تسرّب الطلاب من مقاعد الدراسة للالتحاق بالسلك العسكري.. تحسين للوضع المعيشي أم سياسة ممنهجة تدمير للتعليم في الجنوب؟

تقرير / صبري باداكي
برزت في الآونة الأخيرة، ظاهرة تسرب الطلاب من الدراسة والتحاقهم بالعسكرة، والتي تُعد من القضايا الإجتماعية المعقدة تشهدها العديد من المجتمعات. وتعكس هذه الظاهرة مجموعة من العوامل الأقتصادية والاجتماعية و النفسية التي تؤثر على خيارات الشباب.
وتتعدد الأسباب التي تدفع الطلاب إلى ترك مقاعد الدراسة، من بينها الفقر وضغوط الأسرة أو حتى عدم الرضا عن النظام التعليمي في كثير من الأحيان، ويجد هؤلاء الطلاب في العسكرة فرصة للهروب من الواقع أو لتحقيق الاستقرار المالي أو بحثًا عن الانتماء.
وتؤثر هذه الظاهرة سلبًا على المجتمع، بحيث يؤدي تفشيها إلى تراجع مستوى التعليم وزيادة معدلات البطالة. لذلك، تعتبر معالجة هذه القضية ضرورة ملحة تتطلب تضافر الجهود من قبل الأسرة والمؤسسات التعليمية والحكومة.
مكمن المشكلة:
ظاهرة هروب الطلاب من الدراسة إلى الالتحاق بالعسكرة أمر مخيف جدًا، يثير التساؤلات حول من المسؤول عن هذه الظاهرة، والتي تعتبر من أخطر القضايا الاجتماعية التي تواجه المجتمعات في الوقت الراهن. أسباب عدة أدت إلى سماح غالبية الأسر لأبنائهم للالتحاق بالسلك العسكري، وفي سن مبكر لا يتجاوز الـ 15 سنة من أجل سد احتياجاتهم المعيشية، في ظل تدهور الأوضاع وانهيار مخيف جدًا للعملة المحلية أمام العملات الأخرى، مما جعل الطلاب يتركون مقاعد الدراسة وعدم الرغبة في إكمال تعليمهم الأساسي والثانوي والجامعي.
و على هذا الحال ربما ينهار التعليم في معظم محافظات الجنوب، وعادة ما يكون هذا مخطط لتدمير وهدم التعليم بشكل كامل داخل البلاد والاكتفاء بالسلك العسكري، بعد إغرائهم بالراتب السعودي. وتجد في الوقت الحالي راتب العسكري أرفع من راتب الدكتور والمعلم.
أسباب واضحة:
هناك أسباب عديدة واضحة أدت إلى بروز ظاهرة هروب الطلاب من الدراسة إلى الالتحاق بالسلك العسكري، منها انهيار الوضع الاقتصادي وتدهور الوضع المعيشي لدى كثير من الأسر، مع ارتفاع نسبة البطالة. وأيضاً انهيار التعليم وضعف أداء المعلمين بسبب ضعف رواتبهم، وعدم إطلاق علاواتهم وتسوياتهم، وعدم استشعار قيمة العلم وفضله، وعدم القيام بالمسؤولية من جهة الوالدين تجاه الأبناء، واللهث وراء المال والريال السعودي بعيدًا عن استمراريته في المستقبل.
دفع الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه المواطن الغلبان، وخاصة في ظل ارتفاع أسعار الصرف وتدني المرتبات، الطلاب إلى التفكير في ترك مقاعد الدراسة، والإغراءات المالية التي تقدمها بعض الجهات العسكرية، بحيث يُعطى الجندي راتباً يصل أحيانًا إلى أكثر من 2000 ريال سعودي، أي ما يعادل مليون وثلاثمائة ألف ريال يمني، وفقدان الثقة بالتعليم عندما يرون خريجي الجامعات بدون وظائف وبعضهم يشتغل شغل ماله أي علاقة بتخصصه.
