منوعات

لغز القارتين العملاقتين في باطن الأرض.. اكتشاف يغير فهمنا للوشاح العميق

كريترنيوز / متابعة / وائل زكير

توصل فريق بحثي دولي من المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى أن هناك كتلتين هائلتين بحجم القارات، مدفونتين في عمق وشاح الأرض، ولكنهما تختلفان بشكل أساسي عن بعضهما البعض، على عكس الاعتقاد السابق. وقد يكون لهذه الاختلافات تأثيرات كبيرة، بما في ذلك عدم استقرار المجال المغناطيسي للأرض.

اكتشاف المقاطعتين الكبيرتين منخفضتي السرعة (LLVPs)

تم اكتشاف هاتين الكتلتين، المعروفتين باسم “المقاطعتين الكبيرتين منخفضتي السرعة” (LLVPs)، لأول مرة في الثمانينيات من القرن العشرين عندما لاحظ الجيولوجيون أن الموجات الزلزالية تنتقل عبر منطقتين في الوشاح السفلي بسرعة أبطأ بكثير مما كان متوقعًا. يبلغ ارتفاع كل منهما نحو 900 كيلومتر (559 ميلًا) وعرضها يمتد لآلاف الأميال، مما يجعلها تغطي معًا حوالي 25% من سطح نواة الأرض، وفقا لمجلة “نيوزويك” الأمريكية.

التكوين والاختلافات بين LLVPs

لطالما اعتقد العلماء أن هذه الكتل تتكون من قشرة محيطية قديمة اندست في الوشاح، واعتُبر أن لهما خصائص فيزيائية متشابهة نظرًا لتشابه طريقة مرور الموجات الزلزالية خلالهما. لكن الدراسة الجديدة كشفت أن تكوينيهما وعمرهما يختلفان بشكل جوهري، رغم تشابه درجات حرارتهما، وهو ما يفسر سبب ظهور الموجات الزلزالية بشكل متطابق خلالهما رغم اختلاف بنيتهما.

وفقًا للدراسة التي أجرتها باولا كوليميجر، خبيرة علم الزلازل من جامعة أكسفورد، فإن هذا الاختلاف في التركيب دون اختلاف كبير في درجة الحرارة هو عامل أساسي في فهم طبيعة هاتين الكتلتين.

التطور الجيولوجي لـ LLVPs

استخدم الباحثون نموذجًا يجمع بين الحمل الحراري في الوشاح وإعادة بناء حركات الصفائح التكتونية خلال آخر مليار سنة، ما ساعدهم على فهم تطور هذه الكتل بمرور الزمن. كشفت المحاكاة عن اختلافات واضحة بين الكتلتين:

الكتلة الأفريقية تتكون من مواد أقدم وتمتزج بشكل أفضل مع الوشاح المحيط بها.

الكتلة تحت المحيط الهادئ تحتوي على 50% من قشرة المحيط التي اندست خلال آخر 1.2 مليار سنة، مما يجعلها أكثر تجددًا.

وتشير النماذج إلى أن كتلة المحيط الهادئ قد تلقت باستمرار قشرة محيطية جديدة خلال الـ 300 مليون سنة الماضية، بسبب قربها من حزام النار، وهو حزام زلزالي وبركاني ضخم يحيط بالمحيط الهادئ.

في المقابل، لم تتعرض الكتلة الأفريقية لنفس المعدل من التجديد، ما أدى إلى امتزاجها بشكل أكبر مع الوشاح المحيط بها وانخفاض كثافتها. ويُعتقد أن هذا الاختلاف في الكثافة هو السبب في كون الكتلة الأفريقية أكثر انتشارًا وارتفاعًا مقارنة بنظيرتها في المحيط الهادئ.

التأثيرات على المجال المغناطيسي للأرض

نظرًا لموقع LLVPs في عمق الوشاح وارتفاع درجات حرارتهما، فإنهما تؤثران بشكل مباشر على كيفية تبديد الحرارة من نواة الأرض.

ووفقًا للدراسة، فإن فقدان الحرارة من النواة يحدث بشكل أكبر في المناطق التي يكون فيها الوشاح العلوي أكثر برودة، مما يعني أن LLVPs تعيق هذه العملية.

وقالت كوليميجر في تصريح لمجلة نيوزويك: “إن استخلاص الحرارة من النواة يتم أساسًا في الأماكن التي يكون فيها الوشاح العلوي أكثر برودة، وبالتالي، فإن LLVPs هي المناطق التي يتم فيها استخراج كمية أقل من الحرارة من النواة.”

ويؤثر هذا على الحمل الحراري في النواة الخارجية، وهي العملية المسؤولة عن توليد المجال المغناطيسي للأرض. إذا أصبح توزيع الحرارة غير متوازن، فقد يؤدي ذلك إلى انعكاس المجال المغناطيسي، مما قد يتسبب في إضعافه مؤقتًا، مما قد يؤثر على أنظمة الاتصالات، شبكات الطاقة، والقدرات الملاحية لدى بعض الحيوانات.

مستقبل البحث في LLVPs

أكد الباحثون أن هذه الاختلافات في الكثافة يجب أخذها في الاعتبار عند دراسة ديناميكيات الأرض العميقة وتطور المجال المغناطيسي. وأشاروا إلى ضرورة البحث عن بيانات إضافية، مثل ملاحظات الجاذبية الأرضية، لتأكيد الفرضيات المتعلقة بعدم تماثل الكتلتين.

واختتمت كوليميجر حديثها قائلة: “نحن بحاجة إلى مزيد من البيانات لتحديد مدى صحة الاختلاف في الكثافة، ومن الممكن تحقيق ذلك من خلال دراسة المجال الجاذبي للأرض.”

يكشف هذا البحث عن مدى تعقيد أعماق كوكبنا، حيث أن الكتلتين العملاقتين المدفونتين في الوشاح السفلي ليستا مجرد بقايا قشرة محيطية قديمة، بل تشكلان جزءًا أساسيًا من ديناميكيات الأرض العميقة. قد تؤثر اختلافاتهما في التكوين والكثافة على استقرار المجال المغناطيسي، مما يجعل فهمهما ضروريًا لفهم مستقبل الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى