تقارير وحوارات

مصفاة عدن وحاجة الجنوب إليها.. من المستفيد من استمرار تعطيل عملها..؟

كريترنيوز /تقرير

الحاصل اليوم في الجنوب هو استمرار تغييب الدولة وتعطيل مؤسساتها المختلفة واستبدالها بشركات خاصة ، ونخص بالذكر في تقريرنا هذا المعد حصرياً لصحيفة «سمانيوز» مصفاة عدن المتوقفة عن العمل منذ عدة سنوات. رغم أنها كانت أهم مصدر ورافد هام للاقتصاد الوطني وأكبر مزود للسوق المحلية ولكهرباء العاصمة عدن بالوقود والمازوت وبأسعار مقبولة.

 

 

 

ويرى مختصون أن تعطيلها وإيقاف عملها يصب في صالح تشغيل الشركات الخاصة التابعة لبعض المسؤولين والتجار ممن يستحوذون على المزادات المختلفة وأصبح التاجر المورد هو من يحدد سعر المشتقات النفطية. بينما تشغيل المصفاة سيؤدي تلقائياً إلى الاستغناء عن تلك الشركات الخاصة.

 

 

 

الفساد والشخصنة والخصخصة غير المباشرة :

 

 

 

ووفقاً لتقرير أعده موقع الجزيرة نت في وقت سابق، قال : في مدينة عدن، بنيت أول مصفاة نفطية في الجزيرة العربية، أنشئت عام 1952

 

وبعد 72 عاما من بنائها، وبعد سنوات من دخول قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى المدينة، تُركت هذه المصافي عرضة للتخريب والتعطيل، ليس لشيء، وإنما لرغبة مجموعة من الأشخاص الذين امتزجت مصالحهم التجارية بنفوذهم الحكومي، وعلاقتهم المتشعبة مع مسؤولين طامحين للسيطرة على الاقتصاد، في بلد يشهد حربا منذ سنوات ويتسارع فيه انهيار العملة المحلية، وارتفاع التضخم.

 

 

 

وفي هذا التحقيق الذي استمر العمل عليه لأشهر تتبعنا خسائر اليمن الاقتصادية بسبب توقف العمل في مصافي عدن الأكبر في البلاد، ووضعنا اليد على الجهة المستفيدة من ذلك، منذ بدء مسلسل الحرائق التي طالت المصافي تباعا.

 

 

 

وتعرضت مصافي عدن للحرق أكثر من 4 مرات خلال الحرب المستمرة منذ العام 2014، كانت الأولى خلال المعركة التي شهدتها عدن بعد هجوم الحوثيين عليها في يناير/كانون الثاني 2015. وطال الحريق الثاني أحد الأنابيب في يناير/كانون الثاني 2016. ثم تبعه عام 2019 وفي الشهر نفسه حريق ثالث بالمصافي ذاتها. وصباح 13 ديسمبر/كانون الأول 2021 أعلنت مصافي عدن عن حريق جديد طال المبنى الإداري الذي تضم خزائنه عقود الموظفين، وعقود البيع والشراء، في واحدة من أهم المنشآت الاقتصادية.

 

 

 

حرائق لإخفاء فساد ما :

 

 

 

في منشور لها على منصة«ميتا» فيسبوك سابقاً قالت المصافي : إن الحريق الرابع وصل إلى مبنى الحسابات ، وأتى هذا الحريق في وقت كان اليمن يشهد تحركات لمواجهة الانهيار الاقتصادي والذي سبقه تغيير محافظ البنك المركزي، وإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي عن تشكيل لجنة لمراجعة حسابات البنك المركزي خلال الأعوام 2016-2020 بما فيها حسابات استيراد المشتقات النفطية، والتي أصبحت مصافي عدن مسؤولة عنه منذ إصدار قرار تعويم المشتقات النفطية قبل عدة سنوات. وكان ذلك ضمن جملة من القرارات التي اتخذها الرئيس في محاولة لاحتواء غضب الشارع بسبب الانهيار المدوي للعملة المحلية (الريال) أمام العملات الأجنبية.

 

 

 

ومع أن المصافي أكدت وجود نسخة إلكترونية من تلك البيانات فإن توقيت حدوث الحريق أثار مجموعة من التساؤلات أهمها : لماذا الآن؟ ومن المستفيد؟ وللإجابة عن ذلك انطلقنا في التحقيق لنحاول عبر المصادر المفتوحة والوثائق الإجابة عنها.

