تقارير وحوارات

الزراعة في ميفع بحضرموت.. تحديات جسيمة تهدد استدامتها وتقوض جهود المزارعين

تقرير / صبري باداكي:

تعتمد منطقة ميفع بحضرموت في اقتصادها على القطاع الزراعي، الذي يشكل مصدر الدخل الرئيسي للعديد من الأسر، إلا أن هذا القطاع يواجه في الوقت الراهن تحديات جسيمة ومتشابكة تهدد استدامته وتقوض جهود المزارعين، مما يتطلب وقفة جادة وتحليلًا دقيقًا للوصول إلى حلول ناجعة تعيد للزراعة عافيتها، وتضمن تحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي للمنطقة.

“معوقات”

برزت مجموعة من المعوقات الاقتصادية والتنظيمية كعوامل رئيسية أسهمت في تدهور الوضع الزراعي في منطقة ميفع، حيث يشكل ارتفاع أجور المعدات الزراعية الأساسية، كالحراثات والشيولات، اللازمة لتجهيز الأرض عائقًا كبيرًا أمام المزارع. يضاف إلى ذلك، الارتفاع الكبير في أسعار البذور للمحاصيل القرعية مثل (البطيخ والشمام ومحاصيل الخضروات). هذه التكاليف الباهظة تثقل كاهل المزارع الذي يعاني أساسًا ظروفاً معيشية واقتصادية صعبة.

إلى جانب الأعباء المالية، تواجه الزراعة في ميفع أزمة حادة في إدارة الموارد المائية، والتي تمثل شريان الحياة لأي نشاط زراعي. فعدم انتظام عملية الري والتلاعب بها من قبل جهات المنطقة، أدى إلى حرمان العديد من الأراضي من حصتها المائية، وقد نتج عن ذلك تلف محاصيل زراعية كاملة، مما أفقد المزارعين ثمار جهودهم وحرمهم من تحقيق أي عائد من مواسمهم.

كما ساهمت التغيرات المناخية القاسية، من ارتفاع درجات الحرارة وندرة الأمطار في المنطقة، في زيادة ملوحة التربة وتصحرها. ولا يمكن إغفال دور ضعف البنية التحتية الزراعية، وتراجع الدعم الحكومي، مما أفقد المزارعين القدرة على مجاراة التحديات.
ولم تكن تداعيات هذا الانهيار محصورة في الجانب الإنتاجي فحسب، بل امتدت لتصيب النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة في مقتل. فقد أدى تدهور الزراعة إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة، وهجرة واسعة النطاق لأبناء المنطقة بحثًا عن فرص العيش خارج واديهم الزراعي. كما تسبب ذلك في اهتزاز الأمن الغذائي المحلي، وزعزعة استقرار الأسر التي ارتبطت هويتها وكرامتها بأرضها ومحصولها.

إن تراجع الزراعة في ميفع لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تراكمات طويلة من الإهمال والعوامل الطبيعية والاقتصادية، ومن أبرزها: شح المياه وجفاف السواقي بسبب تراجع منسوب مياه الأمطار (السيول)، وعدم وجود مشاريع مستدامة لحصاد مياه الأمطار أو حفر الآبار، وغياب الدعم الزراعي الرسمي، وغياب الإرشاد الفني للمزارعين، مما جعل كثيرًا منهم يتركون أراضيهم ويبحثون عن عمل خارج ميفع لعدم الجدوى الاقتصادية، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، من بذور وأسمدة ومحروقات وآلات حراثة، خاصة بعد تراجع القدرة الشرائية للمزارع المحلي، وضعف البنية التحتية الزراعية، كقنوات الري وشبكات نقل المحاصيل، ما جعل الزراعة مجهدة وذات كلفة عالية.

هذا فضلاً عن التغيرات المناخية التي أثرت على خصوبة التربة وإنتاجية المحاصيل الموسمية، وذلك بسبب عدم استخدام التربة لسنوات طويلة، وفقدان الاهتمام بالأرض كمصدر رزق أساسي بعد ما تركها الأجداد ولم يهتم بها الأبناء أو الأحفاد.
ومن أهم المعضلات، الاعتماد على المنظمات التي لا تنفذ مشاريع مستدامة بقدر ما تنفذ مشاريع يستفيد منها المقاول المنفذ، وغيره ممن لهم علاقة بذلك.. هكذا كانت الأسباب التي أدت إلى انهيار وتدهور الزراعة داخل منطقة ميفع بمحافظة حضرموت.

