الشراكة الأمريكية الهندية على المحك.. في الاقتصاد والأمن أيضاً
رسوم ترامب تضعف "البديل الهندي عن الصين" للموردين الأمريكيين

كريترنيوز /متابعات /حسين جمو
عقد اقتصاديون وسياسيون هنود آمالاً على تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تهديده بفرض تعرفة جمركية بنسبة 50 في المئة على ما السلع القادمة من الهند، مستندين على الشراكة الاقتصادية والعلاقات العسكرية والسياسية المتينة بين البلدين، خاصة مع زيادة الاهتمام الأمريكي بالمحيطين الهندي والهادي ضمن التنافس مع الصين. وكانت الهند على الدوام حجر الزاوية في استراتيجيات واشنطن في آسيا. لكن ترامب خالف تواقعات هؤلاء، ولم يقتنع بمزايا عرضتها الهند لشراء الطاقة الأمريكية وتعديل الميزان التجاري.
من المتوقع أن تلحق هذه النسبة ـ نصفها عقوبة على شراء الهند للنفط الروسي ـ ضرراً بكثير من المصدرين الهنود. وقد تحدث قطيعة في علاقة اقتصادية متنامية بين واشنطن ونيودلهي، حيث لدى ثلثي كبريات الشركات الأميركية عمليات خارجية في الهند. كما تهدد استقرار مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية في سوق الأسهم الهندية، رابع أكبر سوق في العالم.
هذه الرسوم الاستثنائية تضع الهند في موقع صعب ضمن النظام التجاري الجديد الذي أطلقه ترامب حين أعلن في أبريل فرض رسوم على عشرات الدول.
وتهدد التعرفة البالغة 50 في المئة على الهند بتقويض استراتيجية اعتمدها مستوردون أميركيون في السنوات الأخيرة بتحويل الإنتاج إلى الهند لتقليل الاعتماد على المصانع الصينية، وفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
في الأسابيع الأخيرة، كانت الهند واثقة بأن أهميتها للولايات المتحدة، وبأن العلاقة بين رئيس وزرائها ناريندرا مودي وترامب، ستمنحها استثناء. لكنها تجد نفسها الآن وحيدة مع البرازيل ـ التي يقودها رئيس يساري على خلاف مباشر مع ترامب ـ تحت تعرفة تبلغ 50 في المئة، وهي الأعلى مقارنة بأي بلد آخر.
في 30 يوليو، فاجأ ترامب الهند حين أعلن أن وارداتها ستخضع لتعرفة بنسبة 25 في المئة، وهي أعلى بعدة نقاط من منافسيها في آسيا، وأقل بنقطة واحدة فقط من النسبة التي كان قد هدد بها في 2 أبريل.
«ملك التعرفات الجمركية»
ثم في 6 أغسطس، صدم المفاوضين الهنود الذين كانوا يعتقدون أنهم قادرون على إبرام صفقة أفضل في الخريف؛ إذ أعلن ترامب ـ الذي كان يركز آنذاك على السعي إلى وقف حرب روسيا على أوكرانيا ـ أنه سيفرض على الهند رسوماً إضافية بنسبة 25 في المئة بدءاً من 27 أغسطس، عقاباً على شرائها النفط الروسي. ولم يساعد نيودلهي إنكارها زعم ترامب أنه أنهى بمفرده نزاعاً كانت للهند مع باكستان في مايو.
لطالما شكا ترامب من أن الهند «ملك التعرفات الجمركية»، متهماً إياها باستخدام الرسوم والعوائق التجارية الأخرى لمصلحتها على نحو غير عادل. وللهند تاريخ في استخدام الرسوم الجمركية وإجراءات اعتماد جودة معقدة لحماية منتجيها من المنافسة الأجنبية. وقد طالت تلك الإجراءات صادرات أميركية يراقبها ترامب عن كثب، مثل دراجات «هارلي-ديفيدسون» ومعدات الغولف، التي واجهت أحياناً رسوماً بلغت 100 في المئة أو أكثر.
هذا العام، كانت وتيرة التفاوض التجاري بطيئة، وبقيت حماية المزارعين الهنود ـ وهي قضية داخلية شديدة الحساسية ـ نقطة حساسة. وكان المسؤولون الهنود يأملون استرضاء ترامب بزيادة مشتريات الطاقة والمعدات الدفاعية من الولايات المتحدة لمعالجة الخلل في الميزان التجاري. وقال مسؤولون هنود إن واردات الهند من الطاقة الأميركية بلغت 6.6 مليارات دولار في الأشهر الستة الأولى من 2025، بزيادة قدرها 70 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي. لكن ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو.
