الصين والولايات المتحدة.. ملامح التبادل التجاري في “زمن الرسوم”

كريترنيوز /متابعات /أحمد الشنقيطي
بلغت التوترات الجيوسياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين ذروتها، لتصل الحرب التجارية إلى مرحلة غير مسبوقة، وتتجاوز حدود الرسوم الجمركية التقليدية إلى مواجهة مفتوحة تهدد استقرار سلاسل الإمداد العالمية، فقد فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب رسوماً جمركية تصل إلى 145% على معظم السلع الصينية، وردّت بكين برسوم مضادة بلغت 125%، ما أدى إلى تقلص حركة التجارة بشكل كبير بين البلدين.
تعد الصين أكبر مصدر للسلع إلى الولايات المتحدة، حيث بلغت قيمة صادراتها نحو 439 مليار دولار في 2024، أي ما يمثل نحو 15% من إجمالي واردات الولايات المتحدة، وفق بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي.
وتتركز الصادرات الصينية في الإلكترونيات والسلع الاستهلاكية، أبرزها: الهواتف الذكية (47 مليار دولار، 40%)، الحواسيب (41 مليار دولار، 29%)، البطاريات (16 مليار دولار، 51%)، إضافة إلى المنتجات البلاستيكية (14 مليار دولار، 57%)، والألعاب (10.5 مليارات دولار، 56%)، والمصابيح الكهربائية (9.5 مليارات دولار، 98%)، بحسب تقارير.
في المقابل، صدّرت الولايات المتحدة إلى الصين ما قيمته 144 مليار دولار في العام نفسه، تمثّلت في فول الصويا (13 مليار دولار، 24%)، الرقائق الإلكترونية (8.7 مليارات دولار)، اللقاحات (6.7 مليارات دولار، 38%)، إلى جانب النفط الخام والغاز الطبيعي المسال (12 مليار دولار)، والسيارات وقطع الغيار (4.9 مليارات دولار)، وفق بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي.
فك ارتباط
التأثير الفوري للتصعيد الجديد كان واضحاً؛ فقد سجلت الصادرات الصينية إلى أمريكا في مارس الماضي ارتفاعاً بنسبة 12.4% نتيجة اندفاع الشحن قبل سريان الرسوم، قبل أن تسجل تراجعاً حاد لاحقاً في ظل الرسوم الباهظة التي وصفها محللون في بلومبرغ بأنها “مدمرة للتجارة”.
وحذرت منظمة التجارة العالمية من أن هذه الجولة من التصعيد قد تؤدي إلى انخفاض التبادل التجاري بين البلدين بنسبة تصل إلى 80%.
الرسوم لم تضرب الأرقام فحسب، بل غيّرت المسارات، فالصين التي كانت تستورد نصف صادرات فول الصويا الأميركية، خفّضت وارداتها من المحصول بنسبة 37% في مارس الماضي، وفق تقرير لرويترز، وتوجهت الشركات الصينية نحو بدائل مثل البرازيل التي زادت حصتها في السوق الصينية كما حدث خلال الحرب التجارية السابقة.
وتفاوتت آثار هذه الحرب على القطاعات، فسجل قطاع الزراعة الأمريكي خسائر فادحة نتيجة فقدان السوق الصينية، وفي قطاع التكنولوجيا، تأثر الجانبان؛ غير أن الولايات المتحدة استثنت مؤقتاً منتجات كالحواسيب والهواتف من الرسوم تجنباً لارتفاع الأسعار داخلياً، في حين ردّت بكين باستخدام أدوات استراتيجية مثل حظر تصدير المعادن النادرة اللازمة لصناعة أشباه الموصلات، حسب “بيسنس إنسايدر”.
أما في قطاع الطاقة، فقد تقلصت صادرات النفط والغاز الأميركية إلى الصين، فيما عمدت بكين إلى تنويع مورديها نحو روسيا وقطر، تفادياً لارتفاع الكلفة الجمركية، بحسب تقارير.
على الجانب الصناعي، واجهت الشركات الأميركية ارتفاعاً في كلفة الإنتاج مع تراجع توريد قطع الغيار والمواد الوسيطة من الصين، بينما اضطرت إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد، وإن كان ذلك يتطلب وقتاً واستثمارات إضافية، وفق استطلاع لمجلة “أتلانتك”.
ويرى محللون أن هذه المواجهة، وإن بدت تجارية في ظاهرها، فإنها تحمل أبعاداً استراتيجية أعمق، تتعلق بتفوق صناعي وتقني عالمي، ومحاولة “فك الارتباط” تدريجياً بين أكبر اقتصادين في العالم.
وقد حذرت منظمة التجارة العالمية من أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى تراجع في النمو العالمي، إذ تشكل الولايات المتحدة والصين معاً قرابة 40% من الناتج العالمي.