استطلاعات

الثأرات القبلية خطر يهدّد مستقبل شباب المحفد .. فهل من صحوة ؟

كريترنيوز / بحث استقصائي/ ياسر السعيدي

بحث استقصائي يرصد تداعيات استفحال مشكلة الثأر في مديرية المحفد وآثارها على المجتمع .

المقدمة :

أقيمت دولة الجنوب في سالف عهدها على نظام وقانون لايستثني أحدا ، فكل أفراد من أعلى مسؤول في الدولة إلى أبسط مواطن سواسية في ظله ، وكان الأمن والاستقرار يعمّها من المهرة شرقا إلى باب المندب غرباً، وكانت هيبة الدولة حاضرة على كل شبر من أرض الجنوب ،

ولم يتجرأ أحد على خرق النظام والقانون، بل سادت المحبة والمساواة بين الناس وعم الجميع الأمن والأمان والسلام الاجتماعي ، واختفت ظاهرة الثأر وحمل السلاح ولم يعد لها وجود في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بل أصبح المواطن ينعم بالسكينة والأمان على حياته وممتلكاته ولم يتأتى ذلك الإنجاز العظيم إلا بعدة عوامل :

أولاً_ قامت الدولة بفرض هيبتها على عموم محافظات الجنوب دون استثناء وجعلت من هيئاتها الرقابية والأمنية والقضائية مرجعية لحل كثير من المشاكل والمنازعات بين المواطنين والفصل فيها وحلها نهائيا بالعدل.

ثانياً_ منعت حمل السلاح أو الاتجار به أو تداوله في عموم محافظات الجنوب حتى السلاح الأبيض كالسكاكين والخناجر جعلت لحملها ضوابط ، وأصبح لدى المواطن إدراك ومعرفة بالقوانين المنظمة لهذا الجانب ، فلم تكن هناك حاجه لحمل السلاح بكافة أشكاله لكونه يعلم أنه يعيش في ظل دولة قوية تحمية وتوفر له ولأسرته وممتلكاته الأمان المطلوب.

ثالثاً_ الاستجابة السريعة وسرعة القبض على الجناة في حال حدوث أي خرق أمني هنا أو هناك وتقديمهم للمحاكمة العلنية ليأخذ القانون مجراه على الجميع دون استثناء .

رابعاً_ عقب تثبيت الأمن اتجهت الدولة الجنوبية صوب البناء والتنمية ووفرت الخدمات المجانية في قطاعات الصحة والتربية والتعليم ، وكذا خدمات الكهرباء والمياه وغيرها بأسعار رمزية ومنع أي اختناقات أو أزمات ومنعت كل مامن شأنه تعكير صفو الحياة العامة.

هذه مقتطفات بسيطة عن واقع الحياة إبان حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

ومديرية المحفد لم تكن بمنأى عن مناطق الجنوب الأخرى فقد طبق عليها ماطبق على بقية المناطق الأخرى رغم اختلاف حالتها الجغرافية والقبلية السائدة في المديرية ، وعاشت القبائل جنباً إلى جنب في تعايش ومحبة وسلام.

حالة المناطق القبلية مابعد العام 1990م وتوقيع دخول الجنوب في الوحدة المشؤومة التي قامت على أنقاض دولة الجنوب ذات النظام والقانون ، وماحصل خصوصاً بعد حرب صيف 1994م التي شنها نظام صنعاء على الجنوب أرضاً وإنسانا ومالحق بها من تدمير ونهب لكل مقدرات وثروات الشعب الجنوبي وتدمير الأخلاق ، وانتشار الأسلحة بكل أنواعها وبدأت ظاهرة الثأر بالظهور مجدداً في كثير من محافظات الجنوب ، وقد أخذت محافظة أبين النصيب الأوفر من هذه الصراعات وانتشار الثأرات وانتشار الأسلحة ، وخصوصاً في المناطق القبلية منها مديرية المحفد التي اكتوت بنيران هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعها القبلي ، واصبحت هاجسا يشغل معظم الأهالي الذين لهم ثأرات قبلية قديمة جدا لأخذها من أصحابها بعد نسيانها ومرور عشرات السنين على وقوعها ، بل أن بعض القضايا قد تم الفصل فيها بالسجن لمرتكبيها أيام دولة الجنوب ، وأخذ الجاني جزاءه ولكن لم يشفع لهم ذلك العقاب.

