تقارير وحوارات

اقتصاديون: تمرد الصرافين والتأرجح المفتعل للعملة يهددان بإعادتها إلى المربع الكارثي

كريترنيوز/ تقرير

 

أواخر أغسطس/ مطلع سبتمبر الجاري، شهدت العملة المحلية، الريال اليمني الطبعة الجديدة المتداولة في الجنوب، تارجحاً وعدم استقرار في قيمتها المعتمدة من قبل البنك المركزي بالعاصمة عدن (428 ريالاً) مقابل الريال السعودي الواحد.

ارتفاع وهبوط غير مفهوم وغير مبرر، تراوح ما بين 340 إلى 300 إلى 280 وصولاً إلى 250 ريالاً، ثم العودة إلى 300 ريال للريال السعودي الواحد، وهكذا دواليك.

 

تأرجح أثار مخاوف المواطنين الذين هرعوا مسرعين إلى محلات الصرافة لبيع مدخراتهم من العملات الأجنبية (دولار وريال سعودي وغيرهما)، مقابل تلك الأسعار المزاجية التي حددها الصرافون، خوفًا من عملية انهيار أكبر قادمة للصرف.

وتضاعفت مخاوف المواطنين في ظل سكوت البنك المركزي بالعاصمة عدن، حيث استمرت عملية التلاعب بالريال اليمني قرابة 48 ساعة.

تأرجح العملة أثار تساؤلات حول حقيقة ما يجري الترتيب له، من قبل الجهات الرسمية المعنية في الحكومة ومركزي عدن.

ومع زيادة إقبال المواطنين، خفضت شركات الصرافة سعر شراء العملات الأجنبية، ما جعلها تشتري كميات كبيرة من العملات الأجنبية بأسعار وصلت إلى أقل من 10% من السعر المحدد من قبل البنك المركزي.

 

مساء 31 أغسطس المنصرم، تدخل البنك المركزي ليعلن للشعب عن تثبيت سعر الصرف السابق 428 ريالاً مقابل الريال السعودي الواحد. وقال البنك في بيان إنه بصدد اتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين للحفاظ على استقرار السوق، ومؤكداً في السياق أن المبالغ التي اشترتها البنوك وشركات الصرافة، خلال اليومين الماضيين، هي ملك للبنك المركزي. الأمر الذي يطرح تساؤلات – بحسب اقتصاديين – عن الجهة التي تقف خلف ذلك التلاعب..

مشيرين إلى أن محلات الصرافة ليست وحدها المتورطة، ويبدو أنها لم تقم بتلك الخطوات من تلقاء نفسها، معتبرين مركزي عدن شريكًا مباشراً أو غير مباشر في عملية التحايل تلك، وأن سكوته ليومين واعتباره النقود التي أخذت من المواطنين في عملية النصب الكبيرة تلك ملكًا له، دليل على تورطه.

 

استنكار وتكهنات:

 

المنظمة الوطنية الجنوبية لمكافحة الفساد طالبت البنك المركزي – عدن، بكشف المتورطين في المضاربة بالعملة.

ودعا اقتصاديون إلى إغلاق شركات الصرافة التي مارست المضاربة وقامت بالبيع أو الشراء بالمخالفة لسعر البنك المركزي.. مجددين التأكيد على أن استمرار تمرد الصرافين وتأرجح العملة المفتعل يهددان بعودتها إلى المربع الكارثي، حيث وصلت إلى 760 ريالاً مقابل الريال السعودي الواحد سابقاً.

 

الخبير الاقتصادي الدكتور علي المسبحي، أشار إلى أن انخفاض أسعار الصرف خلال اليومين الماضيين، كان ناتجاً عن ضغوط وإجراءات مارسها البنك المركزي على محلات الصرافة بالشراء وعدم البيع، مما تسبب بوجود فائض من العملات الأجنبية لديهم وانعدام العملة المحلية. وللخروج من هذه الضغوط، لجأت محلات الصرافة إلى خفض أسعار الصرف والسماح بالبيع والشراء في نفس الوقت للحصول على فارق وهامش كبير، والحصول على العملة المحلية وتحقيق أرباح.

 

وأضاف الدكتور المسبحي – في منشور على صفحته في الفيسبوك – أن عدم استغلال البنك المركزي فرصة انخفاض أسعار الصرف والتعامل معه بإيجابية وتحديد سعر رسمي أقل، ساهم في تحقيق مكاسب كبيرة لمحلات الصرافة، حيث إنهم يشترون الريال السعودي بـ300 ريال ويبيعونه بـ370 ريالاً، بفارق كبير.

وعندما رفض البنك المركزي اعتماد انخفاض أسعار الصرف الجديد، فإنه سيقوم مضطراً بشراء الريال السعودي من محلات الصرافة بسعر 428 ريالاً، هذا الأمر تسبب بتربّح محلات الصرافة، وتحقيق مكاسب كبيرة لهم تعوضهم عما خسروه خلال الفترة السابقة على حساب المواطنين. وكان هناك لوبي فساد يحاول التخفيف على الصرافين كلما ضاق بهم الحال.

 

وأكد الخبير الاقتصادي أن المواطن هو الخاسر الأكبر من عملية التلاعب تلك، حيث تكبد خسائر مالية كبيرة في مدخراته، وهذا الأمر يتحمله البنك المركزي كونه من المفترض أن يمنع عملية انخفاض أسعار الصرف بسرعة إذا كان لا يريد ذلك.

