المرأة العدنية والتعليم في عدن قبل الاستقلال الوطني
كريترنيوز /صحيفة شقائق/ تقرير/ أفراح الحميقاني
لقد كان تاريخ تعليم المرأة في عدن مُشرفاً في فترة ما قبل الاستقلال، مليئاً بنضالاتها لتحقيق المساواة الاجتماعية بينها وبين الرجل. وقد صنعت الطريق لحفيداتها في الفترة اللاحقة بعد الاستقلال الوطني عام 1967م، للسير على خطاها والاستمرار في نضالاتها، وعدم السماح بالتفريط في حقوقها التعليمية، وغيرها من الحقوق التي تكفل لها العيش بكرامة واستقلالية مثلها مثل الرجل.
في البداية كان التعليم الحكومي في فترة الإدارة البريطانية لعدن محدوداً جداً، وغير متاح للفتيات إلا في بعض المدارس الأهلية أو مدارس الإرساليات التبشيرية، والتي يدفع فيه الطلاب رسوماً للدراسة فيها، ولم توجد مدارس حكومية متخصصة بالفتيات، وكانت بعض الفتيات تلتحق بمدارس الفتيان لإكمال دراستها الابتدائية والثانوية.
وقد عمدت بريطانيا بعد ذلك على الاهتمام بالتعليم في عدن وخاصة تعليم الفتيات، وذلك بسبب انفصال عدن عن حكومة الهند وتبعيتها مباشرة لبريطانيا في عام 1937م، وكذلك لتزايد الأصوات المطالبة بتعليم الفتيات في عدن، خاصة من الأهالي الذين يرغبون بتعليم بناتهم في المدارس الحكومية، وأيضاً ثورة يوليو في مصر وتأثيراتها في عدن، حيث لم تكن هناك مدارس خاصة بالفتيات في عدن حتى عام 1925م.
لقد كانت أولى الملتحقات بالتعليم الابتدائي الحكومي في عدن هي نور حيدر سعيد، حيث كانت طالبة في مدرسة الشيخ عثمان للبنين الحكومية (تتبع هذه المدرسة اليوم بلدية الشيخ عثمان)، عندما كان والدها مدرساً هناك حتى وصلت للصف الرابع، واستطاعت نور حيدر بعد ذلك بمساعدة والدها الحصول على رخصة لفتح مدرسة خاصة بها من السيد حمود بن حسن، وهو مسؤول التعليم حينئذ، وكانت المدرسة في منزلها، ثم قامت الحكومة باستئجار مقر للتدريس في بيت الحاج “علي دولة”، إلا أن المدرسة اتخذت شكلها المميز كمدرسة للبنات بين عامي 1935- 1936م، حيث أصبح مقرها منزل حمود حيدر، وكان عدد الصفوف فيها أربعة صفوف (من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائي)، وبلغ عدد الطالبات ما بين 8 – 10 طالبات، وتم إدخال المناهج الحكومية للمدرسة كالرياضيات واللغة العربية، وأصبحت مهمة تلك المدرسة تدريب الطالبات ليكنّ معلمات في المستقبل.
وكان طاقم المدرسة يتكون من الأستاذة نور حيدر وشقيقتها “لولا”، ومعلمتين هما: رقية قاسم ونعمة العودي، وقد تدرجت المخصصات المالية من 25 روبية في عام 1925م إلى 95 روبية عام 1934م.
كما أشار التقرير المالي للحكومة البريطانية في عدن ما بين عامي 1934م – 1935م إلى أسماء المعلمات اللاتي يتم تقديم معونات مالية لهن مقابل فتح مدارس أهلية في بيوتهن وتعليم الفتيات وهن: في كريتر نور أحمد عبدالله والشريفة خديجة، وفي الشيخ عثمان زهرة بنت علوان ونور حيدر.
وحول ذلك قال محمد لقمان في مقال له: “إن الإقبال على تعليم البنات في عدن ( قصد كريتر) أقل منه في الشيخ عثمان، وتلك ظاهرة لا نعرف لها سبباً”. وقد يكون سبب ذلك الإقبال في الشيخ عثمان يعود إلى شهرة الأستاذة نور حيدر، مما شجع التاجر الفرنسي الشهير في عدن “انتوني بس” على بناء أول مدرسة حكومية حديثة للفتيات في الشيخ عثمان (مدرسة 7 يوليو حالياً) في عام 1941م، وتعيين الأستاذة نور حيدر مديرة لها.
