تحقيق

قراءة في مسار العلاقة بين تركيا وسوريا

تقرير / محمد مرشد عقابي:

عقب تذكير الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، قبل يومَين، بضرورة تطبيق اتفاق سوتشي 2019، وانسحاب المقاتلين الأكراد إلى عمق 30 كيلومتراً عن الحدود التركية، كشف وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن اللقاءات مع سوريا مستمرّة على مستوى الاستخبارات، ولكنه قال إنه “إذا سلك النظام (السوري) بواقعية، فنحن مستعدون للعمل سوياً في مكافحة الإرهاب، ومواصلة العملية السياسية، وإعادة اللاجئين”، وأضاف أوغلو، في مطالعة أمام البرلمان، أنه “إذا كانت الظروف مناسبة للمفاوضات نتفاوض، وإذا كانت الظروف مسدودة فالكلمة للميدان”.

وتأتي هذه المواقف في غمرة استمرار المناوشات السياسية بين أطراف الأزمة، ولا سيما بين أنقرة من جهة وكل من واشنطن وموسكو من جهة أخرى، حيث لا تزال الأولى تضغط لنيل “موافقة ضمنية” من روسيا للقيام بعملية عسكرية برية تستهدف “تنظيف” مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني) إلا أنه من غير الواضح إلى الآن ما إن كانت موسكو سوف تتوصل إلى مخرج يتيح لتركيا القيام بعملية برية محدودة، تكون بديلاً من العملية الواسعة التي يعارضها الروس والإيرانيون، في حين يبدو موقف واشنطن من أي عملية من هذا النوع في مناطق التواجد العسكري الأميركي في شرق الفرات حاسماً في الرفض.

ويرى محللون أن السلام يجب أن يكون أولوية مطلقة لأنقرة بعيداً عن استغلاله في السياسة الداخلية، فيما يسود الأوساط السياسية والإعلامية التركية تشاؤم في شأن إمكانية تحقيق تقدم في مسار المصالحة مع سوريا، وهو ما عبر عنه دبلوماسيون سابقون وكتاب وصحافيون، وفي السياق، يقول آخر سفير تركي في سوريا “عمر أونهون”، في حوار صحافي، إن “تركيا تريد من العملية العسكرية البرية، أولاً: منع التنظيمات الإرهابية من تشكيل بنية تكون جارة لها، وثانياً: إنشاء منطقة آمنة هناك لوقف القصف على الداخل التركي، وثالثاً: إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين”.

وينتقد “أونهون” ازدواجية الولايات المتحدة وروسيا، فالأولى تقول إنها مع حق تركيا في الدفاع عن نفسها، ولكنها تعارض عملية تركية برية بحجة محاربة داعش، أما الثانية فتروج لتقارب بين إردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، فيما هي تعمل على التقريب بين الأسد والوحدات الكردية، ويستبعد انتقال المفاوضات بين تركيا وسوريا إلى المستوى السياسي في وقت قريب، قائلاً: إن الأسد متريث وتركيا أكثر استعداداً، يقال إن الأسد لا يريد أن يساعد الحكومة التركية في مجال الأمن واللاجئين قبل الانتخابات الرئاسية، وبالإجمال لا يوجد تقدم، وإذا لم تكن المعارضة السورية جزءاً من الحل السياسي فلا يمكن إيجاد حل.

ويرى أنه لا يمكن القول إنه تم التخلي عن العملية التركية، ولا إنها ستحدث مئة في المئة، مشيراً إلى أن العمليات السابقة حققت معظم أهدافها، لكن لا تزال هناك فجوات، وروسيا لم تطبق اتفاق سوتشي عام 2019 ولم تنسحب وحدات الحماية الكردية من مناطق تل رفعت ومنبج، فين حين استبعد مراقبون أتراك انتقال المفاوضات بين تركيا وسوريا إلى المستوى السياسي في وقت قريب، على اعتبار أن النظام السوري حاول قمع المعارضة بشدة، ولم يغير نهجه حتى الآن، وفي ظل هذا المناخ لن يتغير شيء كثير، متابعاً أن الأسد ينطلق من قاعدة: “نحن المنتصرون ونحن الذين نحدد معايير الحل السياسي”، لكن هذا مضلل، لأن هناك مناطق كثيرة خارج سيطرة الدولة مثل شرق الفرات وغربها، وهناك أحداث في درعا والسويداء، والوضع الاقتصادي سيئ للغاية.

ويلفت إلى أن «هدف الولايات المتحدة هو عدم إحياء داعش ومواجهة إيران أما روسيا، فكان يجب أن تخرج نهائياً من الشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن الربيع العربي منحها الفرصة للعودة والقول إن لها كلمة في شؤون المنطقة، خالصاً إلى أن روسيا انشغلت في أوكرانيا وتضررت هيبتها، لكن لا أعتقد أن الوجود الروسي في سوريا سينخفض.

من جهته كتب “تشيتينير تشيتين” في صحيفة (خبر تورك)، عن أزمة الثقة التي لا يمكن تجاوزها مع سوريا، معتبراً أن عملية التطبيع ستكون صعبة للغاية، قائلاً: إن موقع تركيا الجغرافي مهم جداً، وعدم إدراك هذه الأهمية جعل الدولة العثمانية تخسر مناطقها في وقت مبكر.

ومع أن تركيا تتمتع بعلاقات متعددة الأبعاد مع الدول المحيطة بها، لكن سوريا هي المثال الأوضح والأكثر فاعلية للعلاقة بين الجغرافيا والسياسة، ويشير الكاتب إلى أن إردوغان أعرب مراراً عن رغبته في لقاء الأسد، لكن دمشق تفضل الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، معتبراً أن روسيا تريد تأمين الحدود الأكثر أهمية لسوريا، وهي الحدود مع تركيا، وهي قادرة على التنسيق مع الأردن ولبنان والعراق وإسرائيل، مضيفاً أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يريد جمع إردوغان والأسد في كانون الثاني أو شباط المقبلين، لكن الزعيمين يريدان لعِب أوراقهما حتى اللحظات الأخيرة.

ويرى “تشيتين” أن دمشق تتباطئ ولكن يجب ألا يطول الانتظار كثيراً، لأن التوازنات في المنطقة يمكن أن تتغير، لافتاً إلى أن الموضوعات التي تتعلق بالأمن القومي التركي، وهي حزب العمال الكردستاني وداعش وأنشطة إيران في سوريا واللاجئون وإدلب، يتم تجاهلها من جانب دمشق، وهي موضوعات لا يمكن تركها لمصيرها، ويعرب عن اعتقاده بأن لدى دمشق قناعة بأنه يتعين الانتظار لمعرفة من سيحكم تركيا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن هذه موضوعات لن تتغير بتغير الحاكم في أنقرة ما دام ثمة خطر على الأمن القومي التركي، ويتابع أن المسألة لم تعد من يحكم تركيا، بل هي مسألة دولة، مشيراً إلى أن روسيا هذه المرة منشغلة بحربها في أوكرانيا أكثر من إنشغالها بالأمور الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى