في أسواق الخردة والحراج.. مواد وسلع لا تتوقع بيعها ولا الفائدة منها.!

تقرير/ محمود أنيس:
في زمن تتسارع فيه معدلات الاستهلاك، وتتكدس المخلفات في البيوت والشوارع، يبرز جانب مهم قلّما يلتفت إليه الناس، وهو قيمة الأشياء المستعملة والخردة. فما يراه البعض “نفايات” لا تصلح إلا للإلقاء، قد يمثل للآخرين مصدر رزق، أو فرصة لتجديد الاستخدام، أو حتى مادة خام تدخل في صناعات جديدة.
ونلاحظ في شوارع وأسواق العاصمة عدن، القديمة والحديثة، انتشار محلات وورش صغيرة تبيع وتجمع الأدوات المستعملة والخردة. وبينما يعتبرها البعض “بضاعة منتهية الصلاحية”، يرى آخرون فيها باب رزق وحياة جديدة للأشياء.
وأبرز هذه الأسواق سوق الحراج في مدينة كريتر، الواقع في منطقة الميدان، والذي قمنا بزيارته وثوثيق ما يباع فيه، بالإضافة لسوق مدينة الشيخ عثمان، الواقع عند مسجد النور.
حيث لاحظنا في هذين السوقين وجود كل شيء، ومثلما يقول المثل “من الإبرة إلى الصاروخ”. ما يلفت النظر في تلك الأسواق أن هناك أشياء لا تتوقع أن أحداً يقوم بشرائها، إلا أن هناك من يشتريها ويبحث عنها بشكل معين.
فهناك أدوات منزلية، وكهربائية، وصحية، وملابس، وأثاث، وأشياء كثيرة قد لا تستوعب وجودها، إلا أن الصور ستوضح لك ذلك مثلما هو على أرض الواقع.
قيمة اقتصادية ومعيشية:
الكثير من الأسر محدودة الدخل تستفيد من الأدوات والمستلزمات المستعملة التي تشتريها بأسعار زهيدة، مثل الملابس أو الأجهزة الكهربائية أو الأثاث، فتتحول تلك المقتنيات إلى فرصة لتلبية احتياجات أساسية بتكاليف أقل.
أما جامعو الخردة، فيعتمدون على فرز المعادن والبلاستيك وبيعها لمصانع إعادة التدوير، مما يوفر لهم دخلاً يومياً ثابتاً.
كما أن تلك الأسواق تسهل للأسر البسيطة شراء بعض قطع الغيار التي تحتاجها لبعض الأدوات الكهربائية والمنزلية بأسعار معقولة، لأن البائع هو أيضاً يشتريها بثمن زهيد.
تحدث إلينا العم مأمون العبد، من سكان مدينة كريتر – وأحد ملاك الفراشات بالسوق، قائلاً: “إن هناك بعض عمال الأدوات الكهربائية يأتون إلينا لشراء قطع يحتاجونها في عملهم بدلاً من الذهاب إلى محل رسمي يبيعها بسعر مضاعف.
وفي سؤالنا عن سبب قيامه بالبيع بأسعار بسيطة، قال العم مأمون: “أنا عندما يأتي إلي شخص يريد يبيع مثل خلاط عصير، أقوم بشرائه منه بدون فحص، فقد يكون صالحاً أو عاطلاً، بمبلغ بسيط، لأني أنا بستفيد من القطع التي بداخل الخلاط هذا، فإذا كنت مثلاً اشتريته بـ 3000 ريال أقوم ببيع الأشياء التي بداخله على قطعة قطعة، وأستفيد مع المبلغ المدفوع مبلغ قد يصل إلى 6 أو 7 ألف ريال.
فائدة بيئية كبيرة:
إعادة استخدام الأشياء المرمية تقلل من حجم النفايات الصلبة التي ترمى في الشوارع أو المكبات. كما أن إعادة تدوير المعادن والبلاستيك يساهم في خفض استنزاف الموارد الطبيعية، والحد من التلوث الناتج عن حرق أو طمر هذه المواد.
لهذا، فإننا نرى كل شيء يوجد بهذه الأسواق الشعبية، التي تمتلئ بالباعة والمشترين، بالإضافة إلى المتفرجين، لأنها حالة غريبة.
فرص للإبداع والصناعة:
هذه الأسواق تخلق حالة من الإبداع وأحياناً التطور الصناعي الصغير والوسط. فهناك من يحول “الخردة” إلى مشاريع صغيرة مربحة، مثل ورش تصليح الأجهزة، أو إعادة صهر المعادن وتحويلها إلى أدوات جديدة. بل إن بعض الفنانين يستلهمون من بقايا الحديد أو الأخشاب أعمالاً فنية تزين المعارض والمنازل.
وفي هذا الإطار، قال أحد البائعين في تلك الأسواق، ويدعى “رجب معبود”، بأن هناك فتيات يأتون إلى السوق يسألن عن بعض الإكسسوارات أو الملابس التي عليها تطريزات، يستفدن منها بأخذ هذه القطع الصغيرة للعمل بها في أشياء أخرى.
لا داعي للاستغراب، فإننا قد ذكرنا لكم بأنه يوجد في تلك الأسواق كل ما لا تتخيله، حتى أن هناك أحذية وأشياء لا تتوقع وجودها.
ختاماً..
في عدن، لم تعد الخردة والأشياء المستعملة مجرد “بقايا بلا فائدة”، بل تحولت إلى اقتصاد موازٍ يعيل مئات الأسر، ويخفف من أعباء الفقراء، ويخدم البيئة والمجتمع في آن واحد. وبينما تواجه المدينة تحديات معيشية صعبة، يظل سوق المستعمل والخردة شاهدًا على قدرة الناس على تحويل المهمل إلى مورد نافع.