وفي عام 1943م تم استقدام عدد من المعلمات المصريات للعمل في تلك المدرسة، كما تم افتتاح مدرسة الميدان للبنات (تغير اسم المدرسة بعد الاستقلال الوطني إلى “التلال الموحدة” ثم تغير الاسم بعد عام 1994م إلى مدرسة الغرباني).
وقد ازداد عدد مدارس الفتيات بين الأعوام 1962م-1967م حتى بلغت (8) مدارس حكومية، هي: الميدان والطويلة في كريتر، ومدرسة في المعلا، ومدرستان في التواهي، الشمالية والجنوبية، ومدرستان في الشيخ عثمان، الشمالية والجنوبية، ومدرسة في البريقة، مقارنة مع مدارس الفتيان التي بلغت (13) مدرسة، وبلغ عدد التلميذات (5803)، بينما عدد التلاميذ (7709)، أما التعليم الإعدادي (وكان يطلق عليه المتوسط)، فقد كان عدد مدارس الفتيات الحكومية (3) في كريتر والمعلا والشيخ عثمان، بينما كان عدد مدارس الفتيان (5)، ضمت (2044) تلميذة بينما عدد التلاميذ (3558).
وكان السلم التعليمي في المرحلة الابتدائية يتكون من أربع سنوات للفتيان والفتيات، بينما في المرحلة الإعدادية فكانت ثلاث سنوات للفتيان وأربع سنوات للفتيات. وكان التعليم الحكومي في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة مجانياً، كما تم اعتماد وظائف حكومية للنساء العدنيات العاملات في المهن التعليمية.
أما مرحلة التعليم الثانوي فقد تم تأسيس وافتتاح كلية البنات الحكومية في خور مكسر، بجانب مستشفى الملكة اليزابيت (مستشفى الجمهورية حالياً)، استكمالاً للتعليم المتوسط والثانوي للفتيات، كما ضمت أيضاً داراً للمعلمات وقسماً داخلياً للطالبات يتسع لنحو (30) طالبة من الولايات الجنوبية المحيطة بعدن.
وتم تدشين الدراسة في 6/2/1956م، وبموجب قانون التعليم الصادر في عام 1952م حدد السلم التعليم الثانوي بأربع سنوات، تكتمل بتقدم الطالبات لامتحان شهادة كامبريدج، إلا أنه كانت توجد فجوة بين التعليم المتوسط والثانوي وسبب ذلك هو أن أعلى مستوى كانت تصل إليها البنات في مرحلة التعليم المتوسط هو الصف السابع، لذلك خضعت الطالبات الراغبات في الالتحاق بهذه الكلية لامتحان المنافسة، ومنهن زبيدة ياسين راجمنار. وقد كان نظام الدراسة فيها يشمل قسمين : قسم يؤهل الطالبات للتعليم الثانوي وربما الجامعي، وقسم آخر يكتفي بتدريسهن لمدة عامين ثم الدفع بهن لميدان العمل. كذلك وجدت مدرسة حكومية للبنات للتعليم الثانوي بالطويلة في كريتر، وكان التعليم الثانوي مجاناً للفتيات.
السياسة التعليمية البريطانية في كلية البنات وما ترتب عن ذلك من نتائج:
لقد كانت السياسة التعليمية البريطانية في كلية البنات تسير في اتجاهين، أولهما: تضييق فرص انتقال الطالبات إلى مرحلة التعليم الثانوي، وذلك أدى إلى حرمان الكثير من الطالبات من الالتحاق بالتعليم الثانوي وبالذات من العدنيات، من خلال محدودية القبول لأعداد الطالبات اللاتي يخضعن لامتحان المنافسة.
الاتجاه الثاني: ضبط الارتقاء في السنوات الدراسية في هذه الكلية، بما ينسجم وطبيعة السياسة التعليمية البريطانية في عدن، والتي تُفضل طالبات الجاليات الأجنبية المستوطنة بعدن، وإعطاء أفضل فُرص الدراسة لهن على حساب الطالبات العدنيات. كما أن عميدة الكلية – وكانت بريطانية وتدعى مسز بيتري – قد دخلت في خلاف مع الطاقم التدريسي من المعلمات الأردنيات وانتهى الأمر بترحيلهن، الأمر الذي أثار السخط بين أوساط الطالبات، لذلك تمت الدعوة للإعلان عن إضراب عام داخل الكلية، دعت إليه الطالبات في 2/2/1962م، وكانت أهم أسباب ذلك الإضراب: عدم خلق فرص متعادلة بين الجنسين في التعليم الثانوي، ومحدودية القبول في التعليم الثانوي، ومزاحمة بنات الجاليات الأخرى المستوطنة في عدن للعدنيات.
