الحمّيات الموسمية بالعاصمة عدن.. هل أصبحت خطراً حقيقياً أم مجرد تهويل إعلامي؟

كريترنيوز/ تقرير
يرى البعض أن الدنيا بخير ولا داعي للخوف والقلق، مجرد حمّيات موسمية (انفلونزا وملاريا وتيفوئيد وكوليرا وحمى الضنك) وغيرها من الأمراض المعدية والعابرة والمستوطنة، التي اعتاد عليها السكان في العاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب، تلك التي تنشط في أزمنة محددة من كل عام، وبعضها متواجد على مدار العام، تاخذ نصيبها من الاشخاص المستهدفين ثم ترحل، تأخذ معها البعض وتترك ممن لايزال له في العمر بقية، وهكذا دواليك.
فيما يرى مختصون أن وطأة الحميات اشتدت في الآونة الأخيرة، وأصبحت أكثر فتكاً عقب الحرب الحوثعفاشية الظالمة التي اجتاحت العاصمة عدن في العام 2015م، وما خلفته تلك الحرب من دمار في البنية التحتية، وتعطيل شبكة الصرف الصحي، وانتشار القمامة، وبقايا مقذوفات ونفايات سامة، وما تبعها من حروب اقتصادية وخدمية وتفشي الفقر والبطالة، أوصلت السواد الأعظم من السكان إلى حافة المجاعة والافتقار، إلى أدنى شروط السلامة، سواءً في البيوت او الشوارع.
يضاف إلى ذلك توافد حشود النازحين اليمنيين والمهاجرين الأفارقة القادمين من القرن الأفريقي، وما رافق ذلك من استيراد عدوى مرضية جديدة، وأصبحت العاصمة عدن قابلة لكل الاحتمالات السلبية.
وبحسب مختصين، تحدث الأوبئة الموسمية – خصوصاً الانفلونزا – خلال فصل الشتاء، وقد تحدث على مدار العام في المناطق المدارية منها اليمن والجنوب العربي، إلى جانب المشاكل الصحية المرتبطة بموسم الشتاء، كجفاف الجلد وجفاف العين والعدوى التنفسية والتهاب الحلق واللوزتبن والانسداد الرئوي المزمن والروماتيزم وغيرها.
وترتبط بعض الأمراض بقدوم فصل الربيع، مثل حساسية العين والفم والأنف والحلق والصدر “الربو”، والرمد الربيعى، وبعض الأمراض الفيروسية.
بينما تنتشر بعض الأمراض خلال فصل الصيف، كالملاريا، والتيفوئيد، وحمى الضنك، والإسهالات، والحصبة، وجدري الماء. وتعتبر ضربة الشمس أحد أكثر أمراض الصّيف شيوعاً، تحدث بسبب ارتفاع درجة الحرارة والتّعرّض لأشعّة الشّمس القوية، يضاف إليها الجفاف والصداع المتكرر، وحروق الجلد والطّفح الجلدي، والحصيّات الكلويّة.
إلى جانب انتشار بعض الفيروسات التي غالبًا ما تسبب المرض خلال فصل الصيف وأوائل الخريف. يشملها المصطلح الشائع “الفيروس المعوي” فيروسات كوكساكي، وفيروسات الإيكو، والفيروسات المعوية. إلى جانب حمى القش والنكاف والتسمم الغذائي واليرقان.
وتسبب الأمراض التي تحدث على مدار العام عبئاً اقتصادياً على الاسرة وعلى الدولة، نتيجة لانخفاض إنتاجية القوى العاملة واستنزاف المال والخدمات الصحية.
وينقسم المرضى إلى صنفين ضمن الفئة عالية الخطورة، كالأطفال وكبار السن والنساء الحوامل، والمصابين بأمراض مزمنة كارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان، وأخرى منخفضة الخطورة كفئة الشباب.
خطر حقيقي أم تهويل إعلامي؟
ورداً على ما يتناقله السكان في العاصمة عدن حول انتشار مرض غريب يؤدي إلى الوفاة، فقد نفت السلطات الصحية في العاصمة ما أسمتها إشاعات عن انتشار مرض غريب في المدينة تسبب في وفاة 12 شخصاً خلال الأيام القليلة الماضية. وأكدت أن الوفاة سببها حمى الضنك، والتأخير في تلقي الرعاية الطبية.
وذكر مدير الترصد الوبائي في مدينة عدن، الدكتور مجدي سيف الداعري، تعليقاً على حديث الأهالي في مديرية البريقة عن وفيات بعد إصابة أشخاص بمرض حمى غريبة، أن الملاريا وحمى الضنك والحميات النزفية من الأمراض المستوطنة في المدينة، وأن الوفيات المشار إليها سببها حمى الضنك، وأن التأخر في نقل المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج اللازم كان السبب في ذلك.
ووفق تقرير أعدته (العين الإخبارية)، فإن في ظل ما خلّفته الحرب الحوثية من أزمات متفاقمة في اليمن، يبرز القطاع الصحي كأحد أكثر القطاعات تضررًا، خصوصًا في المناطق المحررة، كالعاصمة عدن التي تواجه منذ سنوات تحديات جسيمة في مواجهة الأوبئة، وسط ضغط متزايد بسبب موجات النزوح وتدهور البنية التحتية.
وأعلنت السلطات الصحية في عدن مؤخرًا أن أمراض الحميات باتت تمثل تهديدًا مستمرًا ومستوطنًا في المدينة، مع تصاعد ملحوظ في أعداد الإصابات خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي يُنذر بمخاطر صحية متزايدة، ويضع الجهات المختصة أمام تحدٍ كبير في السيطرة على الوضع.
وأوضح مدير الترصد الوبائي بمكتب الصحة العامة والسكان في عدن، الدكتور مجدي سيف الداعري، أن حميات مثل الملاريا وحمى الضنك والشيكونغونيا، أصبحت جزءًا من الواقع الصحي في المدينة، مشيرًا إلى أن هذا الانتشار ليس جديدًا، بل يعود إلى سنوات ماضية، مع زيادة موسمية معروفة خلال فصول معينة من العام.
50 ألف حالة يُشتبه بإصابتها بالملاريا:
ووفقًا لتصريحات الداعري، فقد سُجِّلت منذ مطلع العام الحالي نحو 50 ألف حالة يُشتبه بإصابتها بالملاريا، إلى جانب أكثر من ألف حالة مؤكدة بحمى الضنك وغيرها من الحميات النزفية، ما أسفر عن 12 حالة وفاة، منها خمس حالات في مديرية البريقة، غربي المدينة.
وأشار الداعري إلى أن تدهور الوضع الصحي في عدن يرجع إلى عوامل عدة، أبرزها الكثافة السكانية المرتفعة، وانتشار العشوائيات ومخيمات النزوح، وضعف البنية التحتية للخدمات الأساسية، وهي كلها نتائج مباشرة للحرب المستمرة منذ سنوات.
جولات ميدانية مستمرة لرصد البؤر الوبائية:
وأضاف مدير الترصد الوبائي أن الفرق الصحية التابعة لمكتب الصحة تنفذ جولات ميدانية مستمرة على مدار العام، بهدف رصد البؤر الوبائية ومكافحة اليرقات في مواقع انتشار الحالات. كما تم تنفيذ حملات رش وتوعية واسعة في مختلف المديريات، بالتعاون مع برنامج الملاريا والتثقيف الصحي، شملت معظم المناطق المتأثرة، ولا تزال هذه الحملات مستمرة بشكل شبه يومي.
وشدد الداعري على أهمية التوعية المجتمعية في مواجهة هذه الحميات، داعيًا السكان إلى تجنب تراكم المياه الراكدة التي تُعد بيئة خصبة لتكاثر البعوض الناقل للأمراض، مؤكدًا أن الوقاية تبدأ من المنزل، سواء عبر التخلص من مياه المكيفات أو تغطية الخزانات والأوعية المكشوفة.
كما حثّ كل من تظهر عليه أعراض الحمى وألم المفاصل على مراجعة أقرب مركز صحي، وتجنب تناول الأدوية العشوائية من الصيدليات، خاصة تلك التي تحتوي على “البروفين”، والتي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة كالنزيف، في حالات الحمى النزفية.
طمأنة الشارع مع ضرورة أخذ الحيطة والحذر:
واختتم المسؤول الصحي تصريحاته، بالتأكيد على أن معظم الحالات المسجلة حتى الآن تعود إلى حمى الضنك والملاريا، وتم تأكيدها عبر الفحوص المخبرية، نافيًا وجود أمراض جديدة أو غير معروفة، مشيرًا إلى أن غالبية الوفيات وقعت نتيجة تأخر تلقي الرعاية الطبية، إذ يتطلب علاج هذه الحالات تدخلًا طبيًا داخل المستشفيات.
الانتقالي ومكتب الصحة يناقشان الوضع الصحي بالعاصمة عدن:
في السياق ذاته، التقى الأستاذ عصام عبده علي، نائب رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، يوم الاثنين 21 أبريل 2025م، بالدكتور أحمد مثنى البيشي، مدير عام مكتب الصحة والسكان في العاصمة عدن.
وجرى خلال اللقاء، الذي حضره الأستاذ نصر هرهرة مقرر الجمعية، مناقشة الوضع الصحي العام في العاصمة، والجهود التي يبذلها مكتب الصحة لتحسين مستوى الخدمات، لا سيما في ظل انتشار الحميات الموسمية الناتجة عن تجمعات المياه الراكدة، التي أصبحت تمثل بيئة خصبة لانتشار الأمراض.
كما ناقش اللقاء أبرز التحديات التي تعترض سير عمل مكتب الصحة، وتم وضع حلول عاجلة تُسهم في تحسين الأداء وتجاوز العقبات الراهنة.
وأشاد الأستاذ عصام بالجهود الكبيرة التي يقوم بها مكتب الصحة وطاقمه، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة والتحديات المستمرة، مؤكداً أن قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي تضع الملف الصحي في مقدمة أولوياتها، لما له من دور أساسي في حماية المجتمع وضمان استقراره.
ودعا جميع المواطنين إلى التفاعل الإيجابي مع الجهات الصحية، والابتعاد عن الشائعات والمعلومات المغلوطة، مشدداً على أهمية التكاتف المجتمعي في مواجهة أي طارئ صحي بروح المسؤولية والتعاون، وخاصة في عملية الإصحاح البيئي.
ومن جانبه، أوضح الدكتور البيشي أن الحميات الموجودة هي في إطار الوضع الطبيعي الموسمي، وأن الشائعات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن تفشي الحميات بشكل مخيف، لا تستند إلى وقائع ميدانية، بل تهدف إلى إثارة البلبلة والقلق بين أوساط المواطنين.
ختاماً..
لا دخان من غير نار، ويبقى الوضع الصحي بالعاصمة عدن معقداً وتحدياً كبيراً أمام الجهات المختصة، في ظل الأوضاع الاقتصادية والتعليمية والخدمية الهشة، وفي ظل الأبواب المفتوحة أمام أعداد النازحين اليمنيين والمهاجرين الأفارقة القادمين من القرن الافريقي، يقابله حلول شبه معدومة، ما يشير إلى أن وضع المدينة يسير إلى الأسوأ.