في ذكرى استشهاد القائد عبد اللطيف السيد الثانية.. جنوبيون يجددون المطالبة بالثأر لدماء الشهداء واستكمال تطهير الجنوب من عناصر الإرهاب

كريترنيوز / تقرير
في 10 أغسطس 2023م، استشهد الثائر الجنوبي بطل الميدان سلمًا وحربًا العميد عبد اللطيف السيد، قائد الحزام الأمني بمحافظة أبين، ورفاقه الأبطال الذين ارتقوا إلى جوار ربهم مقبلين غير مدبرين.
أصيب الشارع الجنوبي بصدمة في ذلك اليوم. خسارة كبيرة غير متوقعة، نزلت كالصاعقة في توقيت كان الجنوب ولا يزال يواجه تحديات أمنية كبيرة، وفي أمس الحاجة لذلك البطل المغوار، ولكن لا اعتراض على قضاء الله وقدره.
جميع شرائح المجتمع الجنوبي، العسكرية والسياسية والأمنية والقبلية والمدنية، بمن فيها من كانوا يختلفون معه، عبّروا جميعاً عن الحزن العميق والأسى على رحيل السيد، وفي نفس الوقت أشادوا بشجاعته ووطنيته وإخلاصه للجنوب واستماتة في الدفاع عن الأرض والدين والعرض.
وكان الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي – نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قد عبّر عن حزنه العميق، واعتبر استشهاد السيد خسارة كبيرة على الجنوب، وبادر شخصياً إلى زيارة منزل أسرته بمنطقة باتيس بمحافظة أبين، لمواساتهم والتخفيف من وطأة المصيبة التي حلت بهم وبالوطن الجنوبي عامة.
قدم خلال الزيارة التعازي للوالد محمد حسين بافقيه (والد الشهيد)، وشقيقه حيدرة محمد بافقيه، قائد الحزام الأمني بمحافظة أبين الحالي، مؤكداً أن استشهاد القائد عبداللطيف لا يمثل خسارة لأسرته وذويه فقط، ولكنه يمثل خسارة فادحة لأبين والجنوب عامة.
وأكد الرئيس القائد أن ما اجترحه الشهيد عبداللطيف السيد من بطولات، وما خلّده من مآثر ستبقى مصدر فخر واعتزاز لكل جنوبي، مجدداً العهد بالسير على نهج الشهيد السيد وجميع شهداء الجنوب حتى استئصال شأفة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار من باب المندب غرباً حتى المهرة شرقاً.
10 أغسطس يوم مشؤوم، أصبح روزنامة سنوية يحيي خلاله الجنوبيون ذكرى الشهيد العطرة، يوم يظل شاهداً على عملية إرهابية غادرة استهدفت السيد ورفاقه، بعبوة ناسفة في وادي جنن بمديرية مودية محافظة أبين، أثناء قيادته في الصفوف الأمامية لعملية “سيوف حوس” التي أتت امتداداً لعملية “سهام الشرق”، لتطهير جميع مديريات محافظة أبين من التنظيمات الإرهابية.
عاش بطلاً ومات شهيداً:
الشهيد السيد هو: عبداللطيف محمد حسين فضل بافقيه، ولد في 23 أغسطس عام 1981م بمحافظة أبين، (أب لأربعة أولاد وأربع بنات)، يحمل مؤهل دبلوم اجتماعيات من كلية التربية زنجبار بأبين.
لمع اسمه مطلع العام 2012 عندما عُين قائداً للجان الشعبية في محافظة أبين بمرسوم رئاسي إبان حقبة الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي، ليتصدر المشهد الأمني والعسكري بشكل رسمي، علماً أنه قد خاض عدة جوالات سابقة مع عناصر الإرهاب الذين كانوا يعتبرونه ألد الخصوم وهدفهم الأول، كونه أصبح حاجزاً يحول دون تمدد التنظيم الإرهابي بالمحافظة، بل تصدى وبكل حزم لمخططاته الإجرامية، وألحق به أكثر من هزيمة ميدانية.
كانت عناصر الإرهاب تخشى مواجهته وجهاً لوجه، ولجأت إلى استخدام حيل جبانة قذرة للتخلص منه، عبر زراعة العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، تعرض السيد إثرها لأكثر من عشرين محاولة اغتيال.
في 4 أغسطس 2012م، استهدف تفجير انتحاري مخيم عزاء في منزله بجعار محافظة أبين، أدى إلى استشهاد وجرح 70 شخصاً، بينهم ثلاثة من إخوانه، وإصابته إصابة بالغة أفقدته إحدى عينيه. وفي 22 سبتمبر 2012م، تعرض لمحاولة اغتيال بواسطة حزام ناسف في العاصمة عدن، أدى لإصابته وثلاثة من مرافقيه بجروح.