حلول بديلة:
لابد من وجود الحلول المتوقعة أو البديلة للحد من ظاهرة هروب الطلاب من الدراسة والتفكير في الالتحاق بالعسكرة لما فيه من قوة العائد المالي، ومن تلك الحلول: تحسين بيئة التعليم بشكل أفضل، وتقديم حوافز حقيقية للطلاب المتفوقين والمحتاجين من أجل زيادة الرغبة لديهم في التعليم، وتفعيل برامج الإرشاد النفسي والمهني في المدارس، ورفع مكانة المعلم لأنه قدوة وإذا فقدنا صورته فقدنا صورة التعليم كاملاً، والصبر على الابتلاء الذي يجري للناس في حياتهم اليومية، والالتحاق بالجانب العسكري من خلال الدخول في الكليات العسكرية المختلفة بعد إكمال مرحلة الثانوية أو الجامعة، والبدء في تصحيح المسار والأفكار لدى الأسر، ووضع حد لتجنب الحديث عن العسكرة، وأن تستثمر الأسر الأبناء وتدفع بهم في المرافق التعليمية العليا في مختلف القطاعات بعد إكمال مرحلتي الثانوية والجامعة، هكذا قد تتمكن الأسرة من الحد من انتشار ظاهرة هروب الطلاب من المدارس للالتحاق بالعسكرة.
نصائح وإرشادات:
النصائح والإرشادات لها دور فعال في توجيه وتوعية المجتمعات، وفي ظل سعينا للقضاء على انتشار ظاهرة هروب الطلاب من الدراسة للالتحاق بالعسكرة، خلال العديد من المقابلات بهذا الخصوص تحصلنا على عدة نصائح وإرشادات عامة ومفيدة، تحث الطلاب على العودة إلى مقاعد الدراسة مهما كانت الظروف صعبة وقاسية ويواصلون تعليمهم، لأن الشعوب لا يمكن أن تتقدم إلا بالعلم، فالعسكرة حاليًا عبارة عن مشروع مؤقت وفي حال تم رفع الحافز السعودي سيندم كل طالب خرج وترك مستقبله التعليمي وراء المال السريع، وخدمة الوطن شرف والعسكرة مهنة محترمة لكن حاول الالتحاق بها وأنت لديك علم ومهارة لكي تكون مؤثراً وقائداً.
وأنصح بطلب العلم ومواصلة الدراسة حتى نيل الشهادة من أجل أن ينتفع بها في المستقبل. وهناك طلاب ممن تسربوا من الدراسة وانضموا للسلك العسكري وجاءت لهم الفرصة للالتحاق بالدورات ففشلوا، كونهم لايحملون مؤهلاً علمياً.
رسالة مهمة:
الرسائل المهمة لها طابع خاص في عيون الجهات المعنية بالأمر، منهم وزير التربية والتعليم ، ومدير مكتب التربية والتعليم بالمحافظة، ومحافظ محافظة حضرموت ومدراء عموم المديريات. والرسالة تحمل في طياتها الكثير والكثير لما يقدمه المعلم في أداء مهامه الوطني في تعليم الأجيال التي هي تعد عموداً رئيسياً في إخراج البلاد من هذه الأزمات الخانقة.
والرسالة تقول: تكريم المعلم ليس مجاملة، بل هو استثمار في مستقبل الأجيال، فإذا انهارت مكانة المعلم انهارت قيمة التعليم، وفتحنا الباب لهروب العقول إلى مجالات أخرى ربما ليست من اختيارها، إحداها العسكرية. لذا تكريم المعلم يعد واجباً على الحكومة، وإعطائه كافة مستحقاته المشروعة حتى يتسنى له القيام بواجبه على أكمل وجه وأداء رسالته النبيلة في تعليم الأجيال.
ختامًاً..
ظاهرة هروب الطلاب من الدراسة للالتحاق بالعسكرة تؤثر سلبًا على المجتمعات، حيث يؤدي تفشيها إلى تراجع مستوى التعليم وزيادة معدلات البطالة. لذلك، معالجة هذه القضية ضرورة ملحة تتطلب تضافر الجهود من قبل الأسر والمؤسسات التعليمية والحكومة.