قضية شعب الجنوب .. هل يصلح “الانتقالي” ما أفسده “الاشتراكي” أم يكرر نفس الأخطاء؟
كريترنيوز / تقرير
المجلس الانتقالي الجنوبي والحزب الاشتراكي اليمني هما أقوى الكيانات التي شهدتها ولاتزال تشهدها الساحة الجنوبية.
وفي هذا التقرير المختصر الذي أعدَّته صحيفة « سمانيوز » وكان خلاصة قراءة تحليلية لمختصين ومحللين سياسيين تم خلالها الخوض في بعض من ماضي وحاضر الحراك السياسي الجنوبي الذي قاده الاشتراكي ماقبل الوحدة، ويقوده الانتقالي في الوقت الحالي وعلاقته بالأشقاء اليمنيين، بين السلب والإيجاب وبين الاستفادة من الأخطاء وتفاديها أو تكرارها.
بالعودة قليلا إلى ما قبل العام 1990م كان السائد في الجنوب آنذاك هو أن لا صوت يعلو فوق صوت الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان رهينة عناصر يمنية تتزعمه وتقوده ممن تسللت إلى الجنوب تحت غطاء القومية العربية أبرزهم عبد الفتاح إسماعيل علي.
استورد الرفاق المنهج (الماركسي ـ اللينيني) وحاولوا فرضه على شعب الجنوب، إلا أن الشعب رفض ولم يتقبل تلك الأفكار وظل متمسكاً بدينه الإسلامي.
كان الحزب الاشتراكي اليمني يسير في واد وشعب الجنوب يسير في واد آخر، عصفت بالحزب صراعات بينية أوصلته تدريجيا إلى مرحلة الفشل شبه الكلي وكان ذلك تزامناً مع انهيار المنظومة الاشتراكية العلمية بتفكك الاتحاد السوفيتي أواخر العام 1989م مطلع العام 1990م.
وكان ضعف الأواصر التي تربط الحزب بالشعب سببا في إخفاق الرفاق وعجزهم في إيجاد بدائل أو حلول إسعافية، تنقذ الموقف، لاسيما النظام السياسي آنذاك في الجنوب كان مستنداً بشكل شبه كلي إلى الاتحاد السوفيتي وليس إلى الشعب ولم يتم التفتيش في موارده وإمكانياته المحلية.
لم يجهد الرفاق أنفسهم في البحث عن حلول أو فتح قنوات بديلة واختاروا الطريق المختصر الأسهل وهو الارتماء في أحضان الجمهورية العربية اليمنية دون دراسة مسبقة وتمعن في طبيعة وماهية وشكل النظام القائم هناك غير مدركين العواقب الآنية والمستقبلية.
(توحدت دولة مع لا دولة)
توحدت دولة قائمة على المؤسسات يحكمها النظام والقانون فيها الملكية عامة بيد الدولة، مع دولة قائمة على لا شيء دستورها البقاء للأقوى والأعراف القبلية، فيها الملكية والسلطة للتجار ولرجال القبيلة (طبقات حاكمة) تحتكر السلطة وكل شيء تحت تصرفها.
كان ذلك من أعظم الأخطاء التي ارتكبها الحزب الاشتراكي اليمني ولا يزال شعب الجنوب يدفع الفاتورة من دمه ومن ثروات بلاده حتى اللحظة.
الاشتراكي لم يتعض ولم يستفد من أخطائه ولا يريد التكفير أو الاعتذار لشعب الجنوب :
والمؤسف بحسب مراقبين أن الاشتراكي لم يستفد من دروس وأخطاء الماضي بل استمر في تكرير الأخطاء. دخل في مغامرات في تحالفات جمعته مع أطراف إرهابية إخونجية يمنية في ما يسمى بأحزاب “اللقاء المشترك” ورغم فشل الرهان إلا أنه لم يتعض وفي الوقت الراهن انحشر في رهان وتحالف جديد تحت مسمى “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية” (تكتل بن دغر).
فالاشتراكي لم يستفد من أخطائه ولا يريد التكفير أو الاعتذار لشعب الجنوب على ضياع الدولة الجنوبية عبر الزج بها وبشعب الجنوب في وحدة غير عقلانية غير متكافئة مع الجمهورية العربية اليمنية.
ويرى مراقبون أن للاشتراكي اليمني عينا على صنعاء والأخرى على العاصمة عدن،
لافتين إلى أن أكثر من ثلثي أعضائه ليسوا جنوبيين بل ينتمون إلى محافظات يمنية أبرزها تعز وإب وصنعاء ولهذا السبب لايزال يسبح في بحر اليمننة ويستدرج شعب الجنوب إليها.
العاطفة والعفوية والاندفاعة غير محسوبة العواقب أسقطت الجنوب في فخ الخبث اليمني طويل الأمد :
يرى محللون سياسيون أن الاندفاعة والعاطفة والعفوية قاسم مشترك يتصف به ساسة الجنوب المتعاقبين السلف والخلف منذُ ماقبل الوحدة اليمنية المشؤومة حتى اللحظة، وكان ذلك سببا في سقوط الجنوب في مستنقع الخبث اليمني طويل الأمد.