كما تم استهداف موكبه بعبوات ناسفة زرعتها عناصر القاعدة أثناء مغادرته المحفد متجهاً إلى زنجبار في نوفمبر 2017م. وفي مديرية المحفد أيضاً تعرض لمحاولة اغتيال بعبوات ناسفة في فبراير من العام 2019م. وفي نوفمبر 2021م تعرض لهجوم مسلح أدى لإصابة قائد حراسته بإصابات خطيرة. وفي مايو 2020م تعرض موكبه لكمين مسلح في منطقة باتيس بأبين، أسفر عنه استشهاد اثنين من مرافقيه. وفي مارس 2022م تعرض موكبة لهجوم انتحاري بسيارة مفخخة على طريق زنجبار جعار، وغيرها من العمليات الجبانة الغادرة لا يتسع المجال لذكرها جميعاً.
ظل الشهيد السيد يحمل مشروع شهادة غير آبه بالتحذيرات، ولم يلتفت إلى تهديد ووعيد تلك العناصر الجبانة، ولم يلقِ لها بالاً. وقال عنه زملاؤه إنه يمتلك قلب أسد، شجاع لا يخشى شيئاً، وفي الوقت متواضع، كريم، حسن الأخلاق.
عقب تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في العام 2017م، عُين الشهيد عبداللطيف السيد قائدًا للحزام الأمني في دلتا أبين (زنجبار وجعار)، ومن ثم تمت ترقيته ليصبح قائدًا للحزام الأمني في محافظة أبين بأكملها في العام 2023م.
عاش مرفوع الجبين شامخا إلى أن استشهد في 10 أغسطس عام 2023م.
ملاحم بطولية تلهم أجيال الجنوب:
خلد الشهيد القائد عبد اللطيف السيد مآثرَ لا تنسى من الذاكرة ولا تمحى بصماتها حيثما وطأت قدماه، ملاحم بطولية سطرها بعزيمة لا تقهر وإرادة لا تلين، جمع بين الحكمة والشجاعة، ترك خلفه دروساً في فنون القتال تلهم أجيال الحاضر والمستقبل، وترفع المعنويات في كل زمان ومكان.
خاض معارك لا ترحم، وواجه مواقف مرعبة، ومع كل فاجعة تواجهه كان يزداد قوة وصلابة وعزيمة وإصراراً على مواجهة التحدي بتحدٍّ أكبر منه.
ألحق بالتنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية خسائر كبيرة، وبات كابوساً يقض مضاجعها، ويقيد حركتها.
وكان – بشهادة الجميع – أحد أبرز القادة الميدانيين القلائل الذين أثبتوا وجودهم بفضل الله ثم بسواعدهم وبالثقة في النفس. بات مع الوقت أحد أهم الأعمدة والركائز الأساسية في القوات المسلحة الجنوبية.
نجح أثناء قيادته للجان الشعبية ثم الحزام الأمني بمحافظة أبين، في إعادة الاستقرار والسكينة العامة لعاصمة المحافظة “زنجبار” ولمدينة جعار وما حواليهما من القرى والأحياء، عقب أن عاثت فيها تنظيمات الإرهاب (القاعدة وداعش) فساداً وتدميراً في العام 2011م. ووضع حداً للاعتداءات التي كانت تطال الأعيان المدنية والقوات الأمنية بشكل متكرر. خاض وبكل بسالة حرباً مفتوحة مع تنظيمات الإرهاب، وكان لها بالمرصاد يلقنها الهزيمة تلو الأخرى.
غابت عنا قامة وطنية وعسكرية نادرة:
في السياق، كتب قائد قوات الحزام الأمني والتدخل السريع بالمنطقة الوسطى، محافظة أبين، العقيد عبدالله عبدالخالق المنصري أبو عرب، منشوراً إعلامياً، قال في بعض منه: في مثل هذا اليوم، قبل عامين، غابت عنا قامة وطنية وعسكرية نادرة، ورمز من رموز الكفاح الجنوبي، الشهيد القائد العميد عبداللطيف السيد، الذي ارتقى شهيداً في ميدان الشرف والبطولة، مقبلًا غير مدبر، مدافعًا عن الدين والوطن الجنوب والعقيدة، ضد فلول الإرهاب والخراب من تلك التنظيمات المتطرفة.
