كنز لا يقدر بثمن .. قصة منجم نحاس يحتوي على 17 مليون طن

كريترنيوز /متابعات /وائل زكير
عندما يُذكر اسم ولاية “يوتا” الأمريكية، غالبًا ما يتخيل الناس منحدراتها المغطاة بالثلوج ومنتجعات التزلج، أو مناظرها الطبيعية الخلابة وتراثها الثقافي الغني. غير أن هذه الولاية، المعروفة أيضًا بلقب “خلية النحل”، تخفي في أعماقها كنزًا استراتيجيًا قد يحدد ملامح مستقبل العالم، منجم يحتوي على نحو 17 مليون طن من النحاس – المعدن الذي أصبح شريانًا حيويًا للتكنولوجيا والطاقة الحديثة.
عملاق تحت الأرض
في قلب ولاية يوتا، وبالقرب من مدينة سولت ليك سيتي، يقع منجم كينيكوت للنحاس – أو كما يُعرف أيضًا بـ منجم بينغهام كانيون – أحد أضخم الحفر المفتوحة التي صنعها الإنسان على وجه الأرض، وأحد أكثر المواقع الصناعية تطورًا في مجال التعدين عالميًا. يغطي المنجم ووحداته التشغيلية مساحة شاسعة تصل إلى 95,000 فدان، ويشمل منشآت مثل وحدة تركيز “كوبيرتون” ومصهر “غارفيلد”، وتدير هذه العمليات شركة التعدين العملاقة ريو تينتو، عبر فرعها المحلي كينيكوت يوتا كوبر.
ثروة لا تُقدّر بثمن
يُقدّر إنتاج المنجم حتى اليوم بما يتجاوز 17 مليون طن ، وهي كمية هائلة من المعدن تُستخدم في مختلف قطاعات الحياة من الأسلاك الكهربائية إلى تقنيات الطاقة المتجددة، مرورًا بالمعدات الطبية.
لا يتوقف العمل في المنجم، بل يستمر على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، بدعم من قوة عاملة تقدر بحوالي 800 موظف، يتوزعون على ورديات متعاقبة، بالإضافة إلى عدد كبير من المقاولين. وقد خضعت منشآت الصيانة لعملية تطوير شاملة في عام 2011 لتواكب النمو المستمر في حجم الإنتاج والآليات المستخدمة.
إرث من الأجيال والتكنولوجيا
ما يُميز هذا الموقع ليس حجمه فحسب، بل عمق ارتباطه بالمجتمع المحلي. يقول أحد الموظفين: “إذا دخلتَ إلى المنجم، ستجد من بين أعضاء الفريق من يُخرج صورة لجده أو جد جده الذي عمل هنا قبل عقود.”
وهذا يُظهر أن العمل في المنجم ليس مجرد وظيفة، بل إرث تتوارثه العائلات جيلاً بعد جيل، في انسجام مع تطور المعدات وتوسع عمليات الاستخراج التي تتطلب مهارات هندسية وتقنية متقدمة، وفقا لتقرير نشره موقع ” ecoportal”.
التزام بيئي ومستقبل مستدام
رغم ضخامته، لا يُغفل المشروع مسؤولياته البيئية. فقد بادرت الشركة إلى تنفيذ العديد من المبادرات المستدامة، منها: محمية كينيكوت للطيور وهي محمية طبيعية داخلية تمتد على مساحة 3,000 فدان.
مشروع “فجر” السكني وهو مجتمع متكامل على مساحة 4,100 فدان بُني على أراضٍ متأثرة سابقًا بأنشطة المنجم، ويضم منازل موفرة للطاقة، ومبانٍ حاصلة على شهادة LEED، ومساحات مفتوحة ومسارات للمشي.
تحول للطاقة النظيفة: اتفاقية مع “روكي ماونتن باور” لإغلاق ثلاث محطات طاقة تعمل بالفحم، دعمًا للطاقة المتجددة.
أكثر من مجرد منجم
منجم كينيكوت هو أكثر من مجرد مصدر للنحاس؛ إنه مشروع يوازن بين الإنتاج الصناعي والمسؤولية البيئية والاجتماعية، ويمثل نموذجًا متقدمًا لإدارة الموارد الطبيعية في القرن الحادي والعشرين.
في عالم يتجه بسرعة نحو الرقمنة والطاقة المتجددة، قد لا يكون من المبالغة القول إن مستقبل البشرية يمر عبر هذا المنجم.