 

 

 

وفي الوقت الذي بدأنا به البحث عن أسباب توقف المصافي اندلع الحريق الخامس بعد حوالي شهر من توجيهات رئيس الوزراء معين عبد الملك بسرعة تنفيذ الخطة المزمنة المعدة للتشغيل الكامل لمصافي عدن للقيام بدورها الحيوي في تأمين احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية وتوفير احتياجات البلاد من العملة الصعبة.

 

 

 

بتشغيلها ينطفي الفساد :

 

 

 

قبل ذلك كان رئيس مجلس اللجان النقابية لشركة مصافي عدن (غسان جواد) قد صرح على صفحته في فيسبوك قال إنه كلما قامت أعمال تحديث في المصفاة وقبل انتهائها، نشبت حرائق هنا وهناك”. وأضاف أنه “وكأنه بتشغيلها ينطفئ الفساد ويوضع حد للمتاجرة بمعاناة الشعب وإفقاره وتنتهي خزائن اللصوص”.

 

 

 

تم التواصل مع جواد للحصول على تعليق موسع على منشوره، إلا أنه اكتفى بالقول إن “الواقع واضح والأسماء واضحة” ولا تحتاج إلى توضيح من قبله.

 

 

 

الحكومة اليمنية ترمي بقوانينها عرض الحائط :

 

 

 

ولم تتجه الحكومة إلى إصلاح المصافي أو استكمال إصلاحها كحلول مستدامة لحل مشكلة المشتقات النفطية واستنزاف العملة الأجنبية لكنها اتجهت نحو الحلول الأخرى حيث اتخذت في مارس/ آذار 2018، قرارا بتحرير سوق المشتقات النفطية بدلا من العمل على استكمال إصلاحات المصافي وتوفير الكهرباء لها وبدء تكرير النفط. فقامت بفتح استيراد النفط لجميع التجار في مخالفة للقوانين التي تنص على أن المصافي هي الجهة الوحيدة التي تقوم باستيراد النفط وتوزيعه عبر شركة النفط اليمنية.

 

ونص القرار أن تتم عمليات استيراد النفط عبر مناقصات يتم الإعلان عنها ، وحتى عام 2019 كان عمل المصافي فقط يقتصر على طلب كميات من التجار وتخزينها في مخازنها الأكبر في اليمن ، وأعلنت المصافي عن مناقصة لاستيراد المشتقات النفطية عبر صفحتها في فيسبوك بعدها لمرة واحدة. وبحثنا في موقع وكالة الأنباء الرسمية (سبأ) وفي صحيفة “الثورة” الحكومية والتي تعلن فيها المناقصات التي تقوم الدولة بإعلانها وفقا لقانون المناقصات والمزايدات عبر جميع مؤسسات الدولة، وخلال الفترة 2017-2018 لم نجد أي إعلان خاص بشراء مشتقات نفطية وتحديداً البنزين في تلك المنصات.

 

 

 

وبحسب الجزيرة نت: تواصلنا مع وزراتي النفط، ومع إدارة مصافي عدن، لتزويدنا بأي تفاصيل عن أية مناقصات تم شراؤها ، ولكن لم يصلنا منهم رد حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.

 

 

 

الزُبيدي يشدد لإعادة تشغيل مصافي عدن :

 

 

 

شدد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي على أهمية تضافر الجهود لإعادة تشغيل مصافي عدن، كجزء من مصفوفة الحلول الاستراتيجية لتوفير الوقود الخاص بمحطات توليد الكهرباء، وتموين السوق المحلية بالمشتقات النفطية، وذلك لدى لقائه يوم الثلاثاء، المهندس أحمد مسعد المدير التنفيذي للشركة.

 

 

 

واطّلع الرئيس الزبيدي من المهندس مسعد على سير العمل في المصفاة، ومستوى الإنجاز في أعمال إعادة التأهيل، واستكمال صيانة محطة الكهرباء الخاصة بها، وجهود قيادة المصفاة في متابعة مستحقات المصفاة لدى الجهات الحكومية لإعادة تشغيلها كمنطقة حرة.

 

 

 

من جانبه، ثمّن المدير التنفيذي لمصافي عدن الجهود الكبيرة التي يبذلها الرئيس الزُبيدي في سبيل إعادة مصافي عدن إلى سابق عهدها كمنشأة وطنية اقتصادية ريادية، مؤكدا أن قيادة المصفاة ستبذل قصارى جهدها لاستكمال أعمال الصيانة ومتابعة الجهات الحكومية لإعادة المصفاة للخدمة في أقرب وقت ممكن.

