كيف يمكن التغلب على صعوبات تنظيم العملات المشفرة؟

كريترنيوز /فايننشال تايمز/برناباس رينولدز
يضع المنظمون الماليون دائماً نُصب أعينهم تحقيق حزمة من الأهداف، أبرزها السلامة والمتانة، والسلوك السليم، وحماية المستهلك.
لكن عندما يتعلق الأمر بالأصول المشفرة، فالمشكلة أن هذه الأصول لا حدود لها، ولا يمكن لأي جهة إشرافية محلية مراقبة بروتوكول يمكن كتابته في أي مكان واستخدامه في كل مكان.
ولنأخذ «تيثر» كمثال، فمقرها الرئيسي الآن في السلفادور، أي أنها في المكان الأبعد عن نطاق السلطات الإشرافية الرئيسية.
ومع ذلك، فهي تخطط لإطلاق عملة مستقرة بالدولار خاضعة للتنظيم الأمريكي، وتسعى للحصول على الموافقات التي تتلازم مع الإشراف الأمريكي.
ويُجسد هذا التناقض مفارقة كبيرة، فمن المستحيل التحكم بالعملات المشفرة من المركز؛ لذا، فإن المشاركين في السوق أنفسهم بحاجة إلى تنظيم صارم.
ولا تعمل الهياكل الكبيرة للأكواد التشريعية بشكل جيد في هذا السياق. لأنها في الغالب تميل إلى الجمع بين الإفراط في وضع الوصفات وإطلاق الكثير من التعميمات الغامضة.
وكثيراً ما تستهدف تنظيم النشاط خارج الحدود الإقليمية، وهو ما يمكن أن يقود إلى الكثير من البيروقراطية بدلاً من السلامة. ويميل النشاط عادة إلى الانتقال إلى أنظمة أكثر تركيزاً. والنهج الأفضل يرتبط دائماً بانضباط السوق.
لذلك، ينبغي على واضعي القواعد عكس تسلسلهم المعتاد، إذ من الضروري التساؤل عما تفعله الجهات الفاعلة الخاصة ذات المصداقية بالفعل، ثم التساؤل عما يجب على الشركات الخاضعة للتنظيم فعله لإدارة المخاطر المرتبطة بنطاق اختصاصها.
والبدء بالتعامل مع السلوك الشائع على أرض الواقع؛ والتدخل فقط عند وجود مخاطر مؤكدة؛ مع الحرص على استخدام قواعد واضحة ومستقبلية يمكن للناس التخطيط بناءً عليها. يعتمد هذا النهج على خمسة مبادئ عملية:
أولاً، تنظيم بورصات العملات المشفرة والواجهات الأخرى، وليس الأكواد.
ومن المهم أيضاً الإشراف على البوابات ونقاط الاتصال المحلية، بمن في ذلك أمناء الحفظ، وموفرو المحافظ، ومنافذ الدخول والخروج للعملات الورقية، ومصدرو وموزعو العملات المستقرة الذين يعملون بموجب القانون المحلي، بالإضافة إلى المؤسسات المالية الخاضعة للتنظيم التي تتعامل مع العملات المشفرة.
ويجب الحرص على تطبيق هذا النهج بغض النظر عن التكنولوجيا أو المزود، سواء كان مصرفاً أم غير ذلك.
ثانياً، وضع المساءلة في مكانها الصحيح- على مجالس الإدارة. وينبغي على الشركات الخاضعة للتنظيم تحديد وقياس وإدارة حجم التعرض للعملات المشفرة باستخدام تصنيف قابل للتدقيق وقياس المخاطر المالية.
وينبغي على مجالس الإدارة النظر في مدى توافق الضوابط مع تلك المخاطر والتحقق من ذلك من خلال اختبارات الضغط وتحليل السيناريوهات المختلفة. مع ذلك، ينبغي على الجهات التنظيمية الامتناع عن تصميم أنظمة إدارة مخاطر خاصة للشركات.
ثالثاً، الخيار الافتراضي يجب أن يكون «نعم، إذا»، فالسياسة التي تتأرجح بين الضوء الأخضر والحظر التام تكون هشة دائماً.
أما منح الإذن بشروط فهو أقوى. وعندما يضيف التنظيم قيمة واضحة، سيسعى السوق إلى دعمه وتأييده.
وفي أعقاب انهيار بورصة «إف تي إكس» للعملات المشفرة التابعة لسام بانكمان- فريد في عام 2022، بدأت الشركات تبحث عن ولايات قضائية تنظيمية ذات أطر عمل أكثر وضوحاً ومصداقية وضوابط وتوازنات واضحة.
ومن بين هذه الولايات سنغافورة والمنطقة المالية لـ«أبوظبي العالمي». لذلك، يبلغ كلاهما عن نمو قوي في نشاط الأصول الرقمية المُنظّمة.
رابعاً، الحرص على التنسيق الدولي، لكن بواقعية.
فلدى المشرفين تفويضات محلية وأساليب قانونية مختلفة، والبروتوكولات العالمية لا تتوافق بسهولة مع أي دليل قواعد واحد.
بدلاً من ذلك، فإن التعاون لتبادل المخاوف والبيانات، والسعي إلى الاعتراف المُتبادل بمعايير احتياطي العملات المُستقرة وممارسات الحفظ، والتوافق بشأن نتائج مثل الفصل والاسترداد.
خامساً، تجنب المبادئ الفضفاضة، فالواجبات القانونية المفتوحة، مثل «حسن النية» و«المصلحة الفضلى»، دون تعريف واضح، تشجع على التفكير بعد وقوع الفعل، وتعطل النشاط المُفيد وتكافئ فقط الامتثال المفرط للتفسيرات المتحجرة، بينما الواجبات الأساسية تحتاج إلى خطوط واضحة.
وباتخاذها السلفادور مقراً، تؤكد «تيثر» على محدودية نطاق الاختصاص القضائي في عالمٍ من الأكواد ورأس المال المحمول.
عموماً، الرسالة الموجهة إلى صانعي السياسات واضحة.
نظّموا الأمور بقواعد دقيقة وواضحة، أصرّوا على أن تولي الشركات الكثير من الاهتمام بالمخاطر الممكنة، وقياس النتائج، والتعامل بحزم عند عدم الوفاء بالوعود، فالأسواق تكافئ الولايات القضائية التي توازي بين الانضباط والتواضع.
وستتجنب الأسواق، بالقدر نفسه من اليقين، أولئك الذين يحاولون فرض ما لا يمكن تطبيقه.