وأضاف المنصري قائلاً: الشهيد القائد عبداللطيف السيد لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان مشروع شهيد وطن وشعلة وعي، وسيفاً مشرعاً في وجه الظلم والإرهاب، قائد جسّد بمواقفه البطولية والوطنية أسمى معاني الرجولة والشجاعة والانتماء والإخلاص والفداء والتضحية. حمل على عاتقه همّ محافظة أبين خاصة والجنوب عامة، وأمنه واستقراره، وكان في مقدمة الصفوف دوماً، وخاض معارك الشرف ضد قوى الشر والتطرف والظلام في أحلك الظروف وأكثرها تعقيداً، وحقق كثيراً من النجاحات والإنجازات والانتصارات المكتوبة بالدم.
في هذه الذكرى الثانية التي تحل علينا لاستشهاده، نؤكد في قيادة قوات الحزام الأمني والتدخل السريع بالمنطقة الوسطى محافظة أبين، بالعهد الراسخ بأننا على درب الشهيد عبداللطيف السيد ورفاقه الأبطال الذين استشهدوا بجواره، وكل شهداء الجنوب الأبرار، على عهدكم باقون، نحمل رايتكم ونكمل مسيرتكم ومشواركم الذي رويتموه بدمائكم الطاهرة.
ونجدد عهد الوفاء لروح أبو محمد الطاهرة بأن تظل المنطقة الوسطى وأبين والجنوب، عصية على جماعة الإرهاب ومحرّمة على من يريد بها شراً أو العبث بأمنها.
لقد خسرنا جسد الشهيد القائد عبداللطيف السيد، لكن روحه لم تغب عنا، ما زالت تلهمنا العزيمة والإرادة، وتدفعنا للصمود، وتذكّرنا بأن الحرية والكرامة غالية جداً ولا تُمنح بل تُنتزع، وبأن طريق تحرير وتطهير الجنوب نحو النصر والاستقلال لا يمر إلا عبر تضحيات الشرفاء المخلصين المناضلين، أمثالك، رحمة الله تغشاك.
تأمل في مسيرة بطل:
من جانبه، خط الأستاذ سمير محمد الحييد، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة أبين، منشوراً إعلامياً عن الشهيد السيد، قال في بعض منه: هذه الإطلالة على شخصية الشهيد ليست تعريفاً عادياً بقائد ميداني، بل تأمل في مسيرة بطل حمل على عاتقه مهمة تطهير أبين من الإرهاب وعناصره، وحمل هموم أبناء محافظته في أصعب الظروف، وظل ثابتاً في مواجهة التحديات الكبرى التي عصفت بأبين خاصة والجنوب عامة.
وتابع الحييد قائلاً: في زمن الاستهداف والتآمر، برز عبد اللطيف السيد رمزاً لمقاومة الإرهاب، وقائداً صنع بصمته في سجل النضال الجنوبي، متحدياً كل من حاول المساس بأمن واستقرار المحافظة، ظل هدفه السامي هو تطهير أبين من الإرهاب، رغم كل العواصف التي واجهته.
وُلد السيد من رحم اللجان الشعبية في مديرية خنفر، ونشأ على خط النار وفي قلب المأساة. قاد اللجان الشعبية في أبين عام 2011، وشارك في تحرير عدن وأبين من مليشيات الحوثي عام 2015م، لم يحد يوماً عن منهجه الوطني الأصيل، وانطلق من فهم عميق لانتمائه للجنوب، راسخاً على مبادئ ثابتة لا تتبدل.
في ظل قيادته، تطورت اللجان الشعبية إلى قوات الحزام الأمني، بفضل الله ثم بدماء الشهداء، لتصبح قوة يُحسب لها ألف حساب، ورافعة لمشروع مكافحة الإرهاب. مثّل السيد نموذجاً للقائد الذي لم يتنازل عن الحلم رغم محاولات الاغتيال والتشويه، وظلت قوات الحزام الأمني بقيادته حصناً منيعاً وصمام أمان في زمن الارتباك السياسي والانهيار الأخلاقي.
وختم قائلاً: يبقى التحدي اليوم في أن نرسخ منهجية مدروسة للسير على خطاه، لنواصل مواجهة الإرهاب وحماية أمن واستقرار الجنوب.
تجدد المطالبة بالثار لدماء الشهداء واستكمال تطهير الجنوب من عناصر الإرهاب:
ختاماً..
جدد عدد كبير من الناشطين والساسة الجنوبيين مطالبة المجلس الإنتقالي الجنوبي والتحالف العربي، بالثأر لدماء الشهداء وتخليد مآثرهم وتدريسها للطلاب ضمن المناهج التعليمية بمدارس الجنوب، ومواصلة تطهير الجنوب من عناصر الشر والإرهاب.