 

 

 

إعادة تشغيل مصافي عدن أحد الحلول المنقذة لمشاكل الخدمات و وقود الكهرباء :

 

 

 

في سياق منفصل وخلال تصريح صحفي نعيد نشره لاهميته، أوضح الخبير النفطي والاقتصادي الدكتور علي المسبحي بأن مصفاة عدن تدفع ثمن توقفها كلفة باهظة بلغت حوالي 10 مليار دولار خسرتها المصفاة والخزينة العامة منذ توقف المصافي قبل حوالي ثمانية أعوام وحتى يومنا هذا.

 

وقال المسبحي : لقد مرت فترة ثمان سنوات وماتزال مصافي عدن معطلة وغير قادرة على التشغيل لأسباب غير معروفه وربما غير واقعية ، ولكن يبقى التساؤل القائم. هل يحتاج تشغيل مصفاة عدن إلى قرار سياسي أم أن المشكلة فعلا مالية فقط ؟ وهل الدولة قادرة على تشغيل المصفاة أم أن القرار ليس بيدها أو أن هناك أياد خفية تعبث وتسعى إلى إطالة أمد التعطيل ، وتقف خلف ذلك جهات مستفيدة من قرار تحرير استيراد المشتقات النفطية بالتعاون مع أطراف حكومية مرتزقة هدفها خدمة هوامير ومتنفذي النفط الذين أصبحوا مليارديرات في فترة وجيزة على حساب قوت المواطن وفساد الدولة مما تسبب في استيراد أنواع رديئة من المشتقات النفطية وذات جودة منخفضة وبأسعار باهظة من خزينة الدولة ، ربما تؤدي إلى تعطيل محطات الكهرباء وتلوث الهواء وانهيار أسعار الصرف.

 

وأوضح الدكتور المسبحي أنه على الحكومة الإسراع في تشغيل مصافي عدن وخاصة بعد أن تم فتح ميناء الحديدة حيث انخفضت إيرادات مصافي عدن بشكل كبير بانخفاض عدد السفن النفطية الواصلة إلى ميناء الزيت من 120 سفينة وقود في عام 2021 م إلى حوالي 92 سفينة وقود عام 2022 م إلى حوالي 30 سفينة وقود خلال الخمسة الأشهر الأولى لعام 2023م إذ تعتبر عمولة الخزن إحدى أهم المصادر الرئيسية للإيرادات وانخفاضها قد يتسبب بنقص شديد في السيولة النقدية مما قد يتعثر معها دفع النفقات الثابتة والتشغيلية خلال الفترة القادمة.

 

وأشار الخبير النفطي د. علي المسبحي بأن قيمة صادرات الدولة من النفط الخام لعام 2022م بلغت مليار ونص دولار لكمية نفط خام مصدره بلغت 20 مليون برميل ، بينما بلغت قيمة الواردات من المشتقات النفطية لعام 2022م حوالي 3 مليار دولار وبمعادلة بسيطة تبلغ احتياجات محافظات الجنوب سنوياً من الديزل حوالي مليون طن متري بينما البنزين والمازوت 500 ألف طن متري لكل واحد منهم بينما بقية المشتقات النفطية أقل بكثير وهذه الكميات من المشتقات كفيلة بإنتاجها مصافي عدن بكمية نفط خام تبلغ 20 مليون برميل سعره عالميا مليار ونص دولار بالإضافة إلى 500 مليون دولار نفقات جارية وتشغيلية واستثمارية للمصفاة وضرائب للدولة باجمالي 2 مليار دولار وبمقارنته مع قيمة واردات المشتقات النفطية يعني الفارق مليار دولار سنويا ستوفرها خزينة الدولة بالإضافة إلى تصدير بقية المشتقات النفطية الفائضة عن حاجة السوق المحلي .

 

وطالب الخبير النفطي والاقتصادي الدكتور علي المسبحي من الرئاسة والحكومة تحمل مسؤوليتهم القانونية والإنسانية والأخلاقية من أجل الإسراع في إعادة تشغيل مصافي عدن كونه الحل الوحيد المنقذ لكافة مشاكل الخدمات من وقود الكهرباء وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وصرف مستحقات عمال المصفاة وصيانته وإنهاء الفساد وتوفير العملة الصعبة للبنك المركزي وبالتالي تخفيض أسعار الصرف.

 

 

 

ختامًا ..

 

 

 

كيف أصبحت الشخصنة فوق القانون وأقوى من الدولة؟ والجواب بالتغييب المتعمد للدولة واستبدال مؤسساتها بشركات خاصة وركن قوانينها في زاوية المهملات. كل شيء يصبح حين ذاك مباحا. ولكن بعودة الدولة وعودة مؤسساتها ينكشف الفساد ومن يقف خلفه جليا ويصبح من السهل القضاء عليه وعند ذلك تنتهي الأزمات الاقتصادية والخدمية وينعم المواطن بالعيش الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى