حضرموت الغنية المسالمة.. من يقودها ويسيطر على ثرواتها؟
وهل لا تزال مسالمة وفي مأمن من العنف وتصفية الحسابات؟

كريترنيوز/ تقرير
يتسابق أكثر من طرف خارجي عبر أدوات داخلية على بسط نفوذه الجيوسياسي عسكري أمني، للسيطرة على قرار ونفط محافظة حضرموت الغنية المسالمة، لتمرير الأجندة الخاصة به الملبية لأطماعه وطموحاته الآنية والمستقبلية، غير مبالين بطموح ورغبات وتوجه أبناء المحافظة، مستغلين هشاشة سلطة الشرعية اليمنية وغياب مؤسسات الدولة. فكل طرف يقدم نفسه على أنه البديل القادر على ملء الفراغ وعلى إدارة المحافظة..
مع تفاقم حدة الصراع الذي برزت ملامحه في استعراض العضلات، توشك المحافظة المسالمة أن تتحول إلى ساحة مفتوحة للعنف وتصفية الحسابات.
غليان يتصاعد على نحو غير مسبوق، يتصدر مشهده الشيخ عمرو بن حبريش، الرئيس السابق لحلف قبائل حضرموت، باستماتته في تسيّد المشهد وتحدّثه باسم الحضارم، وتقديم نفسه على أنه الحامل الوحيد لمطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى الشروع في وضع يده على الثروات الطبيعية والتحكّم فيها، والدعوة إلى حكم ذاتي للاستفراد بالمحافظة، وإنشاء قوة عسكرية موازية تحت مسمّى قوات حماية حضرموت، وهو ما رفضته جهات أخرى في مقدمها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرى في حضرموت جزءًا لا يتجزّأ من دولة الجنوب المستقلة التي يتبنّى مشروع تأسيسها، ما يشير إلى أن الوضع قابل في أي لحظة للانزلاق إلى العنف، في ظل دعم المنطقة العسكرية الأولى العلني لـ”بن حبريش”.
عودة التنظيمات الإرهابية عبر نافذة سياسية:
وازداد المشهد تعقيداً في المحافظة بالإعلان مؤخراً عن تأسيس تنظيم جديد، يقوده القيادي السابق في تنظيم القاعدة المنشق عنه في العام 2018م أبو عمر النهدي. تم إشهار التنظيم بمدينة العبر شمال غرب حضرموت أواخر أبريل الماضي 2025م، تحت اسم “تيار التغيير والتحرير”، وورد في بيانه التأسيسي أنّه جاء استجابة لحاجة اليمنيين إلى صوت صادق ورؤية قابلة للتنفيذ.
وبحسب رؤية التنظيم، يتضح أنه متجاوز للإطار الجغرافي لحضرموت، حيث تعهّد مؤسسوه بالعمل على “إعادة بناء مؤسسات الدولة اليمنية على أسس العدالة والكفاءة”. لكن يرى مراقبون أن اختيار حضرموت منطلقاً له يعكس حالة الفوضى وتعدّد السلطات السائدة بالمحافظة.
لافتين إلى أن هشاشة سلطة الشرعية، وغياب النوايا الصادقة لانتشال البلد من أزماته ومن حالة الانفلات، أدى إلى بروز قوى مشبوهة ترتبط بجماعات الإرهاب، وأنه آن الأوان للتحالف العربي لاتخاذ قرارات جادة تعيد الأمور إلى نصابها، في ظل المخاوف من عودة القوى المتشدّدة إلى حضرموت عبر نافذة العمل السياسي.
البحسني يحذر ويطالب بتدارك الوضع قبل انزلاقه:
من جهته، وعبر تغريدة له على منصة “إكس”، حذر اللواء فرج سالمين البحسني، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، من خطورة الأوضاع التي تمر بها محافظة حضرموت، مؤكدًا أنها تعيش حالة “شلل شبه كامل” تستوجب قرارات جذرية وعاجلة لإنصافها أمنيًا وتنمويًا، ومنع استغلال هذا الفراغ من قبل قوى مشبوهة.
