الهند ومعضلة النفط الروسي.. الانصياع لترامب أو مواجهة تداعيات الرسوم

كريترنيوز/ متابعات
في ظل مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهند بوقف استيراد النفط من روسيا، يجد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، نفسه في مواجهة معضلة بين التحديات الجيوسياسية والاعتبارات العملية، إذا قرر إعادة هيكلة مزيج واردات الطاقة في ثالث أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم.
وتعتمد الهند على الخارج لتلبية نحو 90% من احتياجاتها من النفط الخام، وقد أصبحت منذ عام 2023 أكبر مستورد للنفط الروسي المنقول بحراً، بحسب بيانات تتبع السفن التي جمعتها شركة «كبلر» المتخصصة، وتستورد الهند ما يقرب من 5 ملايين برميل يومياً، منها نحو مليوني برميل من روسيا وحدها.
وتساءل سميت ريتوليا، المحلل الرئيسي في «كبلر»: «من أين للهند أن تجد مليوني برميل من الخام يومياً بهذه البساطة؟».
وأضاف: «بإمكانها زيادة الاعتماد على مصادر غير روسية، لكنني لا أعتقد أننا سنشهد يوماً تتوقف فيه الهند تماماً عن شراء النفط الروسي».
وكان ترامب، الذي وصف مودي بـ «الصديق العظيم»، قد توصل معه في فبراير الماضي إلى اتفاق يقضي بزيادة صادرات الطاقة الأمريكية إلى الهند، إلا أن المسافة الطويلة بين البلدين، مقارنة بقصر خطوط الشحن من روسيا ودول الشرق الأوسط.
إضافة إلى التحديات الفنية التي تواجه المصافي الهندية عند التبديل بين أنواع الخام المختلفة، قللت من جدوى هذا الخيار. وتابع ريتوليا قائلاً: «استبدال البراميل الروسية بالكامل ليس بالأمر السهل».
وقال الرئيس الأمريكي لقناة «سي إن بي سي»: «هم يشترون النفط الروسي، ويمولون بذلك آلة الحرب الروسية، وإذا استمروا في ذلك فلن أكون راضياً».
ويجد مودي نفسه أمام 3 خيارات صعبة: القبول بالرسوم الأمريكية، أو التحول إلى موردين بديلين، أو محاولة التوصل إلى تسوية مع ترامب، بحيث تقلص الهند وارداتها من الخام الروسي دون أن توقفها كلياً.
وقال شيلا شاه من شركة «كابيتال إيكونوميكس» إنه يستبعد أن تبذل الهند «جهداً حقيقياً لفطام نفسها عن النفط الروسي»، مشيراً إلى أن مودي لن يرغب في تقويض علاقاته الودية مع موسكو، ولا في أن يتعرض لانتقادات داخلية توحي بأنه رضخ لضغوط ترامب.
وفي موسكو، وصف الكرملين المطالب الأمريكية للهند بأنها «تهديدات»، وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحافيين: «نحن لا نعتبر هذه التصريحات شرعية، فمحاولات الضغط على الدول لقطع علاقاتها التجارية مع روسيا مرفوضة تماماً».
ويمثل امتعاض ترامب تحولاً واضحاً عن نهج إدارة جو بايدن، التي كانت قد سمحت للهند بشراء النفط الروسي، ما دامت الأسعار تبقى دون سقف مجموعة السبع المحدد بـ 60 دولاراً للبرميل، وذلك بهدف كبح الأسعار العالمية من جهة، وتقليص عائدات موسكو من جهة أخرى.
وبعد مرور 6 أشهر على اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، دافع وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، عن شراء النفط الروسي، واصفاً الأمر بأنه «واجب أخلاقي لتأمين أفضل صفقة لصالح المواطنين الهنود».
وقالت مصادر بقطاع النفط الهندي إن مصافي البلاد تعمل وفقاً للقانون، مشيراً إلى أن النفط الروسي لم يخضع يوماً لعقوبات مباشرة، بخلاف نفط إيران وفنزويلا.
وأضافت: «الهند كانت الطرف الدولي الأكثر التزاماً في هذه السلسلة من الأحداث. وهي لا تشتري نفطاً خاضعاً للعقوبات»، وتابعت: «السبب الوحيد الذي يدفع الهند لمواصلة الشراء هو غياب البديل. فإذا لم تشتر الهند من ثالث أكبر منتج عالمي، يساهم بنسبة 10% من الإنتاج العالمي، فمن أين ستأتي البراميل البديلة؟».