وعلى مدى 33 عاما أصبحت الثأرات القبلية أمرا واقعا بعيداً عن النظام والقانون والمحاكم التي ليس لها وجود في الجنوب ولاتفصل في أي من القضايا ، بل لم تقم جهات الضبط بعملها في ملاحقة الجناة والقتلة والمجرمين وإيداعهم السجون إلا في حالات نادرة جداً وغالباً ماتكون في حالة المتفرج والناس تتقاتل وتصفي حساباتها القديمة الجديدة ،

بل أن السلطات المركزية في صنعاء ليست بريئة من تغذية الثأرات القبلية في بعض الأحيان بدعم طرف ضد الآخر لاستمرارية حالة الفوضى الخلاقة في المناطق الريفية النائية ووضعت حبلها على غاربها ، واستفحلت هذه الظاهرة المقيتة التي أفنت شبابنا وكبار السن ولم يعد أحد بمنأى عنها بل اكتوى الكثير بنيرانها المستعرة.

ومع مرور الزمن فقدت مديرية المحفد مئات الشباب وكثير منهم أبرياء ، وتيتم كثير من الأطفال صغارا وظهروا إلى الدنيا دون أن يروا آباءهم فاقدين حنان الأبوة، وكم ترملت نساء في عز شبابهن وكم ثكلت أمهات لفقد أبنائهن والسبب هو الثأرات القبلية التي كلما انتهت في منطقة إلا وأطلت برأسها في منطقة أخرى دون أن نسمع استنكار من علماء المسلمين في المديرية أو من خطباء المساجد الذين للأسف هذه من صميم دعوتهم في خطب صلاة الجمعة والجماعات ، ولكن لا أحد يتكلم وكذلك لم يقم الرجال المصلحين بالإصلاح بين الناس لدرئ الفتن التي أطلت بقرونها في مديريتنا إلا فيما ندر.

ومن أسباب انتشار لعنة الثأر في مديرية المحفد ..

1ــ الانفلات الأمني وعدم قدرة إدارة الأمن بالقيام بواجبها في القبض على القتلة ، وإيداعهم السجون لكون إدارة الأمن تفتقر إلى كثير من مقومات عملها كالنقص البشري من الجنود والضباط ولاتوجد لديها ميزانية تشغيلية إلا الكفاف، كما تعاني من نقص شديد في المعدات الأمنية كالأطقم والسلاح الخفيف والمتوسط وبعض المعدات والعتاد العسكري ، ويوجد هناك

نقص في التدريب والتأهيل للجنود الأمنيين ليكونوا على أهبة الاستعداد لأي طارئ.

2ــ انتشار السلاح الناري بكل أنواعه والذخائر بكل أنواعها في المديرية بشكل مخيف ، ويتم بيعه وشراؤه داخل سوق المديرية ،

فكان سببا مباشرا لانتشار مشكلة الثأر داخل المديرية.

3ــ غياب دور العلماء والدعاة وخطباء المساجد من القيام بدورهم التوعوي داخل المسجد وخارجها ليعرف الناس بحرمة قتل النفس المسلمة دون حق وماهو العقاب الإلهي لمرتكبي جرائم القتل العمد.

4ــ الجهل أحد الأسباب المباشرة أو غير المباشرة في استفحال ظاهرة الثأر في مجتمعنا الكازمي لأن التربية تأتي قبل التعليم وهنا يكون دور الأسرة في تعليم الطفل منذ نعومة أظافره على الأخلاق الحميدة وحب الخير والخيرين وكره الشر والأشرار ، ولكن هذا نادر الحدوث لأن الأسرة تنظر إلى الجوانب المادية وكيفية تدبير مأكلها ومشربها مع ماتمر به البلاد من أزمة اقتصادية خانقة ، ولم تهتم بالجانب النفسي للطفل والتنشئة الصحيحة، أما التعليم فحدّث ولاحرج فقد كان التجهيل سمة التعليم في الجنوب عامة ، وهذا مخطط له من قبل عصابات صنعاء حتى تطلع للوجود أجيال جاهلة لاتستطيع التمييز بين الحق والباطل وبين الخير والشر ، فدخول الطفل الابتدائية وهو جاهل وخرج من الثانوية وهو جاهل ، أما الجامعة فقليل من يرتادونها ولأسباب يطول شرحها وهذا أحد أسباب انتشار الثأرات داخل المديرية .

