تقارير وحوارات

يحملون على عاتقهم أمانة بناء الأجيال.. معلمو حضرموت.

تقرير / صبري باداكي

في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تهيمن على المشهد الحياتي، يبرز معلمو محافظة حضرموت (ساحلًا وواديًا)، كشريحة مجتمعية نبيلة تحمل على عاتقها أمانة بناء الأجيال، بينما تعاني همومًا معيشية قاسية. فهم يواصلون أداء رسالتهم السامية في تعليم النشء وتنمية عقولهم، غير أن واقعهم المادي يشكل عائقًا كبيرًا أمام عطائهم المتواصل. إنهم يصارعون يوميًا من أجل تأمين أبسط متطلبات الحياة الكريمة لأنفسهم ولأسرهم، مما يجعل نداءهم من أجل إنصافهم أمرًا ملحًا لا يحتمل التأجيل.

لا تقتصر معاناة هؤلاء المعلمين على مجرد تأخر في صرف المستحقات المالية، بل تتجاوز ذلك إلى أزمة إنسانية حقيقية، إذ لم تعد رواتبهم الشهرية الهزيلة تكفي لشراء المواد الأساسية من غذاء ودواء. هذا الواقع المؤلم يضعهم أمام خيارات صعبة، بين الوفاء برسالتهم التعليمية والبحث عن مصادر دخل أخرى لتسدّ رمق العوز. وإن تآكل القوة الشرائية للريال أمام ارتفاع الأسعار جعل من راتب المعلم مجرد رقم شكلي، لا يعكس قيمة المهنة ولا يلبي الحد الأدنى من متطلبات الكفاف.

لذلك، تأتي مطالبتهم المشروعة بزيادة الراتب الشهري كحقّ أصيل وليس منّة أو هبة، فهم يستحقون حياة كريمة تليق بمكانتهم ورسالتهم الجليلة. وإن هذه المطالب هي استغاثة لإعادة الاعتبار لدور المعلم الذي يُعد حجر الزاوية في أي نهضة تنموية حقيقية. إن تلبية هذه المطالب ليست فقط واجبًا حكوميًا، بل هي استثمار حقيقي في مستقبل البلاد، فالمعلم المطمئن على وضعه المعيشي هو الأقدر على العطاء والإبداع.

“احتجاجات مستمرة”

بعد أن طفح الكيل وتجاوز الصبر حدوده بعد سنوات من المطالبة بحقوق المعلم المشروعة، التي باتت اليوم بلا قيمة، وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي أرهقت كاهل المعلمين داخل محافظة حضرموت بارتفاع أسعار المواد الأساسية، بحيث لم يعد الراتب يكفي إلا لشراء بعض المواد الأساسية مثل (الأرز والدقيق والسكر) دون الوصول إلى المواد الأخرى، ناهيك عن الأسماك والدواء والاحتياجات المتبقية للأسرة، كل هذا ومازال المعلمون يقومون بواجبهم في توصيل الرسالة السامية التي حُمّلت على عاتقهم. ولكن الصبر لديهم تجاوز الحدود، وانكسر الصمت ليرتفع صوتهم مطالبًا بأبسط مستحقاتهم المشروعة التي كفلها لهم القانون.

حيث نفّذ عشرات المعلمين وقفات احتجاجية متعددة في هذه السنوات الأخيرة، مطالبين بزيادة الراتب الشهري للمعلمين الثابتين والمتعاقدين، وصرف المستحقات المالية من علاوات وغيرها؛ حتى يتمكنوا من مواجهة تدهور القوة الشرائية للريال أمام ارتفاع الأسعار، التي جعلت راتب المعلم مجرد رقم شكلي لا يعكس قيمة المهنة ولا يلبي الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لأنفسهم.