وأفاد الدكتور المسبحي أن البنك المركزي تأخر يومين، وهي فترة طويلة، حتى إصدار بيان عدم اعتماده لسعر الصرف الجديد، وكأن الأمر مفتعلاً حتى يحقق الصرافون أكبر مكاسب متوقعة.

كما ساهمت الآلة الإعلامية لبعض المضاربين بأن سعر الصرف سوف يستمر في الانخفاض – في ظل صمت البنك المركزي – في إيجاد حالة هلع لدى المواطنين الذين سارعوا لبيع ما بحوزتهم من مدخرات من العملة الصعبة، وهي كانت عملية نصب مكتملة الأركان.

 

واختتم الدكتور المسبحي بأنه يتوجب على البنك المركزي تحمل مسؤوليته في حماية مدخرات المواطنين، من خلال عدم السماح بالتلاعب بأسعار الصرف، واتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين.

 

مواطنون غاضبون ومذكرات إلى النائب العام:

 

مواطنون غاضبون تجمهروا أمام بعض محلات الصرافة بالعاصمة عدن، التي مارست عليهم عملية النصب والاحتيال، مطالبين بإعادة أموالهم، وداعين في الوقت نفسه الجهات المختصة بإنزال عقوبات صارمة وفورية بحق شركات ومحلات الصرافة المتورطة، وكذا نشر أسماء المتلاعبين وإغلاق محلاتهم وفقًا للقانون، وتشديد الرقابة المستمرة على سوق الصرافة لمنع تكرار هذه الجرائم.

مؤكدين أن تقاعس مركزي عدن والحكومة عن محاسبة المتلاعبين يُعد مشاركة في الجريمة، ويفقد ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية.

 

الناشط أحمد سعيد كرامة رفع من خلال منشور له بلاغاً إلى النائب العام القاضي قاهر مصطفى، قال فيه: حفظكم الله ورعاكم.. حول ما جرى من مضاربة علنية جهاراً نهاراً لمعظم شركات الصرافة والبنوك التجارية في عدن، وعموم المحافظات المحررة تحديداً، حيث شهد سوق الصرف مضاربة لم يحدث مثلها من سابق، ترك الناس فريسة سهلة لاستنزاف مدخراتهم بصورة غير قانونية، وبالدليل من نشرات بيع وشراء العملات الأجنبية والإقليمية، حيث كان الفارق كبيراً بين الشراء والبيع، مع توقف معظم الصرافين عن البيع والاكتفاء بالشراء فقط.. ناهيك عن إغلاق معظم التطبيقات المالية للسحب والتحويلات، مما سبب ضرراً لمعظم المودعين. متسائلاً في ختام منشوره : أين دور البنك المركزي اليمني في عدن، ممثلاً بقطاع الرقابة على البنوك مما حدث؟!

 

كما وجهت منظمة السلام عدن للتنمية، بلاغًا إلى النائب العام القاضي قاهر مصطفى، طالبت فيه بفتح تحقيق مستقل في المضاربات بأسعار صرف العملة التي شهدتها العاصمة عدن خلال اليومين الماضيين. ووجهت اتهاماً لبعض البنوك التجارية وشركات الصرافة بالضلوع في هذه المضاربات، وأن مركزي عدن لم يقم بمهامه الرقابية بشكل فعال.

وأشارت المنظمة إلى أن البنك المركزي أصدر مساء الأحد 31 أغسطس 2025 بيانًا أقر فيه تثبيت سعر الريال السعودي عند 425 ريالاً شراء، و428 ريالاً بيع، واعتبر أن كافة المبالغ التي اشترتها البنوك وشركات الصرافة من العملات الأجنبية، خلال اليومين الماضيين، أصبحت ملكًا له.

 

وأوضحت المنظمة أن البيان تضمن مخالفات قانونية، أبرزها مصادرة الأموال الخاصة بما يخالف الدستور والقانون المدني، وغياب الشفافية في آليات المصادرة، وتعامل البنك بما يتجاوز اختصاصاته، إضافة إلى المساس بحقوق المتعاملين، وإضعاف الثقة بالنظام المالي، وشبهة حماية المضاربين بدلاً من محاسبتهم.

 

وطالبت منظمة السلام عدن النائب العام باتخاذ إجراءات عاجلة، تشمل فتح تحقيق مستقل في المضاربات الأخيرة، ومراجعة قانونية لبيان البنك المركزي، وإلزام البنوك وشركات الصرافة بإرجاع فروقات أسعار الصرف للمواطنين والتجار المتضررين، ومحاسبة المسؤولين، وتعويض المتضررين، وضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات الاقتصادية مستقبلاً.

 

رئيس تحرير صحيفة “الأمناء” الأستاذ عدنان الأعجم، قال في منشور على صفحته بالفيسبوك: يتحمّل محافظ البنك المركزي المسؤولية عمّا حدث، فصمته المطبق غير مقبول، والبيان الصادر جاء متأخرًا ولا يعكس الجدية المطلوبة. لقد تسبب انهيار سعر الصرف للمواطنين بحالة من الذعر جعلتهم يهرولون نحو شركات الصرافة، وكان يفترض أن يكون البنك في قلب الأزمة منذ البداية باتخاذ إجراءات حاسمة، تعكس هيبة الدولة وتحمي استقرار المعيشة.

 

ختاماً..

التلاعب الأخير في سعر العملة المحلية بالعاصمة عدن والمحافظات المحررة، أكد صراحة أن الشفافية والمصداقية حلقات لا تزال مفقودة في سلسلة الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، ما يجعل نجاحها على المحك.

زر الذهاب إلى الأعلى