5ــ غياب دور السلطة القضائية من نيابة ومحكمة بل لا وجود لهذا الجهاز القضائي والضبطي المهم في حياة الناس ولاندري عن أسباب غيابه ، حيث أن وجوده قد يساعد في حلحلة بعض القضايا والبت فيها ، فاصبحت مديرية المحفد تحتكم بالعادات والتقاليد والأعراف القبلية التي تجيز أخذ الثأر من قاتله بنفسه لعدم وجود الأجهزة الضبطية والقضائية لتقوم بمهامها التي أنشئت من أجلها .

6ــ غياب الدور الإعلامي التوعوي والثقافة المجتمعية لتوعية المواطنين بترك هذه العادات السيئة والدخيلة على مجتمعنا المحفدي لكون الإعلام والإعلاميين هم لسان المواطن وهم الشعلة المضيئة في ظلام الجهل الحالك السواد ، فعلى الإعلاميين في مديرية المحفد القيام بدورهم في التوعية المجتمعية وتبيان الآثار السلبية في انتشار الثأرات القبلية في أوساط المجتمع المحفدي.

الحلول والمعالجات :

مشكلة انتشار الثأرات القبلية في مديرية المحفد مشكلة مزمنة ، وليس من السهل واليسير التخلص منها لكونها غرست في عقول أبناء القبائل وإذا أردنا فذلك يتطلب عملا شاقا وتظافرا لكافة الجهود ومشاركة جميع الفعاليات المجتمعية والنخب السياسية والثقافية والإعلامية والدينية داخل المديرية ، والعمل بروح الفريق الواحد للحد من انتشار هذه الظاهرة التي أقلقت السكينة العامة وأزهقت الآلاف من الرجال ، ولن يتأتى ذلك إلا بوضع حلول تتناسب مع وضع المنطقة الجغرافي والقبلي وسألخص الحلول كالآتي :

1ــ على السلطة المحلية في مديرية المحفد تفعيل الأجهزة القضائية والأجهزة الضبطية ، وتفعيل عملها داخل المديرية كالنيابة العامة والمحكمة الابتدائية لتقوم بدورها في حل قضايا الناس وفض المنازعات التي قد تؤدي إلى الاقتتال في حالة عدم وجود النيابة والمحكمة ،

كما تقوم السلطة المحلية بمطالبة الداخلية وأمن محافظة أبين بإعادة ترتيب إدارة الأمن بالمديرية ورفدها بالأفراد والأسلحة والأطقم الأمنية ، وكل مايلزمها حتى تقوم بواجبها الأمني المناط بها ومساعدة الأجهزة القضائية في ضبط المجرمين واعتقالهم ، حتى ينالوا جزاءهم الرادع .

2ــ تخصيص الخطب المنبرية في المساجد يوم الجمعه لإلقاء خطب تتمحور عن ظاهرة الثأرات والتوضيح للناس عن خطرها على المجتمع المحفدي وتوضيح حرمة قتل النفس البريئة بغير حق والعذاب الذي ينتظر القاتل يوم القيامة وتكون هذه الخطب موحدة في عموم مساجد المديرية

وأيضا يقوم أئمة المساجد بعقد المحاضرات للتوعية من خطر ظاهرة الثأر على الفرد والمجتمع وتبيين حرمة مرتكب هذه الأعمال المنافية للدين الإسلامي الحنيف .

3ــ الاتفاق مع مدراء مدارس المديرية أن يقوم مدير المدرسة بعقد ندوة لطلاب المدارس الابتدائية والثانوية وهذه الندوة تتمحور حول ظاهرة الثأرات القبلية وكيفية التخلص منها وتوعية وإرشاد التلاميذ على خطر هذه الظاهرة المستفحلة لتكوين انطباع لدى التلاميذ بفظاعة الثأرات التي تحصل بين مواطني مديرية المحفد.

