تقارير وحوارات

لعبة المكبارة بميفع.. موروث شعبي خالد يتوارثه الأجيال

كريترنيوز/ تقرير / صبري باداكي

 

لعبة المكبارة واحدة من أبرز الألعاب الشعبية، وتجليات الموروث الشعبي في منطقة ميفع (البوابة الغربية لمحافظة حضرموت)، حيث تجمع بين الترفيه والتقاليد الثقافية الغنية. وتعكس هذه اللعبة الشهيرة بين الأطفال والشباب وكبار السن، وتعتبر وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الميفعي.

 

وتتميز المكبارة بكونها لعبة تعتمد على المهارات البدنية والتركيز في رقصها، وتتطلب من اللاعبين القدرة على التحرك بسرعة ودقة، مما يجعلها تجربة مفعمة بالحيوية. وهي ترتبط بعدد من الطقوس والأغاني والقصائد الشعرية الشعبية التي تُعزز من أجواء المرح، وتجعلها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمنطقة.

 

وتسهم لعبة المكبارة في الحفاظ على التراث الثقافي، بحيث تُعلّم الأجيال الجديدة قيم الشجاعة والتعاون والمنافسة الشريفة. ومن خلال ممارسة هذه اللعبة يتواصل الأفراد مع تاريخهم وتراثهم، مما يعزز من شعور الانتماء والفخر بالثقافة والموروث الشعبي المحلي.

 

 

موروث خالد يتوارثه الأجيال:

 

تُعد لعبة المكبارة بمنطقة ميفع في مديرية بروم ميفع بمحافظة حضرموت الساحل، من أقدم الألعاب الشعبية، ولها حضور جماهيري آنذاك، وبالأخص بالمناسبات الدينية في العقود السابقة أيام الأجداد في الزمن الجميل الذي يختلف كثيراً عن الزمن الحالي. وكان التنافس بين فرقتي المكبارة في السفال والحيلة، بحيث كان في تلك الحقبة يتواجد فيها عناصر من الآباء والأجداد متميزين بأداء الرقصة، بالإضافة إلى من يتميزون بأداء الإيقاع والطاسة بشكل جيد ومميز، يجعلون الحاضرين منبهرين من تلك الوجوه التي تؤدي المهمة بصورة احترافية وإبداع يلفت الأنظار، بمشاركة أسماء لمعت في هذه اللعبة أمثال: عبدالله صالح باعري، خميس جول بالكيمان الملقب “الوصر”، علي يسلم باحجيل، عوض الكباس باقبع، عبدالله يسلم داهن وسعيد صالح بن جماع، هؤلاء كانوا من يعطون حلاوة المتعة والإثارة للراقصين.

ومازالت تمارس لعبة المكبارة حتى الآن، يتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، والتراث الشعبي لم يمت أو ينتهي داخل منطقة ميفع.

 

شعراء عاصروا اللعبة:

 

هناك من عاصر وحضر تلك اللحظات الجميلة والرائعة لمنطقة ميفع في لعبة المكبارة، التراث الشعبي الأصيل الذي هو خالد لا ينتهي، بل يتوارثه الأجيال خلفة الأباء والأجداد، وكان حضورهم للعبة ملفتاً للنظر وبشكل مستمر لا ينقطع أبداً. والذين عاصروا لعبة المكبارة من الشعراء هم: الشاعر يسلم بن حمد المشعطر، خالة شدمة، عبود بن وبر، عوض بامسطول، يسلم بن حسن بامسطول، المحروق باجامزة وسعيد بن صالح بن جماع، كان هؤلاء يمثلون ثنائياً مع الفرق الراقصة للعبة، وأداءها في مناسبات مختلفة التي أبرزها عيد الأضحى المبارك، وفي اليوم التاسع، ويطلع عليها بالعامية بكسر الجوبنة أو ما يسمى حاليًا “كسر الجوملي”.

 

كانت الحياة في تلك الأيام جميلة لجودة الأوضاع الأقتصادية والمعيشية، للاعتماد على المنتج المحلي من الأرض التي تزخر بها المنطقة من محاصيل زراعية مختلفة ممتازة مثل (المسيبلي والذخن والذرة والطهف والبطاطا والسمسم)، وكذلك الإنتاج البحري من قرية الحسي الساحلية بمراعيها الجميلة للأسماك الرائدة مثل (الضيرك والخلخل واللخم والضمكري والغودة والعندق).

في ذاك الزمن الجميل كان المنتج المحلي ممتازاً والحياة سعيدة، والتي حذت بالمواطنين أن يعيشوا حياة رغدة بعكس الآن.

 

من الذاكرة:

 

بعد اللقاء مع الشيخ سعيد بن سالم بامطروع “أبو عزيز”، مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بمديرية بروم ميفع، وعاقل حي ردفان، حول الموروث الشعبي لعبة المكبارة، سرد ما في ذاكرته من ذاك الزمن الجميل في عز شبابه، قائلًا: هذا من الذاكرة عندما كنا في سن الطفولة والشباب، ونأتي من منطقة الحسير مع آبائنا لنشاهد هذه الألعاب الشعبية وأبرزها المكبارة، واليوم تغير بنا الحال وظهر جيل آخر لم ينسَ ويهجر هذا التراث والتاريخ الميفعي الأصيل، وعملوا لها تجديداً من حيث الزي والعصا وغيرها من الملابس الأخرى، أم الطبل والإيقاع والطاسة بشكل واحد، يجعلون الميدان ساحة لأداء هذه اللعبة بمنظر منتظم ومنسق، مما يجعل متابعة المشاهدين لهم.

وكان في ذكرى شاعر المدارة سعيد فرج باحريز تم طلب من الجمعيات الزراعية المشاركة في الاحتفال بالذكرى التكريمي لشاعر المدارة ابن حجر، الذي عاش حياته الأخيرة في مدينة المكلا حي الشهيد خالد، وحينها كان تنافساً بين فرق رقصة الشبواني في أحياء الحارة، ويقصد بها المكلا. شاركت فرقة المكبارة بميفع ممثلة لجمعية ميفع الزراعية بالنجوم الأباء، وأذكر منهم خميس جول بالكيمان وسالم عبدالله باحيلة وعبدالله يسلم داهن ورجب باحميل وعبدالله صالح باعري وفرج مفتاح باحيود وخميس جول الجلعي وعلي يسلم باحجيل وغيرهم، والإيقاع كان عبدالله مهيدان وعبد الواحد باشريمة، وإيقاع الطاسة عمر مكبب لحد الآن مازال يمارسها، وكان الحضور مشرفاً لأبناء ميفع في هذه المناسبة وبحضور قيادة الجمعية، حيث أدت الفرقة رقصتها في جولة الدلة بالمكلا، وحظيت بحضور جماهيري كبير، بالإضافة إلى وكيل المحافظة لشؤون مديريات الساحل آنذاك الأستاذ عوض عبدالله حاتم ومدراء المكاتب التنفيذية ذات الشأن بالموروث الثقافي والفني، وحصلت على المرتبة الأولى من بين الفرق المشاركة من الشحر وغيل باوزير والديس الشرقية والمكلا. هكذا كانت فرقة المكبارة في الماضي والحاضر، وما زالت تحذو لمواكبة العطاء والحضور في كل المناسبات الدينية وغيرها.

 

رسائل مهمة:

 

رفع أهالي منطقة ميفع ومسؤولو فرقة المكبارة بميفع رسائل سامية للجهات المعنية بالأمر، السلطة المحلية بالمديرية ومكتب الثقافة بالمحافظة، للاهتمام بهذا الموروث الشعبي الذي تزخر به ميفع ومديرية بروم ميفع، وتذليل الصعاب عليها، وتقديم المساعدة للقيام بتوفير كافة متطلبات الفرقة حتى تظهر بالشكل الحضاري، بتوحيد الزي للملابس وشراء الأدوات والمعدات الخاصة وغيرها. وكذلك المؤسسات والجمعيات المهتمة بهذا التراث الشعبي، كل ما عليهم تقديم الاحتياجات لما يخدم الفرقة، وتمثيل المنطقة والمديرية بشكل راقٍ ورائع، والحفاظ على لعبة المكبارة حتى ييقى التراث حيًا لا يموت يتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل.

 

ختاماً..

تساهم لعبة المكبارة بميفع في الحفاظ على التراث الشعبي، بحيث تُعلّم الأجيال الجديدة قيم الشجاعة والتعاون والمنافسة الشريفة، من خلال القصائد الشعرية، وممارسة اللعبة توصل الأفراد بتاريخهم وتراثهم، مما يعزز من شعور الانتماء والفخر بالثقافة المحلية.

زر الذهاب إلى الأعلى