ملكة المال في فيتنام.. من عرش الثراء إلى حبل المشنقة

كريترنيوز /متابعات /وائل زكير
في عالم المال والأعمال، لا شيء يشدّ الأنظار مثل قصص الصعود السريع نحو القمة، لكن الأكثر إثارة هو السقوط من فوق تلك القمة إلى الهاوية، هكذا تماما كانت قصة المليارديرة الفيتنامية ترونغ مي لان؛ امرأة صعدت من كشك صغير لبيع مستحضرات التجميل إلى إمبراطورية عقارية هائلة، قبل أن تُحاكم وتُدان في واحدة من أكبر قضايا الاحتيال المالي في تاريخ آسيا المعاصر.
حكمت المحكمة عليها بالإعدام، في مشهد زلزل المجتمع الفيتنامي والاقتصاد الإقليمي، وكشف عن شبكة فساد عميقة .
صعود نحو الثراء.. كيف بدأت القصة؟
تنحدر ترونغ مي لان من عائلة فيتنامية تعيش في مدينة هوشي منه (سايغون سابقاً)، المدينة التي لطالما كانت القلب الاقتصادي لفيتنام. بدأت حياتها المهنية ببساطة شديدة، حيث كانت تعمل مع والدتها في بيع مستحضرات التجميل داخل الأسواق الشعبية. لكن مع انطلاق سياسة “دوي موي” للإصلاح الاقتصادي عام 1986، أدركت أن سوق العقارات هو البوابة الذهبية للثراء. شيئا فشيئا، بدأت بشراء الأراضي وبناء الفنادق والمطاعم الفاخرة، حتى تحوّلت إلى واحدة من أبرز سيدات الأعمال في البلاد.
مع مرور الوقت، أصبحت تدير مجموعة عقارية ضخمة تُعرف باسم فان ثينه فات (Vạn Thịnh Phát)، التي ارتبط اسمها بمشاريع سكنية وفندقية فخمة في أكبر مدن فيتنام. كانت تُقدم نفسها كنموذج لامرأة ناجحة، وصاحبة تأثير اقتصادي يحظى بإشادة الإعلام والنخب.
لكن خلف الأبواب المغلقة، كان هناك شيء آخر يتضخم، شبكة مالية غامضة، مليئة بالقروض الصورية والشركات الوهمية والحسابات السرية.
السيطرة على البنك:
المفتاح الحقيقي لقوتها لم يكن العقارات فقط، بل سيطرتها الخفية على البنك التجاري المشترك لسايغون (SCB). القانون الفيتنامي يمنع أي فرد من امتلاك أكثر من 5% من أسهم أي بنك، لكن لان تمكنت من التحكم بأكثر من 90% من البنك عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية والأفراد الذين كانوا مجرد واجهات.
من خلال هذه السيطرة، بدأت سلسلة من القروض الضخمة لا وجود فعلياً لمشاريعها. الأموال انتقلت إلى شركات تديرها هي أو أقاربها أو شركاؤها.
أُدينت ترونغ مي لان بأخذ قروض ضخمة من بنك سايغون التجاري بلغت قيمتها 44 مليار دولار، وهي قروض لم تُستثمر في مشاريع فعلية، بل تم تحويل جزء كبير منها إلى شركات تابعة لها أو لشركائها. ووفق التحقيقات، تُقدّر الأموال التي تم اختلاسها بأكثر من 12.5 مليار دولار، في حين بلغت الخسائر النهائية للبنك نحو 27 مليار دولار، وهو مبلغ هائل هزّ الثقة بالنظام المالي في فيتنام وأثار صدمة واسعة في الأوساط الاقتصادية، وفقا لـ ” BBC”.
حتى أن التحقيقات أثبتت أن سائقها الشخصي سحب ما يزيد على 4 مليارات دولار نقداً من البنك وخزنها في قبو منزلها. كان وزن هذه الأموال وحدها يقارب طنين كاملين من العملات الورقية!
محاكمة القرن.. 86 متهماً و6 أطنان من الأدلة:
بدأت المحاكمة في أبريل 2024، وضمت 86 متهماً إلى جانب لان، من بينهم مدراء بنوك ومحاسبون ومسؤولون في فيتنام، شهدت المحكمة استدعاء 2700 شاهد، وشارك 200 محامٍ، بينما بلغ وزن ملفات القضية ستة أطنان وضعت داخل 104 صناديق.
القضاة وصفوا القضية بأنها “تهديد مباشر لثقة الشعب في مؤسساته”، وأكدوا أن الشبكة كانت تعمل بشكل منهجي لأكثر من 11 عاماً.
وفي خطوة نادرة جداً، حكمت المحكمة على ترونغ مي لان بالإعدام، لتصبح واحدة من قلة من النساء في فيتنام المدانات بجرائم مالية يعاقب عليها بالموت. أما باقي المتهمين فصدرت بحقهم أحكام بالسجن وصلت إلى المؤبد.
هل سيتم إعدام المليارديرة حقاً؟
رغم الحكم بالإعدام، تشير آخر التطورات إلى احتمال تخفيف الحكم. ففي يونيو 2025، عدّل البرلمان قانون العقوبات وألغى الإعدام في جرائم الاختلاس والاحتيال المالي. وهو ما قد يسمح بتحويل عقوبتها إلى السجن المؤبد مقابل التعاون واسترداد الأموال.