وخلال الوقفات، رفع المشاركون من المعلمين والمعلمات شعارات تؤكد تمسكهم بحقهم في المستحقات المُحرومين منها، مشددين على مواصلة الوقفات الاحتجاجية حتى يتم الوفاء لهم وتكريمهم على تأدية رسالتهم السامية بالاهتمام بالتعليم وصنع الأجيال للمستقبل، الذي لا تقوم الأمم والدول إلا به، في وقت ينهار التعليم في بلادنا. وأشاروا إلى أن مطالبهم تستند إلى القانون واللوائح المنظمة للعمل النقابي.

فيما تابع المواطنون المحليون وقائع الوقفات عن كثب وسط حالة من الترقب، والتي نُظّمت أمام مبنى مكتب وزارة التربية والتعليم، بالتوازي مع وقفات مماثلة أمام إدارات التربية في عدد من المديريات. وجاءت هذه الخطوة تعبيرًا عن رفض المعلمين لما وصفوه بـ “التعسفات والتهديدات” التي تعرض لها المتعاقدون في قطاع التربية، والمطالبة بضمان حقوقهم المشروعة، ورفع أصواتهم أمام الرأي العام والجهات الرسمية.

“تضامن”

عبر عدد من الشخصيات الاجتماعية والأعيان والمواطنين عن تضامنهم ومساندتهم والوقوف إلى جانب المعلم، الذي بات يُهان في بلادنا بدل أن يُوقّر ويُكرم على تأدية رسالته السامية في نهضة التعليم، الذي يعتبر العمود الأساسي في تطوير الأمم والدول. وقالوا في هذا الصدد: “نحن نؤيد ونسعد بما يقوم به معلمونا للمطالبة بحقوقهم المشروعة بالطرق السلمية التي شرعها لهم القانون. وهم اليوم يعانون همومًا معيشية قاسية، بينما يواصلون أداء رسالتهم السامية في تعليم النشء وتنمية عقولهم لصناعة أجيال لها مستقبل في البلاد، فكيف يُحرمون من أبسط متطلبات الحياة الكريمة لأنفسهم ولأسرهم في ظل تدهور القوة الشرائية للريال أمام ارتفاع الأسعار الذي أرهق كاهلهم؟! ورواتبهم لا تكفي لشراء المواد الأساسية كلها، ناهيك عن شراء الأسماك والدواء عند المرض – لا سمح الله”.

وأضافوا:”ونطالب ونناشد التدخل من وزير التربية والتعليم في البلاد، والسلطة المحلية بالمحافظة، والجهات المعنية بالأمر، لإدراك الوضع الصعب الذي يمر به المعلمون، وتحقيق مطالبهم من أجل استمرار العملية التعليمية التي تشكل خطرًا قادمًا على أولادنا وعلى البلاد في حال تدهورها، مما يؤدي إلى انتشار البطالة والجهل بشكل كبير”.

“بارقة أمل”

مساع وجهود حثيثة يبذلها معلمو محافظة حضرموت، وها هم اليوم على أعتاب إشراقة شمس غد تحمل في طياتها بارقة أمل تبشرهم بما سعوا إليه خلال تلك السنوات الماضية لتحسين أوضاعهم بزيادة الرواتب الهزيلة التي لا تكفي لشراء المواد الأساسية لأسرهم في ظل تدهور القوة الشرائية، وصرف العلاوات ومستحقاتهم المشروعة ليعيشوا حياة كريمة، ويودعوا المعاناة اليومية التي ترافقهم في حياتهم”.

ختاماً..
إن النداء الإنساني والوطني الذي يطلقه معلمو حضرموت اليوم يستحق كل الدعم والتأييد من قبل كافة أطياف المجتمع ومؤسساته، وإن إنصافهم هو إنصاف للمستقبل وللتعليم الذي يمثل آخر خطوط الدفاع عن هوية الأمة وتقدمها. فليكن صوتهم مسموعًا، وليتحول كلامهم إلى فعل ملموس يخفف من معاناتهم، ويضمن لهم حياة كريمة تليق برسالة “اقرأ” التي يحملونها في عقولهم وقلوبهم.

زر الذهاب إلى الأعلى