أول زبون غاضب في التاريخ.. شكوى عمرها 4000 عام من تاجر نحاس بالعراق

كريترنيوز /متابعات /شيرين الكردي
في مشهد يبدو مألوفًا من حياتنا المعاصرة، اكتشف العلماء شكوى قديمة تكاد تكون النسخة البدائية من تقييمات النجوم على مواقع التسوق، لكنها تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام، فبينما نرسل اليوم ملاحظاتنا عبر البريد الإلكتروني أو منصات التواصل، لجأ أحد سكان بلاد ما بين النهرين إلى نقش شكواه على لوح طيني بلغة مسمارية، لتكون بذلك أقدم وثيقة لاحتجاج زبون ضد خدمة تجارية في التاريخ البشري.
الشكوى التي خلدها الطين
في اكتشاف أثري فريد، تمكن العلماء من تفكيك رموز لوح طيني صغير الحجم، يعود تاريخه إلى حوالي 1750 قبل الميلاد، ويُعد أول شكوى مسجلة من زبون في تاريخ الإنسانية. اللوح، المكتوب بالخط المسماري، تم العثور عليه في مدينة “أور” القديمة في العراق، وكان موجهاً من رجل يُدعى ناني إلى تاجر نحاس يُدعى إيانصر.
ما وراء الخلاف التجاري
كان ناني قد اشترى كمية من النحاس من إيانصر، لكنه شعر بعدم الرضا عن جودة البضاعة، مما دفعه لكتابة رسالة مليئة بالاستياء، لم يترك فيها جانبًا دون نقد. كتب ناني: ” وضعت سبائك من النحاس غير صالحة أمام رسولي، وقلت له: إن أردتَ أخذها، فخذها، وإن لم تُرد، فاذهب بعيداً “.
لم يكتفِ بذلك، بل عبّر أيضًا عن امتعاضه من طريقة تعامل التاجر مع محاولاته السابقة لاسترجاع أمواله، قائلاً إنه أرسل “رسلًا من السادة” لكنهم عادوا “خالي الوفاض”، في إشارة إلى تعنّت إيانصر ورفضه حل النزاع.
الكتابة والتجارة في مهد الحضارات
يُبرز هذا الاكتشاف العلاقة الوثيقة بين ظهور الكتابة والتجارة في المجتمعات القديمة، فبعض أقدم أشكال الكتابة وُجدت على ألواح توثّق المعاملات التجارية وجرد المخزونات، وكانت لغة بلاد ما بين النهرين آنذاك وسيلة لضمان الحقوق التجارية وتوثيق الحسابات.
ويؤكد الباحثون أن النحاس كان موردًا أساسيًا في ذلك الوقت، إذ يُشكل أحد مكونات معدن البرونز، ولذلك لم تكن الخلافات حوله بالأمر الغريب، بل كانت تأخذ أحيانًا أبعادًا جدية كما في حالة ناني.
تاجر مثير للجدل
اللافت أن إيانصر لم يكن موضوع شكوى واحدة فقط، بل وُجدت عدة ألواح أخرى تحمل شكاوى موجهة له، مما يدل على أن سمعته التجارية لم تكن الأفضل، ومع ذلك، يُظهر حرصه على حفظ هذه الألواح – عن قصد أو غير قصد أنه كان يدرك أهمية التوثيق حتى في ظل الخلافات.
تفاصيل اللوح الطيني
بلغت أبعاد اللوح الذي كتبه ناني 11.6 × 5 سنتيمترًا، وكان مُغطى بالكتابة من الجهتين، ما يُشير إلى أن ناني استغل كل مساحة متاحة لتفريغ استيائه، وقد وصل هذا اللوح إلينا اليوم كوثيقة نادرة تعكس سلوك المستهلك وحقوقه حتى في العصور السحيقة.
بعيدًا عن الطابع الطريف لاكتشاف شكوى عمرها 4000 عام، يعكس هذا الحدث تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات القديمة، ويُظهر أن مشاعر خيبة الأمل تجاه الخدمة الرديئة ليست جديدة، بل رافقت الإنسان منذ فجر الحضارة، واليوم، يذكرنا “ناني” بأن الحق في الاعتراض والشكوى هو جزء من التجربة الإنسانية، منذ الأزل وحتى العصر الرقمي.