها، أو بما تستنتجه من سلوك المستخدم.

ثالثاً: إذا فقدت المؤسسات الإعلامية علاقتها المباشرة مع الجمهور، ستصبح أكثر هشاشة أمام الهجمات السياسية، فكيف سيتضامن الناس مع مؤسسة إعلامية تتعرض لضغوط أو تهديدات إذا كان محتواها يُستهلك فقط كجزء من “مزيج” مجهول المصدر؟

كما يطرح ذلك سؤالاً جوهرياً: هل ستظل روح المسؤولية العامة التي تدفع الصحافيين، وتشكّل أساس الصحافة الراقية، قائمة إذا انقطعت هذه العلاقة؟

ما الذي يمكن فعله؟

أفادت مارغريت بأن الحل ليس في مقاومة التغيير، بل في إدارة مخاطره، وعلى المؤسسات الإعلامية تعزيز علاماتها عبر محتوى عالي الجودة، تحسين إمكانية البحث في أرشيفها، توفير روبوتات محادثة خاصة بها للمشتركين، وهو ما بدأته بالفعل بعض المؤسسات.

وأوضحت “أما البديل السهل، فهو الاعتماد على شركات التقنية لتقديم هذه الوظائف، فإنه يعزز سيطرة تلك الشركات على الفضاء الإعلامي، وقد يكون أحد الحلول الكبرى هو تعاون الإذاعات والتلفزيونات العامة حول العالم لبناء نماذج ذكاء اصطناعي خاصة بها، تعتمد على محتوى موثوق، وتبقى ملكاً للجمهور”.

الأمل الأخير.. القيمة الإنسانية للصحافة

رغم كل مخاطر “المحتوى المعلّب” الذي تقدمه روبوتات الذكاء الاصطناعي، قد يسعى جزء من الجمهور إلى العودة إلى الأصل: المحتوى المتعمّق، الموثوق، المبني على مقابلات وشهادات ورؤية بشرية، الجوهر الحقيقي للصحافة.

فالعلاقة بين الصحافي والجمهور ركيزة الثقة، والقدرة على طرح الأسئلة الصعبة، وكشف الحقائق التي لا يريد البعض رؤيتها. وهي أيضاً أساس فكرة “الصالح العام”.. خسارتها ستكون خسارة فادحة.

زر الذهاب إلى الأعلى