اقتصاد

كيف انتصرت الصين على ترامب قبل اشتعال الحرب التجارية؟

كريترنيوز/ متابعات /آلان بيتي

أعلنت الولايات توصلها إلى اتفاق تجاري مع الصين. وينظر كثيرون إلى الاتفاق على أنه هدنة هشة للغاية في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

صحيح أن الولايات المتحدة لم تُطرَح أرضاً في نهاية المفاوضات التي استضافتها العاصمة البريطانية لندن، لكن النتيجة لم تكن بعيدة عن ذلك.
لقد توصل الجانبان إلى إطار غامض وهزلي للتعاون، فيما طلبت واشنطن المصافحة لإتمام الاتفاق ـ وهو تقليد يُعرف عن دونالد ترامب، بالمصادفة، أنه ليس بارعاً فيه.
وهو أيضاً هنا ليس جيداً في التفاوض، فبكين هي المنتصر الواضح في هذه المناوشات الأولية. وقام ترامب حالياً برفع غالبية التعريفات الجمركية العقابية الاستثنائية التي فرضها على الصين منذ تنصيبه رئيساً.

وما حصل عليه هو تعهد مبهم من جانب الصين برفع القيود التي فرضتها على صادرات المعادن الأرضية النادرة في الرابع من أبريل الماضي، نزولاً على طلب مؤلم من كبير مستشاريه الاقتصاديين، كيفين هاسيت.

وكما كتبت مؤخراً، فإن قرار الصين في أبريل بوقف صادرات معادن أرضية نادرة بعينها كانت ضربة جراحية أكثر إيلاماً مقارنة بقيودها العشوائية السابقة غير الفعالة. فقد كان مما قوّض القيود التي فرضتها الصين في العِقد الماضي هو التوسع في إنتاج هذه المعادن خارج البلاد، وكذلك عمليات التهريب التي قام بها عمال المناجم ومعالجوها من الخارجين على القانون.
لكن جولة القيود الأخيرة ركزت على المواد الأرضية النادرة «الثقيلة» والأقل شيوعاً، مثل الديسبروسيوم الذي لا تجد الصين في إنتاجه أي منافسة من دولة منتجة كبيرة.
ولذلك، فقد قفزت أسعاره بعد إعلان بكين فرض القيود. ومنذ العِقد الماضي، قامت الصين بتضييق الخناق بشدة على الإنتاج العشوائي للمعادن الأرضية النادرة وتهريبها.

ويهيمن عدد ضئيل من الشركات الواقعة تحت سيطرة صارمة من الدولة على الإنتاج، كما فرضت الصين آخر القيود عن طريق تراخيص تصدير «الاستخدام المزدوج» على المنتجات المُستخدمة في التصنيع الدفاعي. وبذلك، أصبحت سيطرة السلطات على سلسلة التوريد أكثر سهولة.

وتواجه الصين بكل تأكيد مشكلاتها الخاصة فيما يتعلق بالتقييم والتنسيق، وذلك لأن قيودها على صادرات المعادن الأرضية النادرة تهدد الاقتصادات التي تحاول بكين إخراجها من المدار الأمريكي، وقد بثّت شركات تصنيع السيارات الأوروبية بالفعل شكواها من الأمر.
ويُعد استعداء كافة مُشتري المعادن الأرضية النادرة محفوفاً بالمخاطر السياسية، لكن الصين تفرّق نوعاً ما على الأقل بين الشركات الأوروبية وتلك الأمريكية. وكان موردو «فولكسفاغن»، التي تملك أكثر من 30 مصنعاً في الصين، من بين أول من حصلوا على رخصة لشراء المعادن الأرضية النادرة. وبذلك، تمكّنت بكين من اجتياز الحد الأدنى من الكفاءة الذي تتمتع بها إدارة ترامب بمسافة كبيرة.
في المقابل، فإن الأسلحة الأمريكية، وبرغم قوتها، إلا أنه من الصعب توجيهها بصورة دقيقة. ومثلما كانت المملكة المتحدة مخطئة في قناعتها بأن عجزها التجاري مع الاتحاد الأوروبي سلّمها سلاح «بريكست» القوي لسهولة الوصول إلى المستهلك البريطاني، فقد ظن ترامب أن التعريفات الجمركية الباهظة على الواردات الصينية ستجبر بكين على الخضوع.
في الوقت نفسه، لا شك في أن الصين عُرضة للتأثر سلباً، بعدما حافظت على اعتمادها على الطلب الأجنبي بالتمسّك بنموذجها التقليدي للنمو المدفوع بالصادرات. لكن تعريفات ترامب غير الموُجهة تسببت في مواجهة الشركات الأمريكية خطورة فقدان مُدخلات صناعية مهمة، بالإضافة إلى احتمالية خلو الارفف من السلع الاستهلاكية.
وبالنسبة لمحاولات الولايات المتحدة استخدام القيود على الصادرات لتقييد اقتصاد الصين، فإن أدواتها ثَبُتَ سهولة الالتفاف عليها. فقد استخدمت إدارة جو بايدن القيود على التكنولوجيا الأمريكية والاستثمار الخارجي لإبطاء التطور التكنولوجي الصيني في مجال أشباه الموصلات وقطاعات أخرى، واعتمدت على حلفائها في فعل الأمر ذاته.
لكن ذلك لم يُفلح، فقد تمكنت الصين من تطوير تكنولوجيا الرقائق الخاصة بها وبسرعة.

وبالمثل، من المستبعد أن تسمح قيود ترامب الأخيرة على تصدير برمجيات الرقائق للولايات المتحدة باستعادة ما فقدته لصالح الصين.

من المُرجح أن محاولات ترامب للعراك في الميدان الذي تعرفه الصين جيداً، وهو فرض القيود على المُدخلات المادية الحيوية، عن طريق تقييد صادرات الإيثان وهو الغاز المُستخدم في الصناعات الكيماوية، ستضر بالشركات الأمريكية والشركات الموجودة لدى حلفائه.
ومع ذلك، فما زال في جعبة الولايات المتحدة بعض الأسلحة شديدة البأس، مثل تقييد الوصول إلى نظام المدفوعات العالمي بالدولار، لكنها لم تُجرِّب بعد استخدام هذه الأسلحة على نطاق كبير.

وإذا كان ترامب يريد الانتصار في الجولة التالية، فسيكون عليه تقييم الأسلحة في ترسانته واستخدامها بصورة أكثر دقة. لكن لا يشي التاريخ بأن هذه هي النتيجة الأرجح.

زر الذهاب إلى الأعلى