ودعت الطالبات زملائهن من الذكور للمشاركة في ذلك الإضراب، وقد مثل ذلك الإضراب جزءاً لا يتجزأ من النضال الحقوقي لمطالب المشاركين به، والتي تركزت أهمها في الآتي: فصل عميدة الكلية الراعية للسياسة البريطانية، ورفع مستوى التعليم في الكلية من خلال تحسين المناهج الدراسية، وإلغاء مادة التربية المنزلية واستبدالها بمادة تفيد الطالبات، وإلغاء التمييز بين الشُعب الدراسية الواحدة، بالإضافة إلى تمكين الطالبات جميعاً من التقدم لامتحان كامبريدج، والمساواة التامة بين الطالبة العدنية وزميلتها المستوطنة.
وفي اليوم التالي عمّ الإضراب كافة المدارس الحكومية الخاصة بالفتيان والفتيات في عدن، وقد تطور ذلك الإضراب إلى مواجهات بين الطلاب والقوات البريطانية، ورغم المحاولات المستميتة من قبل الإدارة البريطانية لوقف الإضراب والاحتجاجات الطلابية،زإلا أنها لم تفلح في ذلك.
وقد كان من نتائج استخدام القوة البريطانية لقمع الاحتجاجات الطلابية في 20/2/1962م اعتقال (16) طالباً و(6) طالبات هن: نجاة راجح وعائشة سعيد وهيام معتوق مكاوي ومنيرة محمد منيباري وعادلة أحمد عوض ورجاء سليمان، وتم تعليق فتح كلية البنات، بينما تم استئناف فتح المدارس الثانوية للبنين، وذلك بموجب البيان الصادر من إدارة المعارف في عدن بتاريخ 14/3/1962م.
وفي 16/3/1962م تم أخذ الإجراءات القانونية من قبل الإدارة البريطانية لتقديم الطالبات المذكورات آنفاً للمحاكمة، وقد وقف الشعب العدني برمته للدفاع عن الطالبات، وتبرع المحامون مجاناً للدفاع عنهن، وقد استطعن العودة للدراسة في الكلية مرة أخرى في أكتوبر من العام نفسه بعد أخذ الضمانات اللازمة من أولياء أمورهن بعدم تكرار مثل هكذا تصرفات.
لقد كان من نتائج ذلك الإضراب: بروز نشاط بعض الجمعيات النسائية في العمل النضالي والحقوقي، بل والسياسي في مرحلة لاحقة، وذلك من خلال مساهمة تلك الجمعيات في دعم الاحتجاجات الطلابية مثل ما قامت به جمعية المرأة العدنية التي قامت بتأجير وسائل المواصلات لنقل الطلاب والطالبات لأماكن الاحتجاجات، وإنهاء التعاقد مع عميدة الكلية التي كانت من أسباب الإضراب. كذلك تم افتتاح المدرسة الثانوية الحديثة للبنات في عام 1965م في كريتر، لمواجهة الأعداد المتزايدة للطالبات الملتحقات بالتعليم الثانوي، كذلك تحققت الكثير من مطالب الطالبات، فقد اتسع نطاق المتقدمات لامتحان كامبريدج، ليشمل كل الطالبات المقيدات بالشُعب الأربع، وتوحيد الامتحانات بين الفتيان والفتيات للحصول على شهادة كامبريدج.
لقد أدى الإضراب إلى رفع مستوى الوعي الوطني والحقوقي لدى الطالبات بالعمل في المجال السياسي والاجتماعي فيما بعد، حيث تم استقطاب كثير منهن للعمل في المنظمات والجمعيات والأحزاب الوطنية.
وهكذا كان الإضراب نقطة الانطلاقة للمرأة العدنية كي تتبوأ النضال الوطني والسياسي والاجتماعي والثقافي بجانب أخيها الرجل.