ورغم تضاؤل الخصومات الكبيرة التي كانت متاحة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، لا يزال النفط الروسي جذاباً اقتصادياً، بحسب المحللين. وقد مكن بالفعل الحكومة الهندية من كبح التضخم، وتقليص كلفة الدعم على الوقود، وضمان ربحية المصافي.
علاوة على ذلك، فإن وقف الهند المفاجئ لاستيراد النفط الروسي قد يحدث اضطراباً في الأسواق العالمية.
وقال بريماشيس داس، رئيس تحليل أسواق النفط في آسيا لدى «ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس»: إن التحول المفاجئ للهند نحو موردين آخرين «سيحدث شحاً كبيراً في السوق»، وقد يدفع بأسعار الخام إلى ما فوق 80 دولاراً للبرميل، مقارنة بالمستويات الحالية التي تدور حول 67 دولاراً.
وقال سميت ريتوليا: «إن الانسحاب الكامل بعيداً عن النفط الروسي لا يزال مستبعداً في المدى القريب»، لكنه أشار إلى أن الهند «مستعدة للتنوع التدريجي، وفقاً لتوجيهات السياسات الحكومية، وإشارات السوق، والمخاطر الجيوسياسية المتغيرة».
وتصدر الهند نحو 1.4 مليون برميل يومياً من المنتجات النفطية المكررة، بعضها يحتوي على خام روسي منخفض التكلفة، إلى وجهات تشمل أوروبا.
وعلى الرغم من أن معظم هذه الكميات تنتجها شركات هندية خاصة مثل «ريلاينس»، فإن محللين أشاروا إلى أن نيودلهي يمكنها فرض قيود على استخدام النفط الروسي في الاستهلاك المحلي.
وإجبار هذه الشركات على التحول إلى أنواع خام بديلة، بهدف حماية الأسعار داخلياً وتهدئة مخاوف بعض الحكومات الغربية بشأن شراء منتجات تحتوي على نفط روسي، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة الجزئية سترضي الشركات الخاصة الهندية أو تقنع ترامب بالتراجع عن ضغوطه. وفي واقع الأمر.
فقد بدأت واردات الهند من النفط الروسي بالتراجع بالفعل. وتظهر بيانات «كبلر» أن حجم الشحنات التي استلمتها المصافي الهندية في يوليو انخفض بأكثر من 500 ألف برميل يومياً مقارنة بشهر يونيو، ليسجل أدنى مستوى في 5 أشهر عند 1.58 مليون برميل يومياً.
ويشير المحللون إلى أن شحنات يوليو كانت الهند قد طلبتها قبل تهديدات ترامب، وتتوافق مع تراجع الطلب الموسمي خلال فترة الرياح الموسمية في جنوب آسيا.
وكان التراجع أكثر وضوحاً لدى المصافي الحكومية، فقد بدأت الشركات الخاصة، التي تجلب أكثر من 50% من واردات النفط الروسي، بخفض انكشافها عليه، في إشارة إلى أن بعض التنوع في المصادر بدأ يتحقق بالفعل، وفقاً للمحللين.
كما ارتفعت واردات الهند من النفط الأمريكي لتبلغ 225 ألف برميل يومياً منذ مايو، أي ما يقارب الضعف، مع إمكانية إضافة 100 ألف برميل أخرى يومياً في المستقبل القريب، بحسب «كبلر».
وقال مصدر مطلع على توجه «ريلاينس»، أكبر مصفاة نفط في الهند وأحد أبرز مشتري الخام الروسي منذ 2022: إن المجموعة ستنتظر توجيهات الحكومة الهندية في هذا الملف، باعتباره «قضية جيوسياسية».
وحذر دي. إل. إن. ساستري، مدير التكرير والتسويق في اتحاد صناعة النفط الهندي، من أن «إجبار الهند على وقف استيراد النفط الروسي في غياب حظر دولي رسمي سيزيد المنافسة على الإمدادات في السوق العالمية».
وأضاف: «النفط سيكون متاحاً إذا دفعت السعر مقابله»، وشدد على أن «فرض قيود على واردات الهند سيضر بالربحية».
المصدر:
أندريس شيباني – كريشن كوشيك – أناستازيا ستوني