قانون ترامب «الكبير والجميل».. يصطدم بمخاطر العجز
تريليون دولار فوائد قياسية على الديون في 10 أشهر

كريترنيوز/ متابعات /البيان/القاهرة
في الرابع من يوليو 2025، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانون خفض الضرائب والإنفاق، الذي يعدّ من أبرز التشريعات الاقتصادية في ولايته الثانية، جامعاً بين التخفيضات الضريبية الواسعة وتعديلات شاملة في بنية الإنفاق العام.
يمثل هذا القانون ذروة المساعي الجمهورية لإعادة رسم المشهد المالي في الولايات المتحدة، من خلال توسيع الإعفاءات الضريبية، وتجديد بعض بنود قانون التخفيضات الضريبية للعام 2017، مع حوافز جديدة تستهدف الأسر والعائلات الشابة.
لكن في المقابل، أثار القانون مخاوف عميقة لدى الاقتصاديين ومؤسسات الرقابة المالية، لا سيما فيما يتعلق بتداعياته المحتملة على الدين الفيدرالي الذي يُتوقع أن يرتفع بنحو 3 تريليونات دولار خلال العقد المقبل.
كما شملت الانتقادات تجريد برامج الرعاية الصحية والغذائية من جزء من تمويلها، ما قد يعرض الملايين من الأمريكيين ذوي الدخل المحدود لفقدان تغطيتهم الطبية أو الدعم الغذائي، علاوة على آثاره السلبية على قطاع الطاقة النظيفة.
ووسط هذا التباين، تتبلور صورة قانون طموح يسعى إلى تحقيق انتعاش اقتصادي على المدى القصير عبر سياسات توسعية موجهة للناخبين، لكنه يضع علامات استفهام كبيرة على المدى الطويل بشأن الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية.
وبينما يحتفي مؤيدو القانون (الكبير والجميل كما يصفه ترامب) بأنه يُعيد «أموال الأمريكيين إلى جيوبهم»، يرى معارضوه أنه يضعف قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية، وقد يعمّق الفجوة بين الطبقات، ويستفيد منه الأثرياء بشكل أوسع.
الديون.. والفوائد القياسية
تتصاعد أزمة الديون داخل أمريكا مهددة استقرار أكبر اقتصاد في العالم، واضعة العديد من العقبات أمام طموحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضبط الإنفاق وتقليص عجز الموازنة.
ويطالب الرئيس الأمريكي الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي الأمريكي» بسرعة خفض الفائدة وبمعدلات عالية أملاً في تخفيف فاتورة فوائد الديون الحكومية التي بلغت رقماً قياسياً في أول 10 أشهر من السنة المالية الحالية 2025.
وبلغت مصروفات الفوائد على الديون الأمريكية تريليون دولار في الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية 2025، وهو أعلى مستوى مسجل لهذه الفترة.
وهذا يضع فوائد الديون الأمريكية على مسار تجاوز حاجز الـ1.2 تريليون دولار للعام بأكمله لأول مرة في التاريخ.
وعلى مدار الـ12 شهراً الماضية، بلغ إجمالي مصروفات فوائد الديون الأمريكية رقماً قياسياً قدره 1.2 تريليون دولار.
ونتيجة لذلك، أصبحت هذه الفوائد الآن ثاني أكبر إنفاق حكومي أمريكي، بعد الضمان الاجتماعي الذي تجاوز 1.5 تريليون دولار.
وهذا يعني أن مصروفات الفوائد أصبحت الآن أعلى من الإنفاق على الدفاع والرعاية الصحية، اللذين بلغ كل منهما نحو 900 مليار دولار خلال العام الماضي.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أعلنت في وقت سابق من أغسطس الجاري تجاوز الدين حاجز الـ37 تريليون دولار، ما زاد تعقيدات الأزمة ورفع تكلفة فوائد الديون.
ورفع «مشروع القانون الكبير الجميل» سقف الدين من 36.1 تريليون دولار إلى 41.1 تريليون دولار، وبعد إقرار القانون مباشرة ارتفع سقف الدين الأمريكي بمقدار 410 مليارات دولار في يومين.
الموازنة
سيضيف قانون الضرائب والإنفاق الذي أقره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 3.4 تريليونات دولار إلى عجز الموازنة الأمريكية على مدى عقد، وسيُحرم ملايين الأمريكيين من تغطية الرعاية الصحية، وفقاً لتقدير جديد صادر عن مكتب الميزانية في الكونغرس، وهو مكتب غير حزبي.
يعكس تقييم مكتب الميزانية في الكونغرس لهذا القانون انخفاضاً قدره 4.5 تريليونات دولار في الإيرادات، وانخفاضاً قدره 1.1 تريليون دولار في الإنفاق حتى عام 2034، مقارنة بخط الأساس الحالي للقانون. ولا يتضمن التحليل الجديد ما يسمى بالآثار الديناميكية، مثل التأثير الذي قد تُحدثه إجراءات التشريع على النمو أو أسعار الفائدة بمرور الوقت.
وفقاً لتحليل مكتب الميزانية في الكونغرس، ستؤدي أحكام القانون إلى فقدان 10 ملايين أمريكي للتأمين الصحي بحلول عام 2034.
ويأتي الفقدان المحتمل لتغطية التأمين الصحي في الوقت الذي يهدد فيه ارتفاع الأسعار بسبب الرسوم الجمركية بزيادة الصعوبات الاقتصادية للأسر ذات الدخل المحدود.