مشيرين إلى أن دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في شراكة مع الشرعية اليمنية في “الرئاسة والحكومة” لاستعادة الدولة اليمنية وعاصمتها صنعاء من قبضة مليشيا الحوثي، وقبوله بأن يتسيد الدكتور العليمي وأذياله على الجنوب تحت مسمى “المناطق المحررة” وكذا انخراطه في حرب إلى جانب أطراف يمنية لتحرير محافظة الحديدة اليمنية من قبضة مليشيا الحوثي وغيرها من التحالفات السياسية والعسكرية غير المشروطة مسبقا أو المقيدة بضمانات كانت ولا تزال خطأ كبيرا أعاد بالذاكرة إلى الشراكة التي وقع في فخها الحزب الاشتراكي اليمني في مايو 1990م عندما حشر دولة الجنوب آنذاك جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في اتفاق وحدة اندماجية مع الجمهورية العربية اليمنية (كنواة لاستعادة الوحدة العربية). فكانت الجنوب ضحية وحقلا لتجارب قومية فاشلة.
فهل يستطيع الانتقالي إصلاح ما افسده الاشتراكي؟ أم يكرر نفس الأخطاء؟
من جهته الكاتب والمحلل السياسي الجنوبي الأستاذ صالح شائف دعا إلى ضرورة إعادة ترتيب وتقييم التحالفات القائمة وبما يخدم قضية شعبنا ويجنبها الوقوع في شر المشاريع التي تطبخ اليوم وبأكثر من عنوان وبأشكال وصور متعددة ومن أكثر من مصدر داخليا وخارجيا علنية وسرية، جاء ذلك في منشور إعلامي.
وأضاف : ندعوه للتفكير جديا بعملية الانسحاب من الشراكة مع الشرعية أو تعليقها على أقل تقدير ونجدد هنا دعوتنا مرة أخرى والمتمثلة بإقدام المجلس الانتقالي على تشكيل مجلس إنقاذ وطني جنوبي برئاسته ويشمل كل الطيف السياسي والمجتمعي كحالة إنقاذ مرحلية أو غيرها من البدائل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في السياق وصف الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عيدروس نصر النقيب، شراكة المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة اليمنية بالورطة، واعتبرها من أغرب الشراكات في العالم.
وأضاف في مقال مطول خطه على صفحته بالفيس بوك تحت عنوان “المجلس الانتقالي الجنوبي وورطة الشراكة” أكد خلاله أن الاستمرار في هذه الشراكة المزدوجة والهشة مع الحكومة، ما بين شريك في الحكم لا يحكم شيئاً، ومعارضٍ يعارض سلطة هو جزء منها، يكلف المجلس الانتقالي كثيراً.
يحاولون دفن القضية عبر الحزبية :
نختم تقريرنا بمدونة للمفكر الجنوبي المخضرم الدكتور محمد حيدرة مسدوس خطها ضمن سلسلة “إصلاح العقول يساوي الحلول”.
(موضوعات للتنوير رقم ١٨٦) قال فيها : كانت آخر جملة من موضوعات التنوير رقم (١٨٥) تقول إن ماتم إنفاقه في الصراعات الداخلية كان كافيا لتحقيق التنمية. وفي هذه الموضوعات نقول :
١/ إن الصراعات الداخلية في كل من عدن وصنعاء قبل إعلان الوحدة كانت على حساب التنمية، وكان من أسبابها الموضوعية هو التناقض بين الشكل المركزي للدوله والتركيبة الاجتماعية للسكان.
٢/ لقد تجاهل حكام الدولتين واقع التركيبة الاجتماعية للسكان اعتقاداً منهم بأن الواقع تابع للسياسة وأنه كيفما تكون السياسة يكون الواقع، ولم يدركوا بأن العكس هو الصحيح.
٣/ إنه مالم تخضع السياسة للواقع يستحيل الاستقرار، ومن ثم تستحيل التنمية فالواقع الان منذ حرب ١٩٩٤م يقول إن الحرب اسقطت (فكرة) الوحدة ، ولكن دعاة الشرعية يرفضون ذلك.
٤/ إنهم يرفضون ذلك ويصرون على وجود الوحدة، بينما شعب الجنوب يرفض وجودهم يومياً على أرضه، ومن البديهي بأن التحالف والمجتمع الدولي الذي بيده القرار يشاهد ذلك.
٥/ إن المجتمع الدولي يدرك بأن شعب الجنوب له قضية وطن وهوية وليس قضية سلطة، ومن يتأمل في أقوال جمال بن عمر أثناء مؤتمر الحوار الذي عقد في صنعاء يقتنع بذلك.
٦/ لقد قال جمال بن عمر مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن إنه من حق شعب الجنوب أن يحدد (مكانته السياسية)، ولكن الشرعية والأحزاب التابعة لها لايريدوا أن يفهموا معنى ذلك.
٧/ إنهم يحاولون دفن القضية عبر الحزبية، فمنذ (رياض اثنين) وهم يحاولون تحزيبها، بينما هي قضية وطن وهوية يستحيل موضوعيا تحزيبها، لأن القضايا الوطنية لاتوجد فيها حزبية.
٨/ إن تجربة شعب الجنوب مع الحزب الاشتراكي قد جعلته يدرك بأن تحزيب قضيته دفن لها، لأن الحزب بعد حرب ١٩٩٤م قام بتطبيع الوضع مع صنعاء وشارك في انتخاباتها على حساب القضية.
٩/ إن مشاركة الحزب الاشتراكي في انتخابات صنعاء وتطبيع الوضع معها بعد حرب ١٩٩٤م كان بمثابة (دفن) للقضية وإسقاطاً لقراري مجلس الأمن الدولي الصادرين أثناء الحرب.
١٠/ إن دعوة الاشتراكي التي وجهها الآن للانتقالي ومؤتمر حضرموت بالانضمام إلى التكتل الجديد الذي ظهر في عدن، هي دعوة إلى نفس خطيئته السابقة.