الحلقة الثالثة والأخيرة.. إنهاء انقلاب المليشيات الحوثية والقضاء عليها.. كيف ومتى…؟!

كريترنيوز /تقرير/ محمود أنيس
استعرضنا معكم قراءنا الأعزاء في الأسبوعين الماضيين حلقتين، حول كيف نشأت جماعة الحوثي؟ وكيف بدأت تقويتها؟ وماذا فعلت؟.. وفي عددنا لهذا الأسبوع نستعرض الحلقة الثالثة والأخيرة معنا، عن إمكانية القضاء على مليشيا الحوثي وإنهاء انقلابها.
حسب قراءتنا للأحداث والتطورات التي مرت بها مليشيات الحوثي، والوضع الذي تشهده البلاد في الوقت الحالي، فإننا نلاحظ بأن القضاء الكامل عسكرياً على الحوثيين، وذلك من خلال تفكيك القيادة، ونزع السلاح، وإنهاء السيطرة على الأرض، احتمالُه منخفض في الأمد القصير والمتوسط، نظرًا لتماسك البنية الأمنية للحوثيين، وطبيعة الجغرافيا، بالإضافة إلى تطويرها للأسلحة بالاستعانة بالخبراء الخارجيين، الذين ساهموا في تطوير قدرتهم الصاروخية وصناعة المسيّرات، الذي كان للدعم الخارجي دور مهم في ذلك.
إلا أن على المدى المتوسط يمكن القضاء على الحوثيين، وذلك من خلال التفكيك التدريجي عبر مزيج من الضغط العسكري المحدود، وقطع سلاسل الإمداد، والاتفاقات الاقتصادية/السياسية، والاختراقات الداخلية، في حال توفرت بيئة إقليمية ضاغطة، وتمويل إنساني واقتصادي مستدام، وسلطة بديلة جاذبة.
الاحتواء طويل المدى مع تقليص القدرات وفرض كلفة دائمة عليهم، هو السيناريو الأرجح في المدى المنظور، ما لم تحدث صدمة استراتيجية (انقسام داخلي حاد، أو تسوية شاملة بضمانات قوية).
الوضع الراهن باختصار
نلاحظ بأن الحوثيين يحتفظون بقدرات صاروخية ومسيّرات متطورة نسبيًا، مع دعم خارجي تقني ولوجستي محسّن بمرور الوقت.
حيث كشفت تقارير رسمية غربية وأممية عن دور إيراني في التدريب والتسليح، ونقل المعرفة والخبراء والمعدات، بما في ذلك مكونات للطائرات المسيّرة والصواريخ، والتي ساهمت في تطوير منظومة السلاح لدى الحوثيين.
وفي متابعتنا للمشهد العسكري داخل اليمن، فقد شهدت البلاد هدنة متقطعة منذ 2022، خفّضت مستوى القتال الواسع، لكن الاشتباكات والضغوطات مستمرة، فيما بقيت البيئة الإنسانية شديدة الهشاشة (نحو 19.5 مليون إنسان بحاجة للمساعدة عام 2025).
القضاء على الحوثيين يأتي من خلال طرق عديدة، ولكن على المدى المتوسط والبعيد، إلا في حال حدوث انقسام داخلي للجماعة واقتتال فيما بينها، حينها سيسهل القضاء عليها بشكل أسرع.
فالقضاء على الحوثي لن يحدث إلا بعوامل عديدة، نستعرض بعضاً منها على النحو الآتي:
إزالة السيطرة على الأرض واستعادة مؤسسات الدولة
وذلك من خلال تقدم الجيش الشرعي والقوى المساندة له، لتحرير الأراضي الواقعة تحت قبضة مليشيات الحوثي وفرض السيطرة عليها، إلى جانب استعادة المؤسسات وسحب البساط من تحت أيدي الحوثيين وأتباعهم.
نزع القدرات العسكرية المتوسطة والبعيدة (صواريخ، مسيّرات، ألغام، زوارق مسيّرة)..
وحدوث ذلك يكون من خلال خلق شركاء واتفاق إقليمي ودولي، على إنهاء الحوثيين والقضاء عليهم، لأن استهداف مواقع ومخازن الصواريخ والمسيرات والزوارق يحتاج إلى تدخل جوي وبحري دقيق، وهذه الإمكانيات لا يمتلكها الجيش الشرعي حالياً، ولكن يمكن حدوث ذلك من خلال التعاون الإقليمي والدولي.
تفكيك البنية الأمنية والاقتصادية (الجمارك/الجبايات، شبكات الاتصالات، الاقتصاد الموازي).
حيث يتوجب على الدولة الشرعية والحكومة قطع كل وسائل توفير المال للحوثيين، وفي مقدم. ذلك قطاع الاتصالات الذي يخضع للحوثيين ويتربحون منه المليارات، والتي أغلبها تصرف على مشاريعهم الهدامة والحربية. كما يتوجب على حكومة الشرعية أن تخلق اقتصاداً يتفوق على الوضع في مناطق سيطرة الحوثيين، مما سيسبب إنهاكاً لهم.
إحداث شروخ داخلية بين الأجنحة الأمنية/الاقتصادية، أو بسبب ضغط مالي/خدمي، يتطلب بديلًا إداريًا سريع الانتشار لاستيعاب الفراغ.
التنسيق الداخلي مع معارضي الجماعة..
تفعيل العمل الاستخباراتي لدى الدولة الشرعية أمر ضروري لخرق الجهاز الأمني لدى الحوثيين، من خلال استقطاب شخصيات وأطراف معارضة أو موالية لهم، وذلك مع التنسيق لاستهداف الجماعة من الداخل.
ومن طرق القضاء على الحوثيين يأتي وفق القانون الدولي:
ـأدوات الضغط الممكنة (ضمن القانون الدولي).
-تفكيك سلسلة الإمداد الخارجي.
حدوث هذا يكون من خلال التنسيق الإقليمي والدولي والمحلي، لأجل تعقّب التمويل والمكونات الحساسة للمسيّرات/الصواريخ وتجفيفها (اعتراضات، عقوبات نوعية على الوسطاء والشركات الواجهة).
وذلك يحدث من خلال مراقبة طرق الملاحة البحرية والمنافذ البرية، فالحوثيون يحصلون على دعمهم الخارجي عبر هذه المنافذ.
تفوق جوي/ بحري ذكي
يتوجب إقامة تنسيق وشراكة بين القوات الشرعية والموالية لها والقوات الدولية، لتحقيق ضربات دقيقة لورش التصنيع، ومخازن المكونات، ومحطات تجميع/ اتصال، مع تقليل الأضرار بحق المدنيين، والامتثال الكامل لقواعد الاشتباك والقانون الدولي الإنساني.
اختراقات داخلية
تفعيل العمل الاستخباراتي بشكل أدق، بالتعاون مع أجهزة استخبارات دولية وإقليمية لتفكيك الدوائر الأمنية والاقتصادية عبر الانشقاقات، وتأمين مسارات آمنة وخيارات مستقبلية للمُنشقّين غير المتورطين بانتهاكات جسيمة.
بديل حكم وخدمات جذّاب
لن يحدث حكم بديل إلا في حال حدث تحسين الخدمات والرواتب والمساعدات، في المناطق خارج سيطرة الحوثيين، الخاضعة للحكومة الشرعية، حيث أن لبناء مقارنة أداء تُضعف جاذبية مشروعهم. تقارير أممية تؤكد أهمية المعالجات الاقتصادية والتمويل الإنساني، فهذا يسهل من تقبل البديل في مناطق الحوثيين.
شروط لازمة لاقتراب القضاء الفعلي على الحوثيين:
سقف دولي موحّد يضبط سلاسل الإمداد ويُغلق الثغرات التجارية للمكوّنات الحساسة.
قدرة حكومية/ محلية بديلة لتقديم الأمن والخدمات والرواتب سريعًا في أي مناطق يجري انتزاعها.
مسار عدالة انتقالية يميّز بين القيادات المسؤولة عن الانتهاكات ومن يمكن دمجه، مع ضمانات حماية للمدنيين وإجراءات محاسبة.
استدامة التمويل الإنساني والاقتصادي لمنع فراغات تُعيد تدوير الأزمة.
ختاماً..
القضاء التام على مليشيا الحوثي ليس مستحيلًا نظريًا، لكنه غير مرجّح سريعًا بدون حزمة متزامنة: خنق الإمداد التقني، ضغط عسكري دقيق وطويل النفس، مسار تفاوضي مشروط وقابل للتحقق، وتمكين بديل حوكمي/اقتصادي جاذب للناس.
أي مقاربة يجب أن تُحافظ على القانون الدولي الإنساني، وتقلّص الأذى للمدنيين في ظل هشاشة إنسانية غير مسبوقة.