بناءً على طلب الجمهوريين في مجلس الشيوخ، تم تقييم مشروع القانون بشكل منفصل مقارنة بخط الأساس الحالي للسياسة. وعلى هذا الأساس، من شأنه أن يخفض العجز بمقدار 366 مليار دولار على مدى عقد، مع انخفاض الإيرادات بمقدار 849 مليار دولار خلال تلك الفترة، أي ما يعادل نحو خُمس الانخفاض المسجل في التقييم التقليدي.
تخفيضات ضريبية
يتيح القانون الضريبي الجديد فرصاً لدفع عجلة الاستثمار والنمو الاقتصادي في أمريكا، خصوصاً من خلال خفض ضريبة الشركات إلى أدنى مستوى منذ عقود، إضافة إلى منح حوافز مغرية للاستثمار في الأصول الرأسمالية، كما يسهم في تشجيع الشركات متعددة الجنسيات على إعادة أرباحها إلى الداخل، ما يعزز السيولة والاستثمار المحلي، بحسب ما يشير إليه رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي.
ويوضح صليبي لدى حديثه مع «البيان» أن القانون سوف يؤثر على نحو متباين في مختلف القطاعات الاقتصادية بالولايات المتحدة الأمريكية. ويعتقد في هذا السياق أن من بين القطاعات الاقتصادية الكبرى المستفيدة من القانون التكنولوجيا والقطاع المالي، علاوة على قطاع الطاقة التقليدية والصناعة.
لكنه في الوقت نفسه وبينما يُبرز المتغيرات الإيجابية التي يتيحها القانون الذي يتضمن تمديد التخفيضات الضريبية للعام 2017، فإنه ينبه إلى التحذيرات المرتبطة بمساهمة القانون في رفع نسبة العجز في الميزانية الأمريكية، على اعتبار أن توسيع التخفيضات الضريبية دون وجود مصادر بديلة لتعزيز الإيرادات من شأنه إضافة تريليونات الدولارات للدين الأمريكي.
وبحسب تقديرات مكتب الميزانية غير الحزبي في الكونغرس، فإن قانون الضرائب والميزانية الذي أقره ترامب من شأنه أن يزيد العجز بنحو 2.8 تريليون دولار خلال العقد المقبل.
وبينما يقر القانون تخفيضات ضريبية واسعة، مع زيادة الإنفاق على الجيش ومكافحة الهجرة، إلا أنه في الوقت نفسه يقلص الإنفاق على برنامج الرعاية الصحية «ميدك إيد»، علاوة على المساعدات الغذائية للأمريكيين من ذوي الدخل المنخفض، كما يلغي كثيراً من الحوافز المقدمة -في عهد بايدن- إلى الطاقة الخضراء والسيارات الكهربائية.
إيجابيات وسلبيات
وينبه استراتيجي الأسواق المالية في شركة First Financial Markets، جاد حريري، لدى حديثه مع «البيان»، إلى إيجابيات وسلبيات القانون بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، والتي تجعله مختلفاً ومتفاوت الأثر بالنسبة للشركات والقطاعات، ما بين شركات وقطاعات مستفيدة (بما في ذلك الشركات الكبرى والمليارديرات) مما يقره القانون من تخفيضات ضريبية واسعة وتسهيلات، وأخرى متضررة.
لكنه يرى أنه في المجمل وعلى المدى الطويل «فإن القانون ذو أثر سلبي على الاقتصاد، ويهدد الثقة باقتصاد الولايات المتحدة بشكل عام». ويبرر ذلك بالإشارة إلى التحذيرات المرتبطة بتسبب القانون في زيادة الدين والعجز المالي، وهي التحذيرات التي أكدها مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي بشكل واضح.
ورغم الحوافز الضريبية التي تضمنها القانون الجديد، أثارت التعديلات الواسعة على برامج الإنفاق الاجتماعي والبيئي مخاوف عدد من المستثمرين الدوليين والمؤسسات المالية الكبرى، خصوصاً في ظل غياب رؤية واضحة لكيفية تمويل هذه التخفيضات دون الإخلال بالتزامات الدولة الأساسية.
وتخشى بعض دوائر المال من أن يؤدي اتساع العجز وتضخم الدين العام إلى تقويض ثقة الأسواق بالاستقرار المالي الأمريكي، ما قد يدفع رؤوس الأموال الأجنبية والمستثمرين المؤسسيين إلى إعادة توجيه استثماراتهم نحو أسواق أقل تقلباً وأكثر التزاماً بضوابط الانضباط المالي، وهو ما يحذر منه حريري.
كما يشير محللون إلى أن انكماش الدعم الحكومي لمشروعات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء قد يعجّل بانسحاب بعض شركات الابتكار والاستدامة نحو بيئات أكثر دعماً وتناغماً مع أجندتها الاستثمارية، وهو ما يضعف موقع الولايات المتحدة التنافسي في قطاعات المستقبل، ويزيد من هشاشة ثقة المستثمرين في استمرارية السياسات الاقتصادية الأمريكية على المدى البعيد.
وتتعمق هذه المخاوف في ضوء التصنيف السلبي الذي أبدته وكالات تصنيف ائتماني تجاه المسار المالي طويل الأمد للولايات المتحدة بعد إقرار القانون، فضلاً عن ارتفاع كلفة الاقتراض الحكومي.
وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قد خفضت في مايو تصنيف الولايات المتحدة درجة واحدة من «Aaa» إلى «Aa1»، مشيرة إلى ارتفاع الدين وتكاليف الفائدة «الأعلى بكثير» من الدول ذات التصنيف المماثل.