منوعات

الملياردير الزاهد.. ملابسه مستعملة وسيارته قديمة رغم امتلاكه 58 مليار دولار

كريترنيوز /رضا أبوالعينين

في عالمٍ يتسابق فيه كبار رجال الأعمال على إظهار مظاهر الثراء الفاحش واقتناء أفخم المقتنيات، اختار إنغفار كامبراد، مؤسس شركة الأثاث السويدية العملاقة «إيكيا»، مسارا مغايرا تماما؛ مسارا جعل من التقشف والزهد أسلوب حياة، ومن البساطة استراتيجية إدارة وبناء إمبراطورية عالمية تُعد اليوم واحدة من أنجح شركات التجزئة في التاريخ الحديث.
وُلد كامبراد في 30 مارس 1926 في قرية بياّتيريد الصغيرة بجنوب السويد لأب ألماني وأم سويدية. منذ طفولته المبكرة، ظهرت عليه ميول ريادية واضحة، إذ بدأ ببيع أعواد الثقاب لجيرانه وهو في الخامسة من عمره، قبل أن يتوسع نشاطه ليشمل بيع الأسماك وزينة عيد الميلاد والأقلام وأقلام الرصاص وحتى التوت البري المحلي.
نشأ كامبراد في مزرعة عائلية متواضعة، وعانى من صعوبات في التعلم جعلت مسيرته الدراسية شاقة، إلا أن تلك العقبات لم تقف يوما أمام طموحه المتقد.
في عام 1943، وبعمر 17 عاما فقط، أسس كامبراد شركته «إيكيا» مستخدما مكافأة مالية بسيطة قدمها له والده بعد نجاحه في امتحاناته المدرسية. بدأ نشاطه ببيع أثاث بسيط بأسعار زهيدة عبر البريد، وكان ينقل البضائع إلى محطة القطار بواسطة عربات الحليب. ومع مرور الوقت، اتسعت أعماله تدريجيا، إلى أن جاءت اللحظة التي غيّرت مسار الشركة بالكامل في عام 1956، حين لاحظ أن عمال التوصيل يزيلون أرجل الطاولات لتسهيل نقلها. تلك الملاحظة البسيطة ألهمته ابتكار فكرة الأثاث القابل للتجميع، التي أحدثت ثورة في عالم الأثاث وخفضت التكاليف بشكل غير مسبوق، لتصبح السمة المميزة لمنتجات «إيكيا» حتى اليوم، وفقا لموقع moneywise.
ومع حلول الستينات والسبعينات، بدأت الشركة توسعها خارج السويد، فدخلت أسواق الدول الإسكندنافية ثم سويسرا وألمانيا واليابان وأستراليا وكندا، قبل أن تتحول إلى علامة تجارية عالمية تقدم تصميما عصريا بأسعار في متناول الجميع. وبحلول التسعينات، لم تعد «إيكيا» مجرد شركة أثاث ناجحة، بل أصبحت ثاني أكبر مؤسسة خيرية في العالم بعد مؤسسة بيل وميليندا غيتس، في حين بلغت ثروة كامبراد الشخصية نحو 58 مليار دولار، وفقا لتقديرات متعددة.
ورغم هذه الثروة الهائلة، اشتهر كامبراد بكونه «مليارديرا زاهدا» يبتعد عن مظاهر الرفاهية. فقد كان يشتري ملابسه من أسواق السلع المستعملة، ويعيد استخدام أكياس الشاي أكثر من مرة، ويقص شعره في صالونات رخيصة. كما كان يسافر في الدرجة الاقتصادية ويقود سيارات مستعملة لسنوات طويلة. حتى أنه وصف نفسه ذات مرة بـ«البخيل والفخور»، معتبرا أن البساطة ليست ضعفا بل مصدر قوة.
ولم يكن هذا التقشف مجرد سلوك شخصي، بل تحوّل إلى ثقافة مؤسسية شكلت هوية «إيكيا». فمنذ تأسيسها، تبنت الشركة سياسة صارمة لخفض التكاليف في كل مراحل الإنتاج والتوزيع، ما سمح لها بتحقيق نمو عالمي هائل مع الحفاظ على أسعار منخفضة مقارنة بمعدلات التضخم. ففي عام 2023، تجاوزت إيرادات «إيكيا» 51.6 مليار دولار، ما يعكس قوة الاستراتيجية التي وضعها كامبراد منذ عقود.
كما كان كامبراد حريصا على حماية ثروته وإرثه المالي بعقلانية، فأنشأ هيكلا ضريبيا معقدا لضمان عدم تعرض أبنائه لضرائب باهظة على حصته في الشركة. هذا النهج الذي يجمع بين الزهد في المظاهر والذكاء المالي أصبح مصدر إلهام لرواد الأعمال والمستثمرين حول العالم، وأثبت أن النجاح لا يحتاج دائما إلى بذخ أو إسراف.
وبعد وفاته عام 2018 عن عمر ناهز 91 عاما، واصل أبناؤه الثلاثة إدارة الشركة والحفاظ على فلسفة والدهم. واليوم، وبعد أكثر من سبعة عقود على تأسيسها، تعد «إيكيا» أكبر بائع للأثاث في العالم، بواقع 483 متجرا في 63 دولة وإيرادات سنوية تقارب 30 مليار دولار.
إن قصة إنغفار كامبراد ليست مجرد حكاية نجاح اقتصادي، بل شهادة حيّة على أن التقشف يمكن أن يكون قوة دافعة لبناء إمبراطوريات، وأن الزهد في مظاهر الغنى لا يتعارض مع تحقيق الثروة، بل قد يكون السبيل الأذكى إليها. من طفل يبيع أعواد الثقاب في قرية صغيرة، إلى ملياردير زاهد يقود شركة غزت القارات الخمس، تبقى مسيرة كامبراد درسا خالدا في ريادة الأعمال والتواضع والاقتصاد في عالم المال والأعمال.

زر الذهاب إلى الأعلى