4ــ تقوم السلطة المحلية بمعية المجلس الانتقالي الجنوبي بتشكيل لجنة من كبار مشائخ القبائل ، والتي توجد لديهم روح التصالح والتسامح وتقوم هذه اللجنة بمهمة الإصلاح بين الناس في قضايا القتل وفض المنازعات التي تنشأ بين القبائل ، وتقوم السلطة المحلية بدعم هذه اللجنة دعما ماديا ومعنويا بما تراه مناسبا حتى يستمر عمل اللجنة ، وتقوم بالمهام الموكلة لها .

5ــ تشكيل لجنة إعلامية بين السلطة المحلية والمجلس الانتقالي بالمناصفة وتكون مهمة هذا اللجنة التوعية المجتمعية للناس عن خطر ظاهرة انتشار الثأرات القبلية ، وطبع مجموعة من الملصقات والبروشورات الدعوية التي تحض على التوعية وتبصير المواطنين بترك هذه الظاهرة التي لم يسلم منها أحد ، وتعد من الظواهر السلبية التي استفحلت في الآونة الأخيرة ، والمناداة بالتصالح والتسامح ونبذ كل الظواهر التي تسيئ للمديرية وتعميد الإخاء بين أفراد الشعب في المديرية والإيعاز للإعلاميين بكتابة منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي حول هذه المشكلة وسلبياتها التي مزقت أواصر الإخاء بين المواطنين .

6ــ يقوم مدير عام المديرية ورئيس انتقالي المحفد بالتنسيق مع قائد القوات المتواجدة في المديرية(سهام الشرق) بإصدار قرار بمنع دخول السلاح إلى سوق المديرية منعاً باتاً ووضع نقاط عسكرية على مداخل السوق من الناحية الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية ، لتنفيذ هذه الأوامر لأن أكثر حوادث الثأرات تحصل في سوق المديرية ويذهب الأبرياء في هذه المحرقة ، وتزاد عدد حالات الثأر وبهذا المنع سيأمن مرتادو السوق على أنفسهم وأولادهم وهذا العامل من أهم العوامل لتجنب حدوث مثل هذه الجرائم .

وبهذا اختم بحثي هذا وأوجه دعوتي لأهلي وعزوتي مشائخ وشباب مديرية المحفد أن يحكمون العقل وينبذون ظاهرة الثأرات القبلية التي أفنت شيوخنا وشبابنا وأن يجددوا أواصر الإخاء بينهم ويكونوا متسامحين متصافيين على قول كلمة الحق وينبذون ماهو سيئ وشر وأن تتقربون من الخييرين وتباعدون الأشرار وأن تكونوا أخوة ولابأس أن نتنازل لبعضنا البعض ونقول للمصيب أصبت وللمخطئ أخطأت حتى ننعم بالأمن والسكينة العامة التي افتقدناها منذ زمن بعيد وأقول للخيرين قوموا الى الخير والإصلاح بين الناس ، وفض التنازع وإطفاء الفتنة قبل وقوعها واستفحالها واعلموا آبائي واخواني الخيرين أن كل مايحصل في أرض باكازم ، وخصوصا مديرية المحفد من قتل وانتقام بسبب ثأرات قبلية البعض منها قد مرت عليها عشرات السنين ، فهو ليس وليد اللحظة ولكن هناك مخطط لإثارة الفوضى وتأجيج الصراعات بين الحين والآخر ، لهدم البيوت العامرة وتشتيت الأسر ، وبث الضغينة والكره والحقد بين أفراد القبائل لتفتيت أواصر المخوة والمحبة بين قبائل باكازم في المحفد ، فكونوا على قدر المسؤولية والمهمة الصعبة التي ستحملونها على أكتافكم حفاظا على روابط الدم وأواصر الإخاء التي تجمعنا وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من قام في قضاء حاجة لأخيه المسلم قضيت أو لم تُقض خير له من الاعتكاف في مسجدي هذا شهرا.

زر الذهاب إلى الأعلى