دلالات مهمة للاقتصاد الأمريكي من فيلم «الحالة المحيرة لبنجامين باتون»
كريترنيوز /متابعات /جاريد فرانز
في ظل استمرار الاقتصاد الأمريكي في المضي بقوة قدماً، في تحدٍ للتوقعات المتشائمة بركود وشيك، قد يتبادر إلى ذهنك، مثلي تماماً، تساؤل مهم: كيف استطاعت الولايات المتحدة تجنب هذا التباطؤ الذي طال انتظاره؟ قد يبدو الأمر غريباً، لكن ثمّة بعض أوجه الشبه بين مسار الاقتصاد الأمريكي وقصة فيلم «الحالة المحيرة لبنجامين باتون» الذي عُرض عام 2008.
يتذكر محبو هذا الفيلم أن بطله، الذي جسّده براد بيت، يمضي قطار عمره بشكل عكسي، من رجل عجوز إلى طفل رضيع. ويبدو أن الاقتصاد الأمريكي يمضي في مسار مشابه، إذ يشهد عودة إلى فترة من النمو القوي والمستدام، منتقلاً من مرحلة «نهاية الدورة» التي تتسم بسياسات نقدية مُتشددة وضغوط متزايدة على التكاليف، إلى مرحلة «منتصف الدورة» التي تشهد نمواً في الأرباح، وازدياداً في الطلب على الائتمان، وتحولاً في السياسة النقدية نحو الحياد.
يأتي هذا على النقيض من دورة الأعمال التقليدية المكونة من أربع مراحل: البداية، الوسط، النهاية والركود، التي يتم تدريسها في أساسيات الاقتصاد؛ ومن خلال تقييمي، فهذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها هذا النوع من التحول منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. والخبر الجيد هو أن هذه الحالة تشير إلى احتمال بدء توسع اقتصادي متعدد السنوات، جنباً إلى جنب مع المكاسب المالية التي ترتبط عادةً ببيئة «منتصف الدورة».
لكن كيف حدث ذلك؟ مثل فيلم «الحالة المحيرة لنجامين باتون»، فإن الأمر يحمل بعض الغموض، لكن ما يمكن تسميته باقتصاد «بنجامين باتون» هو في الحقيقة نتيجة للتشوهات التي أحدثتها فترة ما بعد الجائحة في سوق العمل الأمريكي.
وكانت بعض البيانات المتعلقة بالعمل تشير إلى ظروف «أواخر الدورة» لكن مؤشرات اقتصادية أوسع، قد تكون أكثر مصداقية اليوم، باتت تومض بوضوح بأننا في منتصف الدورة، وإذا كان الاقتصاد فعلاً في منتصف الدورة، فقد لا نرى ركوداً في الولايات المتحدة حتى عام 2028، على أقل تقدير.
وتاريخياً، أدّت مثل هذه البيئة الاقتصادية المواتية إلى تحقيق عوائد في أسواق الأسهم تتراوح حول نسبة 14 % سنوياً، كما وفرت ظروفاً مواتية للسندات كذلك. ومع نمو صحي للاقتصاد الأمريكي، بمعدل يتراوح بين 2.5 % و3.0 % خلال عام 2025، بحسب تقديري، يجب أن يوفر ذلك دفعة جيدة للأسواق المالية، وفي منتصف دورة أسواق الأسهم هذه، عادةً ما تكون قطاعات مثل المالية والعقارات والمواد الأولية هي الأفضل أداءً.
واسمحوا لي أن أشرح منهجيتي بشكل مبسط، فبدلاً من استخدام أرقام البطالة التقليدية لتحديد مراحل الدورة الاقتصادية، أفضل النظر إلى فجوة معدل البطالة، أي الفرق بين معدل البطالة الفعلي (4.1 % حالياً في الولايات المتحدة) والمعدل الطبيعي للبطالة، والذي يُشار إليه غالباً بمعدل البطالة غير المتسارع للتضخم، ويتراوح عادة بين 4 % و5 %. ببساطة، إنه مستوى البطالة الذي من يتوقع لمعدلات التضخم أن ترتفع عند تجاوزه.
ورغم أن هذه طريقة مختصرة لتحديد مراحل الدورة الاقتصادية، إلا أنها تستند إلى منهجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار السياسة النقدية، وضغوط التكاليف، وهوامش أرباح الشركات، والنفقات الرأسمالية، والإنتاج الاقتصادي الإجمالي. وتعدّ فجوة البطالة مقياساً يمكن تعقبه كل شهر مع صدور تقرير الوظائف الأمريكي.
والسبب في فعالية هذه الطريقة هو أن مراحل هذه الفجوة تميل إلى التوافق مع العوامل الأساسية لكل دورة اقتصادية. وعلى سبيل المثال، عندما تكون أسواق العمل مشددة، تميل ضغوط التكاليف إلى الارتفاع، وتنخفض أرباح الشركات، ويكون الاقتصاد في مرحلة متأخرة من الدورة الاقتصادية.
وكان هذا النوع من التحليل الاقتصادي فعالاً أيضاً في فترة ما قبل الجائحة، حيث قدّم إشارة تحذير مبكرة عن ضعف الاقتصاد في أواخر الدورة الاقتصادية في عام 2019، تلاه ركود جائحة كوفيد في بداية عام 2020. ومن المحتمل أن تكون الجائحة قد أدّت إلى تشوهات هيكلية ودورية في سوق العمل الأمريكي، مما يجعل الطرق التقليدية للنظر إلى معدلات البطالة أقل فائدة لتقييم الظروف الاقتصادية الأوسع، فقد أصبحت أقل ارتباطاً بديناميكيات الدورة الاقتصادية التقليدية؛ إن عدم إدراك هذه التغييرات قد يؤدي إلى تقييمات متفائلة أو متشائمة للغاية للدورة الاقتصادية.
لكن ماذا يعني ذلك لأسعار الفائدة؟ في ظل توقعاتي الاقتصادية الإيجابية، لا أعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيخفض أسعار الفائدة بنفس القدر المتوقع في السوق؛ خاصة أن التضخم لا يزال أعلى قليلاً من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 %.
وبعد الخفض الأخير بمقدار 0.5 نقطة مئوية، سيكون مسؤولو البنك المركزي حذرين بشأن المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، وقد يتقدمون بحذر في الأشهر المقبلة. ومع عودة الظروف الاقتصادية إلى الوراء بدلاً من التقدم إلى الأمام، هناك سياق درامي جديد يجب أن يتابعه المستثمرون.
الكاتب خبير اقتصادي في «كابيتال جروب»