الحلقة الثانية.. كيف ساهم ضعف مؤسسات “الدولة العفاشية” في تقوية الجماعة الحوثية، وتداعيات ما بعدها؟

تقرير / محمود أنيس:
في الحلقة السابقة، وهي الحلقة الأولى من سلسلة الحلقات التي تخص مليشيا الحوثي، تحدثنا معكم قراءنا الأعزاء عن كيفية نشأة جماعه الحوثي وتحولها. واليوم في الحلقة التانية سنتحدث ونستعرض كيف تم تقوية الحوثيين وماذا فعلوا..
لم تظهر مليشيات الحوثي قوية منذ البداية، بل مرت بعدة مراحل من التأسيس مثلما تحدثنا في الحلقة السابقة، وعملت على التمكين والتوسع حتى أصبحت كما هي اليوم.
وهنا نبدأ بالتوضيح بشكل مبسط عن كيفية تم تقويتها وما الذي قامت به.
كيف جرى تقوية الحوثيين؟
استغلال الأوضاع السياسية في البلاد:
للأسف من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في تقوية الحوثيين عسكرياً هو ضعف الدولة اليمنية، بسبب انتشار الفساد وانشغال السلطة بالصراعات مع الأحزاب الأخرى، وهذا أعطى الحوثيين فرصة للتمدد والحصول على تدريبات ساعدت في تقويتهم. حيث استغلت الجماعة ما يحدث وقامت بشراء السلاح من بعض التجار عبر مسؤولين فاسدين سهلوا وصوله للحوثيين بعد شرائه من تجار السلاح.
ولا ننسى الحروب الستة مع نظام علي عبدالله صالح (2004 – 2010)، فهذه الحروب جعلت من الحوثيين أكثر خبرة في القتال وجعلتهم قوة عسكرية منظمة.
من خلال هذه الحروب استطاع الحوثي الحصول والاستيلاء على معدات عسكرية ثقيلة، من مدرعات ودبابات وغيرها من الأسلحة، مما ساهم في تقوية الجماعه عسكرياً.
بالطبع، فإن التقوية العسكرية ليست كل شيء، بل سعت الجماعة للحصول على دعم مالي وفكري من إيران وحزب الله، سواء عبر التدريب أو التوجيه الإعلامي والعقائدي.
أحداث 2011 (الربيع العربي)
الحوثيون مثلهم مثل غيرهم ممن استغلوا ما يسمى حينها بـ”ثورة التغيير”، والتي كانت ثورة شبابية ركبت عليها الأحزاب المعارضة. وحينها قام الحوثيون بالتحالف مؤقتًا وبشكل غير علني مع قوى مختلفة ضد نظام صالح، مستفيدين من حالة الانقسام بين الأطراف السياسية.
وبعد سقوط نظام صالح وتعيين الرئيس السابق عبدربه منصور هادي رئيساً للبلاد، استمرت مليشيات الحوثي بتقوية نفوذها عسكرياً وميدانياً ومالياً، وذلك من خلال السيطرة على المعسكرات وأبرزها معسكر القشيبي في محافظة عمران، وغيرها من المواقع العسكرية. إلى جانب الاستيلاء على إيرادات التحصيلات المالية في المناطق التي فرضت سيطرتها عليها.
الانقلاب على الشرعية اليمنية:
عند قيامهم بالانقلاب على الشرعية الدستورية، وسقوط الدولة في أيديهم في سبتمبر 2014، استولى الحوثيون على أجزاء كبيرة من الأسلحة والذخائر والمنظومة الصاروخية التابعة للجيش اليمني، مما عزز قوتهم بشكل كبير، وبالتالي تمكنت الجماعة من الاستيلاء على ترسانة الجيش اليمني.
عقد الحوثيون تحالفًا تكتيكيًا مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي وفّر لهم السلاح الثقيل والخبرة العسكرية وشبكة نفوذ داخل الجيش، إلى جانب ما استولوا عليه من سابق.
وبحسب مراقبين للشأن اليمني، فإن الرئيس صالح تحالف مع الحوثيين قبل انقلابهم، مشيرين إلى أن هذا التحالف هو من مكنهم من الانقلاب على الشرعية اليمنية، واجتياح صنعاء في سبتمبر 2014، والسيطرة على مؤسسات الدولة.
ومع مرور الوقت بدأ الحوثيون بتطوير قدراتهم في التصنيع العسكري، حيث أعلنوا عن امتلاكهم لطائرات مسيرة محلية الصنع، وقدرات متزايدة في تصنيع الصواريخ الباليستية، مما يشير إلى جهودهم لتطوير قدراتهم العسكرية محليًا، حسب تقرير لـ”الجزيرة نت” وغيرها من التقارير الإعلامية والاستخباراتية.
الدعم الخارجي:
تلقى الحوثيون دعماً عسكرياً من إيران وحزب الله، بما في ذلك نقل المعدات والتدريب والمساعدة التقنية، مما ساهم في تعزيز قدراتهم العسكرية بشكل كبير، وفقاً لتقرير أممي.
كما حصلوا على دعم عسكري ولوجستي من إيران (صواريخ، طائرات مسيّرة، خبراء).
كما استفادوا من الدعم الإعلامي والسياسي الإقليمي المعادي للتحالف العربي.
كما عمل الحوثيون على استغلال الوضع الإقليمي المتوتر بتوسيع تعاونهم مع محور المقاومة، الذي يضم إيران وحلفاءها، مما عزز من نفوذهم العسكري والسياسي.
ماذا فعلت جماعة الحوثي بعد تقويتها؟
حرص الحوثيون على السيطرة على مؤسسات الدولة، حيث قاموا بالاستيلاء على العاصمة اليمنية صنعاء والوزارات والبنك المركزي، وفرضوا سلطة أمر واقع عبر “اللجان الثورية” ثم “المجلس السياسي الأعلى”، ليس في صنعاء فقط بل في جميع المحافظات والمدن الواقعة تحت سيطرتهم.
الحرب والتوسع العسكري
سيطرت مليشيات الحوثي على معظم المحافظات الشمالية، وخاضت حربًا مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.
فبعد قيام الحوثيين بفرض سيطرتهم على الدولة في صنعاء والمحافظات المجاورة لها، بدأت في عملية التوسع إلى مدن ومحافظات أخرى مثل تعز ومأرب والمحافظات الجنوبية.
وبعد وصولهم إلى العاصمة عدن تدخل التحالف العربي لاستعادة الشرعية، والذي كان له دور محوري وهام في تحرير معظم المدن اليمنية أبرزها الجنوبية، بالتعاون مع أبطال المقاومة الجنوبية.
فرض الأيديولوجيا
أفعال الحوثي لم تقتصر على المستوى العسكري أو المالي فقط، بل وصل إلى نشرهم لفكرهم الطائفي من خلال المناهج الدراسية والإعلام والخطاب الديني، وفرضوا شعاراتهم مثل “الصرخة” في المدارس والمساجد.
فرض ضرائب وجبايات
قامت مليشيات الحوثي بفرض ضرائب وجبايات على التجار والمواطنين لتمويل حربها تحت مسمى “المجهود الحربي”، فضلاً عن قيامها بالسيطرة على عائدات ميناء الحديدة وقطاع الاتصالات.
الانتهاكات الإنسانية
ارتكبت مليشيات الحوثي جرائم لا حصر لها، أبرزها تجنيد الأطفال والاعتقالات التعسفية وقمع المعارضين، وأبرز جرائمهم أيضاً استخدام الألغام بكثافة.
المواجهة الإقليمية
شنت مليشيات الحوثي هجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة على السعودية والإمارات. وآخر أفعالهم تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر تحت حجة الدفاع عن فلسطين.
ختاماً..
قُوّيت جماعة الحوثي عبر خليط من الدعم الخارجي (إيران)، التحالفات الداخلية (مع صالح)، وضعف الدولة اليمنية. وبعد أن أصبحت قوية، فرضت سلطتها بالقوة، وخاضت حروبًا، وغيّرت البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن.