غياب تام للجهات المعنية..«الأطفال بين التسول والعمل» الأسباب والمعالجات..!

كريترنيوز/ تقرير / محمود انيس
نشاهد ونلاحط في العاصمة عدن خاصة ومحافظات الجنوب عامة انتشارًا متزايدًا لظاهرة التسول بين الأطفال. حيث تُعد هذه الظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، وتتداخل فيها عدة عوامل متشابكة.
وللأسف فإن هناك الكثير من الأسباب والعوامل لتسول الأطفال إلى جانب استغلال الأطفال ، وذلك من خلال جعلهم يتسولون مقابل أجور تُعطى لهم ،وقد تتبنى هذه الظاهرة مجاميع منظمة.
أسباب تسول وعمل الأطفال :
الفقر : يعتبر الفقر من أهم الأسباب الجذرية لهذه المشكلة، فهناك العديد من الأسر التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة للغاية خاصة ما تشهده العاصمة عدن والمحافظات المحررة في السنوات الأخيرة.
حيث تفتقر هذه الأسر إلى الأشياء الأساسية مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية مما يدفع هذا الوضع اليائس بعض العائلات إلى إرسال أطفالهم إلى الشوارع للتسول أو إلى العمل من أجل البقاء على قيد الحياة، دون مراعاة ما قد يتعرضون له الأطفال من مخاطر وأضرار نفسية وجسدية ومعنوية.
الحرب والنزاعات :
تسببت الحرب الدائرة في البلاد في دمار واسع النطاق للبنية التحتية، وانهيار الاقتصاد، وتشريد الملايين من منازلهم. أدى هذا الوضع إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وأصبح الأطفال هم الأكثر تضررًا. ولهذا اصبح العديد من الأطفال الذين يتسولون أو يعملون في الشوارع هم من النازحين اليمنيين الذين فقدوا منازلهم وأسرهم بسبب الحرب، وللأسف هناك أيضا من هم من أسر متعففة.
اليُتم والتفكك الأسري :
هناك العديد من الأطفال الذين فقدوا آباءهم أو أفرادًا من أسرهم بسبب الحرب أو الأمراض أو الفقر، فهؤلاء الأطفال غالبًا ما يجدون أنفسهم في الشوارع بلا معيل، مما يجعلهم عرضة لخطر التسول. بالإضافة إلى ذلك، تعاني بعض الأسر من تفكك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، مما يدفع الأطفال إلى البحث عن مصادر دخل بأنفسهم.
من المستفيد من تسول وعمل الأطفال؟
يستفيد من تسول وعمل الأطفال في العاصمة عدن عدة أطراف، وذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، ويمكن توضيح ذلك كالتالي :
العصابات المنظمة :
تعد العصابات هي الفئة المستفيدة الأكبر من تسول الأطفال،وذلك من خلال استغلالهم وإجبارهم على التسول في الشوارع والأماكن العامة. حيث تقوم هذه العصابات بتوفير “بيئة عمل” للأطفال المتسولين، وقد تشمل هذه البيئة توفير أماكن إقامة لهم، وتدريبهم على أساليب التسول المختلفة، وتوفير الحماية لهم من الشرطة ، وذلك من خلال ضمانتهم عند القبض عليهم.
ومن خلال عمل الأطفال وتسولهم تحصل هذه العصابات على الجزء الأكبر من الأموال التي يجنيها الأطفال المتسولون، وقد تصل هذه النسبة إلى 80% أو أكثر.
وأحيانا تتفق بعض العصابات مع أهالي الأطفال من مناطق أخرى مقابل مبلغ شهري وذلك لاستغلال الأطفال بالتسول والعمل .
الأسر الفقيرة :
قد تدفع بعض الأسر الفقيرة أطفالها للتسول بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها. حيث تعتبر هذه الأسر أن تسول الأطفال هو مصدر دخل إضافي يساعدها على تلبية احتياجاتها الأساسية.
وفي بعض الحالات، قد تقوم الأسر بإرسال أطفالها للتسول بشكل مؤقت، على أمل أن تتحسن الظروف الاقتصادية وتتمكن من إعادتهم إلى المدرسة.
المتصدقون :
هناك بعض المتصدقين الذين يستفيدون من تسول الأطفال بشكل غير مباشر، حيث يشعرون بالرضا عند تقديم المساعدة لهم،وقد يدفع هذا الشعور المتصدقين إلى تقديم المزيد من المال للأطفال المتسولين، مما يشجعهم على الاستمرار في التسول للأسف.
كما أنه في بعض الحالات، قد يستغل المتصدقون الأطفال المتسولين لتحقيق أهداف أخرى، مثل الحصول على صورة إيجابية لأنفسهم.
بالإضافة إلى ذلك، قد يستفيد من تسول الأطفال بعض الأفراد والجهات الأخرى، مثل :
أصحاب المحلات التجارية لكي يجذبوا مزيدت من الزبائن وقد يسمحون للأطفال المتسولين بالتسول أمام محلاتهم، لهذا الهدف.
ولا ننسى سماسرة الأطفال الذين قد يقومون بتوفير الأطفال المتسولين للعصابات المنظمة، مقابل الحصول على عمولة مقابل ذلك.
أضرار ومخاطر التسول :
لتسول الأطفال أضرار كثيرة تؤثر على الطفل والمجتمع على حد سواء. ونستعرض معا بعضا من أبرز هذه الأضرار :
المخاطر الصحية :
يتعرض الأطفال المتسولون للأمراض وسوء التغذية بسبب الظروف الصحية السيئة التي يعيشون فيها. كما أنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والإعاقات بسبب الإهمال وعدم الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
الإهمال العاطفي والاجتماعي :
غالباً ما يعاني الأطفال المتسولون من الإهمال العاطفي وعدم الحصول على الحب والحنان والرعاية الأبوية. كما أنهم يُحرمون من فرص التعليم واللعب والتطور الاجتماعي السليم، مما يؤثر على نموهم النفسي والعاطفي ويجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب والقلق.
الاستغلال والعنف :
يعتبر الأطفال المتسولون هم أكثر عرضة للاستغلال من قبل البالغين، بما في ذلك الاستغلال الجنسي والعمل القسري والإتجار بهم. كما أنهم قد يتعرضون للعنف الجسدي والنفسي من قبل الأشخاص الذين يستغلونهم أو من قبل أفراد المجتمع الآخرين.
التشرد والانحراف :
يعاني الأطفال الذين يعيشون في الشوارع ويمارسون التسول هم أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات منحرفة مثل السرقة وتعاطي المخدرات، وقد يصبحون عرضة للاستغلال من قبل العصابات الإجرامية.
كما تعمل تلك الظاهرة على
تشويه صورة المجتمع.
حيث تعطي ظاهرة تسول الأطفال صورة سلبية عن المجتمع وتُظهر عدم قدرته على حماية أطفاله وتوفير الرعاية اللازمة لهم.كما أن تسول الأطفال هو أحد عوامل زيادة معدلات الجريمة فالتسول يمكن أن يرتبط بزيادة معدلات الجريمة، حيث قد يلجأ الأطفال المتسولون إلى السرقة أو أعمال غير قانونية أخرى لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
المخاطر البدنية :
وذلك من خلال الإصابات، حيث أن الأطفال العاملين أكثر عرضة للإصابات بسبب طبيعة الأعمال التي يقومون بها، والتي غالبًا ما تكون خطرة وتتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا. بالإضافة للأمراض فإن الأطفال العاملين أكثر عرضة للإصابة بالأمراض بسبب التعرض للمواد الكيميائية الضارة، والتلوث، وظروف العمل غير الصحية، إلى جانب الإرهاق وسوء التغذية، والعمل لساعات طويلة والتي تؤدي إلى الإرهاق الشديد وضعف النمو البدني.
المخاطر النفسية :
يتعرض الأطفال العاملون للصدمات النفسية من خلال تعرضهم للعنف اللفظي والجسدي والاستغلال، مما يسبب لهم صدمات نفسية شديدة. ومن جانب آخر التوتر والقلق، والعمل في ظروف صعبة وغير مستقرة يسبب التوتر والقلق الدائمين.
والاكتئاب والعزلة والتي تعتبر من الأضرار والمخاطر، فالأطفال العاملون يشعرون بالعزلة والاكتئاب بسبب عدم قدرتهم على ممارسة طفولتهم الطبيعية.
المخاطر الاجتماعية :
التسرب من التعليم :
الأطفال العاملون غالبًا ما يضطرون إلى ترك المدرسة، مما يحرمهم من حقهم في التعليم ويقلل من فرصهم في رسم المستقبل.
ولا ننسى الانحراف وهو من المخاطر البشعة، فالأطفال العاملون أكثر عرضة للانحراف بسبب الظروف الصعبة التي يعيشون فيها.
دور الجهات الحكومية :
دفع انتشار ظاهرة التسوّل في شوارع العاصمة عدن السلطات المحلية في المدينة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحدّ من الظاهرة التي أصبحت تنطوي على دعاية سلبية للمدينة وللسلطات التي تشرف على إدارة شأنها العام.
ووجهت الإدارة العامة للجان المجتمعية كتابا رسميا إلى رؤساء اللجان التابعة لها في مديريات العاصمة عدن طالبتهم فيه بتنفيذ توجيهات وزير الدولة محافظ العاصمة عدن أحمد لملس بمنع التسول في الشوارع وقرب المطاعم وشركات الصرافة والمساجد والمولات وسائر الفضاءات العمومية، وأمرتهم بالتنسيق في ذلك مع السلطات الأمنية.
الحلول:
يتوجب على الحكومة القيام بمكافحة الفقر ، حيث يجب على الحكومة والمجتمع الدولي العمل على مكافحة الفقر من خلال توفير فرص عمل وبرامج دعم مالي للأسر المحتاجة وذلك بالتنسيق مع السلطات والجهات المختصة بالأطفال.
ومن الحلول أيضاً إنهاء الحرب، ويجب على جميع أطراف النزاع في اليمن العمل على إنهاء الحرب وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
وتوفير التعليم والذي كان يجب توفير فرص تعليم مجانية للأطفال وإلزام الأسر بإرسال أطفالهم إلى المدارس، وحماية الأطفال، وعلى الحكومة والمجتمع المدني العمل على توفير الحماية من الاستغلال وسوء المعاملة، وتوفير لهم الرعاية والدعم النفسي.
كما يجب على الحكومة دعم المؤسسات، التي تُعنى بحماية الأطفال وتوفير لها الموارد اللازمة للقيام بعملها.
ختامًا ..
بعد الحرب على الجنوب ، ظهرت مشكلة التسول بشكل غير عادي، خاصة بعد أن جاء اليمنيون من أماكن سيطرة الحوثيين إلى الجنوب، الذين نزحوا من ظلم وبطش مليشيات الحوثي الإرهابية، واصبحت الشوارع والجولات والطرقات الرئيسية محل تواجد المتسولين النازحين اليمنيين.
فظاهرة تسول الأطفال في العاصمة عدن هي مشكلة معقدة تتطلب تضافر جهود الحكومة والمجتمع الدولي والمجتمع المدني لإيجاد حلول مستدامة. ويجب علينا جميعًا أن نتحمل مسؤوليتنا في حماية الأطفال وتوفير لهم المستقبل الأفضل.