“حلول بديلة”

على الرغم من المعاناة والحياة المعيشية الصعبة لأهالي منطقة ميفع، إلا أن لديهم رغبة وشغفاً للعمل بالزراعة، والسعي والحرص على إحياء الأرض وإعادة تعميرها بالمحاصيل الزراعية المتنوعة. زراعة ميفع قابلة للانتعاش من جديد شريطة توحيد الجهود ووضع خطط واقعية.

هناك حلول بديلة لتعافي الزراعة داخل المنطقة، ومنها: إعادة تأهيل الأراضي المهملة عبر مشاريع دعم حكومية أو مجتمعية، تركز على الري الحديث بالتنقيط وحصاد مياه الأمطار. كذلك يجب أن توضع خطة عمل للمواسم الزراعية في الفصول المناسبة، بالإضافة إلى تنظيم دورة الري وإلزام الجميع بها من مزارعين وملاك ومستثمرين، ووضع لائحة ري ووحدة صيانة لقنوات الري، وتشكيل لجان ري فاعلة، ووضع آليات عمل تخدم المزارع والمجتمع.

بالإضافة إلى دعم المزارعين ماديًا وتقنيًا، من خلال توفير البذور الجيدة والآلات الزراعية والمبيدات الآمنة بأسعار مدعومة ومناسبة للمزارع، وتشجيع الاستثمار الزراعي المحلي، بفتح المجال للشباب والمستثمرين لإنشاء مشاريع صغيرة في إنتاج الخضروات والفواكه.

فضلاً عن تفعيل الجمعيات الزراعية التعاونية، لتسهيل التسويق وشراء مستلزمات الزراعة بشكل جماعي. وإدخال محاصيل بديلة مقاومة للجفاف مثل (الذرة الرفيعة والسمسم والدخن) بدلًا من المحاصيل عالية الاستهلاك للماء.
إلى جانب إقامة دورات إرشادية للمزارعين حول الزراعة الحديثة وإدارة الموارد المائية بشكل مستدام. جُمعت هذه الحلول بهدف عودة الزراعة داخل منطقة ميفع وانتعاشها من جديد.

“آراء”

تحدث عدد من المواطنين، حيث قالوا: “الأرض لا تخون من يعشقها، وربما تمرض لكنها لا تموت”.. موجهين رسالة للمزارعين بميفع بأن يعودوا إلى تربتهم قائلين: “كل نبتة تُزرع فيها تعيد لميفع روحها التي عُرفت بها منذ القدم”. و”الزراعة ليست مهنة فقط، بل أمن غذائي واستقرار مجتمعي”، داعيًا الجهات الحكومية وغير الحكومية إلى أن “تدعم المزارع لا بالكلام، بل بالمشاريع والمياه والتقنيات الحديثة، فحين تزدهر ميفع يزدهر معها وجه حضرموت كله”. “لابد من عمل اتفاقية مكتوبة لتنفيذ أي مشاريع أو أعمال، لأن الاتفاقيات الشفوية دائمًا الخاسر فيها المستفيد لأنه يخسر فترة المواسم الزراعية بسبب توقف القنوات. الشيء الآخر الاعتماد على النفس نجاح والاعتماد على الآخرين فشل”.
بالإضافة إلى “أنه لابد من إشراف المزارعين أصحاب الخبرة على المشاريع، إلى جانب المهندسين الزراعيين خلال تنفيذ بعض المشاريع التي نُفذت دون الإشراف من المستفيدين، وبالأخص الدفاع الذي نُفذ لدفاع قناتي باحفيظ وبن طالب. في مثل هذه المشاريع على مكتبي الزراعة بالمديرية والمحافظة الاستعانة بأصحاب الخبرة لاستدامتها وعائدها للمزارع، وري الأراضي الزراعية التي حُرِمت بسبب انهيار ذلك الدفاع”..
مناشدين الجهات الحكومية وغير الحكومية بالتدخل السريع لإنقاذ حياة الزراعة بمنطقة ميفع، والعمل على إحياء الأرض من جديد وعمارتها بالمحاصيل الزراعية المتنوعة.

ختاماً..

إن إنقاذ الزراعة في ميفع لم يعد مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لاستعادة عافية المجتمع والاقتصاد. وهذا يتطلب تكاتف الجهود على مستوى الأفراد والمؤسسات، لتبني حلول مستدامة مثل ترشيد استهلاك المياه، وإدخال تقنيات الري الحديثة.
فقط من خلال إرادة جماعية واعية يمكن إعادة رسم ملامح تلك الجنة المفقودة، واستعادة دور ميفع كقلعة زراعية شامخة على ساحل حضرموت.

زر الذهاب إلى الأعلى