وباتت الرسوم الأميركية تستخدم الآن سعياً وراء أهداف سياسية أخرى. فقد قال نائب الرئيس جي. دي. فانس، يوم الأحد، إن هذه «تعرفات ثانوية على الهند، لجعل الأمر أصعب على الروس كي يثروا من اقتصادهم النفطي».
وكان ذلك تحولاً سريعاً لدى فانس الذي عبّر عن تفاؤل كبير في زيارته للهند في أبريل. وقال لجمهور في جايبور: «هذا مكان رائع لممارسة الأعمال». وعن علاقة الهند بالولايات المتحدة قال: «إنها شراكة رابحة للطرفين وستبقى كذلك في المستقبل».
بعد أربعة أشهر فقط، أعلنت إدارة ترامب حرباً اقتصادية على شريكها السابق. وبصرف النظر عن الكلفة الإضافية التي ستقع على عاتق المستوردين الأميركيين جراء التعرفة البالغة 50 في المئة، فإنها ستلحق أثراً بالغاً بصناعات النسيج والكيماويات والآلات والأحجار الكريمة والمجوهرات في الهند، فضلاً عن عشرات الصناعات الأصغر.
مودي: الهند ستنتصر
وتضع التعرفة في يد مودي ورقة سياسية صعبة داخلياً. وقد هيأ الهنود للتوترات مع أميركا بكلمات تستحضر ذكريات نضال الهند من أجل الحرية ضد الاستعمار البريطاني قبل مئة عام، وفق نيويورك تايمز. وتجنب ذكر ترامب أو الرسوم مباشرة. وقال يوم الاثنين، أمام جمهور في مراسم وضع حجر الأساس، إن أولويته الأولى «الدفاع عن أصحاب المشاريع الصغيرة وأصحاب المتاجر والمزارعين». وأضاف: «مهما كان الضغط علينا، فإن الهند ستنتصر». وتعهد بأن يكون «الدفاع عن الإنسان البسيط» في وجه سياسات «مدفوعة بالمصلحة الاقتصادية الذاتية» أولويته الأولى. وكان مفهوماً ضمناً أن اعتماد الهند الاقتصادي على الولايات المتحدة ـ التي بلغ معها حجم التجارة في السلع والخدمات أكثر من 200 مليار دولار العام الماضي ـ سيجري تقليصه، ربما لصالح الصين أو اليابان أو أوروبا أو شركاء آخرين.
إبطاء النمو
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تؤدي هذه الرسوم إلى إبطاء النمو، لكن من دون أن توقفه. وقد توقعت بنوك مثل «مورغان ستانلي» و«سيتي غروب» تراجع وتيرة نمو الاقتصاد الهندي بأقل من نقطة مئوية، من مستوى يناهز 6.5 في المئة.
لقد اعتاد اقتصاد الهند ـ وهو من أكبر خمسة اقتصادات في العالم والمتوقع أن ينضم إلى الولايات المتحدة والصين ضمن الثلاثة الكبار خلال السنوات القليلة المقبلة ـ مواجهة أزمات خارجية. فلم تلحق الأزمة المالية العالمية في 2008 ضرراً كبيراً بالهند، التي كان اعتمادها على رأس المال الدولي أقل من معظم الاقتصادات الكبرى، وكانت مسنَدة بسوق استهلاكية ضخمة.
غير أن الهند في 2025 أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي، وقد بدأ الاضطراب الذي أحدثته الرسوم الجديدة يُلمس بالفعل. وقد ظهر الضرر اللاحق بثقة رجال الأعمال بين الهند والولايات المتحدة بعيداً عن الموانئ البحرية. وهذه العلاقة التي سعى دبلوماسيون وصناع قرار من الجانبين إلى بنائها لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، مهددة اليوم بالانهيار، بما يتجاوز مصالح المستوردين والمصدرين. وإذا لم يصل الجانبان إلى حل يجنب الهند دفع الثمن، فإن الشراكة الاستراتيجية الأمريكية الهندية في المحيطين الهندي والهادي، سيتأثر سلباً، وقد يفتح ذلك ثغرة إضافية في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين.