تقارير وحوارات

في تشريح الجريمة الكبرى.. عندما يكون الفساد أداةً سياسية… تعز انموذجا

كريترنيوز /تقرير /حافظ الشجيفي

 

تنسدلُ ستائر الواقع على مسرحٍ تتداخل فيه المشاهد، وتُلقي بظلالها على حقائقَ تبدو للعيان بسيطةً وعفوية، بينما هي في العمق نتاجُ مؤامراتٍ معقدة وحبكٍات مُتقنة. وفي خضم هذا المشهد المربك، سأبدأ بالحديث في هذا المقال بما أطلقتُ عليه بالفساد السياسي، ولا أدري إن كان هناك من سبقني بإطلاق هذا الاسم على هذا الفساد الذي أعنيه ام لا، ولكنه بات حقيقةً ماثلةً في واقعنا، لا في تعز وحدها، بل في كل أرجاء اليمن، وفي العديد من بلداننا العربية.
وابعاد وتعريف الفساد السياسي: تالذي أتحدث عنه هنا ليس مجرد اختلاسٍ للمال العام أو استغلالٍ للمنصب من أجل تحقيق مكاسب شخصية، بل هو فسادٌ مفتعل ومدعوم بشكلٍ متعمد ومدروس في أوساط السلطة والمجتمع. وهدفه الأول والأخير يتمثل في تحقيق غايات واهداف سياسية بحتة، لا علاقة لها بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية للفساد التقليدي المعروف. ولعل أخطر ما يميز هذا النوع من الفساد هو قدرته على افتِعال الأزمات الاقتصادية والخدمية، ثم تبريرها أمام الرأي العام بأنها نتاجٌ للفساد العادي، بينما الهدف الحقيقي من وراء افتعالها هو تحقيق أجندات سياسية، غالبًا ما تكون مرتبطةً بقوى خارجية تسعى للتأثير على مقدرات الشعوب وتماسكها الاجتماعي.

ومن هذا المنطلق، يمكننا التأكيد بأن ما يجري في تعز من فسادٍ اقتصادي وإداري واجتماعي، ومن انتشارٍ للعصابات المسلحة وأعمال البلطجة والجريمة، هو نتاجٌ مباشرٌ لهذا الفساد السياسي. ضمن مخططٌ متعمد ومدعوم من الخارج، يُتم تنفيذه عبر أدواتٍ محلية متمثلة في السلطات المركزية والمحلية، وبالاشتراك مع عناصر معينة من المجتمع. حيث تستهدف هذه الأجندة السياسية بشكلٍ أساسي تقسيم البلاد إلى أقاليم كخطوة اولى على طريق تقسيمها الي ودول مستقلة لاحقا. وما يحدث في تعز ليس سوى صورةٍ طبق الأصل لما يحدث في عدن، وإن اختلفت الدرجات بحسب الكثافة السكانية والتماسك الاجتماعي. فمشاريع التقسيم لا تستهدف الجغرافيا فحسب، بل هي بالدرجة الأولى تستهدف تقسيم الشعب، لأن تفكيك النسيج الاجتماعي هو الخطوة الأولى نحو تفتيت الكيان السياسي..

وفي تعز تحديدًا، يتجلى هذا الفساد في أبشع صوره، واذا تتبعنا مسار حياة الشهيدة افتهان المشهري، التي قُتلت على يد عصاباتٍ إجرامية في المدينة مؤخرًا، منذ لحظة تعيينها في منصب مديرة النظافة وحتى لحظة مقتلها في سوقٍ شعبي مكتظٍ بالناس وأمام أعينهم، سندرك أن العملية برمتها كانت تسير ضمن مخططٍ دراماتيكي في سياق هذا الفساد السياسي. حيث لم يكن مقتلها جريمةً عفوية، بل كان تتويجًا لمخططٍ يهدف إلى تحريك الشارع واستثارة عواطف الجماهير، لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ خفية لا تدركها الجماهير التي تعتقد أن ما يحدث هو نتيجة فسادٍ اقتصادي عفوي، بينما هو في حقيقته نتاجٌ لفسادٍ سياسي ممنهج.
ولعل خير دليلٍ على هذا المخطط هو تقاعس السلطات المركزية والمحلية ومماطلتها في احتواء تداعيات الجريمة، رغم قدرتها على حسمها وضبط الجناة والقبض عليهم منذ اللحظة الأولى لوقوعها. فهذه المماطلة من قبل السلطات المحلية لم تدفع السلطات المركزية إلى اتخاذ أي إجراءٍ بحقهم، وكأن الجميع يريد تأجيج انفعالات الشارع، واستغلال حالة الغضب لتحقيق غاياتٍ تتجاوز مجرد الأمن والنظام.
وختاما يمكن التاكيد، بإن الفساد السياسي هو الخطر الأكبر الذي يواجه أوطاننا، لأنه يتجاوز السرقة المالية ليتحول إلى أداةٍ لتدمير الأوطان وتفكيك وحدتها. إنه فسادٌ يرتدي قناعًا شفافًا، يجعلنا نرى ما يريد أن نراه، بينما تتوارى وراءه الحقائق المرة والمخططات الخبيثة.

زر الذهاب إلى الأعلى