وأشار البحسني إلى أن حضرموت تمر بأزمة خانقة تتطلب تدخلًا سريعًا من الدولة والتحالف، داعيًا إلى ضرورة تحمل المسؤولية وترجمة مطالب أبناء حضرموت إلى واقع ملموس.. محذرًا في الوقت ذاته من تداعيات استمرار الإهمال والتأخير في المعالجات.
وأضاف: “الوضع الراهن في حضرموت يتطلب تدخلاً عاجلاً لمنع استغلاله من قِبل قوى مرتبطة بجماعات إرهابية”، منوهًا بأن الاستقرار في المحافظة لن يتحقق دون قرارات حاسمة وشجاعة، تضع حدًا لحالة الغياب التي تعيشها مؤسسات الدولة في مناطق واسعة من حضرموت.
“العسكرية الأولى”.. مسمار يمني في خاصرة حضرموت:
يرى ناشطون حضارم أن المحافظة لن تهدأ، ولن يستقر وضعها السياسي والأمني والعسكري إلا برحيل المنطقة العسكرية الأولى اليمنية، مؤكدين أنها مسمار يمني في خاصرة حضرموت، تقف خلفه أطماع جيوسياسية “نفطية”، وأهداف أخرى عسكرية، إضافة إلى دعمها التوجهات السياسية الجهوية التي يتبناها بعض أبناء المحافظة، الرامية إلى شق الصف الحضرمي واحتضان وتغذية التنظيمات الإرهابية، وما تمثله العسكرية الأولى من خطر مكتمل الأركان يهدد حاضر ومستقبل المحافظة.
حضرموت وبقية المحافظات المحررة تحت قيادة مركزية واحدة:
المحلل السياسي والكاتب الصحفى الأستاذ صالح علي الدويل باراس، أشار خلال حديثه لـ”سمانيوز” إلى أن محافظة حضرموت شأنها شأن بقية المحافظات المحررة، الخاضعة جميعها لقيادة مركزية واحدة، وبأنها ليست بمعزل عن معاناة تلك المحافظات، ويعيش أبناؤها نفس الهم الجنوبي والهدف الجنوبي ذاته كسائر محافظات الجنوب، ويعانون من الحرب ذاتها بالخدمات والمرتبات وانهيار العملة، وفيها أصوات من أحزاب اليمننة كسائر المحافظات، تستغل معاناتها لأجنداتها، وفيها نخب تسعى لمصالح حضرموت بمعزل عن تلك الأحزاب.
واستطرد الدويل قائلاً: للحرب ثقافتها، وقد لا تظل تلك المحافظة بمعزل عن الحروب إلا إذا حال عقلاؤها ونخبها دون ذلك، فالحرب إحدى وسائل تحقيق الأهداف باليمننة، ستحاول إشعال حرب في كل الجنوب.
وختم الدويل قائلاً : هم من يسيطر على ثروات الجنوب، منها ثروات حضرموت، ويهمهم بل يسعون إلى أن تشتعل الحرب، لتقديم أنفسهم على أنهم هم الأقدر لإدارة محافظات الجنوب ومنها حضرموت.
معترك سياسي لجر حضرموت إلى مستنقع الفوضى:
من جهته، أكد الأستاذ حسن أحمد بلحول، عضو مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي – محافظة حضرموت، خلال حديثه لـ”سمانيوز”، أن حضرموت جنوبية الهوى والهوية، وبأنها في خضم معترك سياسي يستهدف جرها للفوضى العبثية، لتمرير مشروع خبيث لسلخها عن الجسد الجنوبي، وتقزيمها من قبل عصابات النهب والفيد عصابات صنعاء، وعبر أدوات مأجورة من بني جلدتنا.
مشاريع يراها الأستاذ بلحول سخيفة لا تخدم حضرموت وأهلها، بل تبقيها مسلوبة الإرادة لتصبح لقمة صائغة للاحتلال اليمني الناهب لثروات حضرموت والجنوب عامة.
وأشار الأستاذ بلحول إلى أن الشارع الحضرمي خرج في عدة مليونيات حاشدة، ساحل ووادي، وعبّر عن رفضه لتلك السياسات وعن رفع الظلم عن كاهله، وإيقاف نهب ثروات حضرموت وإخراج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وإحلال قوات النخبة الحضرمية بدلاً عنها، ومحاربة الارهاب بكل أشكاله، ووقف قتل النفس البريئة، وكل الجرائم والدسائس التي تحيكها العسكرية الأولى ضد أبناء وادي حضرموت.
وختم الأستاذ بلحول قائلاً: أبناء حضرموت صامدون صمود الجبال الرواسي، ولن يسمحوا لكائن من يكون القفز على الإرادة الحضرمية الجنوبية، وستظل حضرموت عمود المشروع الوطني الجنوبي، وأيقونة نضاله وبوابة انتصاره.
قوى نافذة من خارج المحافظة تنعم بخيراتها:
من جهته، الأستاذ سالم أحمد المرشدي، عضو مجلس المستشارين الجنوبيين – محافظة حضرموت، وبه نختم تقريرنا، يرى أن قوى نافذة من خارج المحافظة تنعم بخيراتها.
وأضاف: حضرموت، هذه الأرض الزاخرة بالنفط والثروات البحرية والموقع الجغرافي الاستراتيجي، لطالما عُرفت بأنها المحافظة الهادئة والمسالمة، البعيدة عن صراعات السلاح والنفوذ التي اجتاحت معظم مناطق اليمن. لكنها اليوم تقف أمام سؤال وجودي ومصيري: من يقودها؟ ومن يتحكم بقرارها وثرواتها؟
وأردف المرشدي قائلاً: رغم ما تمتلكه حضرموت من موارد هائلة، إلا أنها لا تزال تعيش تحت وطأة التهميش والاستنزاف. ثرواتها تُنهب، وموانئها تُدار بقرارات مركزية فوقية، دون أي عدالة في التوزيع أو تنمية حقيقية تنعكس إيجاباً على حياة المواطن الحضرمي، الذي لم يجْنِ من ثروات أرضه سوى الفقر والتجاهل، بينما تنعم بها قوى نافذة خارج المحافظة.
وتابع المرشدي قائلاً: أما على الصعيد الأمني، فلم تعد حضرموت كما كانت تُعرف بـ”الهادئة والمسالمة”. فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة مؤشرات التوتر، وبرزت كيانات ومكونات نصّبت نفسها وصية على أبناء المحافظة، بمحاولة فرض مشاريع مشبوهة كالحكم الذاتي بمعزل عن الإرادة الجمعية لأبناء حضرموت. بل وصل الأمر إلى محاولة تكميم الأفواه وتصفية الأصوات الحرة، في مشهد معقّد تتداخل فيه مصالح قوى قبلية وأجندات خارجية، تسعى للهيمنة على القرار الحضرمي والتشويش على المشروع الجنوبي الجامع، الذي يمثله السواد الأعظم من أبناء حضرموت.
فهل ما زالت حضرموت في مأمن؟ بحسب سؤال الصحيفة، مجيبًا: السؤال بات ملحًا، والإجابة تتطلب وقفة وطنية جادة وصادقة من كل القوى الجنوبية الحريصة على حاضر الجنوب ومستقبله. فحضرموت ليست مجرد محافظة، بل عمقاً استراتيجياً واقتصادياً وثقافياً للجنوب بأكمله، ولا يمكن القبول بتحويلها إلى ساحة صراع بالوكالة أو غنيمة للنافذين ومراهقي السياسة، الذين ظهروا فجأة من خارج التاريخ والوجدان الحضرمي.
وختم المرشدي قائلاً: المطلوب اليوم صوت حضرمي موحد، يعبّر عن إرادة الشعب، ويدافع عن أمن حضرموت وثرواتها واستقرارها، ويقف في وجه كل محاولات التزييف والهيمنة والارتزاق.