حرب خدمية ومعيشية لم يشهدها الجنوب في تاريخه القديم والمعاصر.. توقف الرواتب وانعدام الكهرباء يثيران غضب واستياء الشارع الجنوبي

كريترنيوز / تقرير
وصف معاصرون جنوبيون ما يشهده الجنوب في الوقت الراهن من توقف كلي للتيار الكهربائي عن العاصمة عدن دام لأيام، وتوقيف رواتب الموظفين لشهور عجاف، والغلاء وانهيار العملة المحلية، بالحرب الخدمية والمعيشية غير المسبوقة.. مؤكدين أن الجنوب لم يشهد مثيلاً لها في تاريخه القديم والمعاصر، غلاء معيشة لا يطاق ولا يمكن التعايش معه، أصاب كل ما يتعلق بحياة المواطن من مواد غذائية وأدوية ومستلزمات أطفال وكماليات ومواد كهربائية ومواد بناء وأجرة مواصلات وغيرها في مقتل، رافق ذلك توقف لرواتب الموظفين المدنيين والعسكريين لأكثر من أربعة أشهر، وإغراق العاصمة عدن في ظلام دامس لأيام منتالية.
منوهين إلى أن الأوضاع تفاقمت وازدادت سوءاً منذ تعيين الأستاذ سالم بن بريك رئيساً للحكومة اليمنية في 3 مايو 2025م، وشروعه في إجراء إصلاحات اقتصادية وصفها ناشطون جنوبيون بـ«الإعلامية الهلامية الجوفاء».
غضب واستياء:
لم تخفِ أوساط سياسية جنوبية غضبها واستياءها مما آلت إليه الأوضاع في العاصمة عدن، الغارقة في ظلام دامس منذ 3 أيام متتالية، في ظل أجواء الحر الشديد والرطوبة العالية التي تشهدها حالياً، إلى جانب انقطاع مياه الشرب، مؤكدين أن المنازل أصبحت أشبه بالأفران الملتهبة، غير صالحة للاستخدام الآدمي، لا تستطيع الأسر المكوث أو النوم بداخلها، خصوصاً الأطفال وذوو الأمراض المزمنة، كالسرطان وأمراض الأطفال الخلقية وأمراض القلب والسكري والجلطات والفشل الكلوي والكبد وغيرها، لا سيما وأغلب سكان العاصمة عدن، بما نسبته 90%، يعانون فقراً مدقعاً وغير قادرين على شراء بدائل من بطاريات وألواح شمسية، في ظل الغلاء الفاحش وتوقف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين لأكثر من أربعة أشهر حتى اللحظة.
احتجاجات: (بلغ السيل الزبى بل تجاوزه بكثير):
في السياق، خرج جموع من الشباب الغاضبين إلى الشوارع وتشكلت احتجاجات شعبية في عدد من مديريات العاصمة عدن، تم قطع عدد من الشوارع الرئيسية والفرعية وإحراق إطارات السيارات (البالية) بوسطها، تنديداً بما وصفوه بـ(سياسة العقاب الجماعي) ضد أبناء العاصمة عدن خصوصاً والجنوب عموماً، من انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل، وتوقف الرواتب الهزيلة للموظفين الفعليين الكادحين داخل مرافق العمل لأكثر من 4 أشهر، رغم أن متوسطها ما بين 100 إلى 150 ريال سعودي، لا تكفي لتوفير مصاريف أسبوع واحد، وعودة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية، مقابل ذلك يتم تبديد المال العام بملايين الدولارات التي تصرف بحسب (كشف الإعاشة المشبوه) لـ3 آلاف شخص مبعثرين في الخارج، أقلهم يستلم ألفي دولار، مع أن الكثير منهم خارج إطار القوة العاملة الفعلية..
مؤكدين أن خروجهم إلى الشوارع كان اضطرارياً قهرياً عقب أن بلغ السيل الزبى، بل تجاوزه بكثير حد وصفهم، وليس له أهداف سياسية أو فوضى تخريبية وإنما لرفع المعاناة عن كاهل المواطنين، لإعادة التيار الكهربائي وصرف رواتب الموظفين، وكذا للفت انتباه الإقليم والعالم لما يقاسيه شعب الجنوب خلال العشر السنوات الماضية حتى اللحظة.
منوهين إلى أن خروج الشعب إلى الشوارع ليطالب بحقوق هي في الأصل ثوابت وطنية إجبارية، لزاماً على الحكومة أن توفرها تلقائياً ولا ينبغي المطالبة بها، يعد وصمة عار على جبين الحكومة والرئاسي، ويكشف حجم الفساد المتغول بأروقتها إن لم يكن من القمة إلى القاعدة..
مطالبين المسؤولين الشرفاء – إن وُجِدوا – بتقديم استقالاتهم قبل فوات الأوان، حتى لا يكونوا طرفاً في تجويع وإفقار وقتل الشعب، وحتى لا تظهر أسماؤهم في صفحات التاريخ السوداء “التي سنُطلِع الأجيال المتعاقبة عليها”، حد قولهم.
النار لا تحرق إلا رجل واطيها:
لا يشعر بالألم غير الشخص الذي يعانيه، والنار لا تحرق إلا رجل واطيها. أحاديث وأمثال (حان وقتها) يتداولها مواطنون جنوبيون، واصفين مسؤولي البلد بعديمي الحياء والمروة، فاقدي الضمير الإنساني، عديمي الشعور، بعيدين عن ما تعانيه الرعية، أوضاعهم مستقرة في الفنادق بالخارج والفلل مكتملة الخدمات بالداخل، ينعمون بحياة الرفاهية والبذخ هم وجميع أفراد أسرهم، رواتب ونثريات مستمرة على مدار الساعة، وأوصاف اخرى لا ينبغي ذكرها.. مشيرين إلى أن الوقت قد حان للغربلة وإعطاء كل ذي حق حقه، بعيداً عن التطبيل والمديح.
من جهته الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور حسين لقور بن عيدان قال: إن من أكثر المشاهد المزعجة في حياة الناس اليومية، تلك التي يُبالغ فيها البعض بمدح المسؤولين لمجرد قيامهم بواجبهم الوظيفي.
وأكد “بن عيدان” في منشور له أن أداء العمل العام ليس مِنّة ولا إنجازاً شخصياً، بل مسؤولية يفرضها المنصب، مشيراً إلى أن تحويل الواجب إلى فضل يساهم في ترسيخ ثقافة الاستجداء على حساب ثقافة المساءلة.
وختم قائلاً: إن المسؤول، أيّاً كان موقعه، يُقاس بمدى التزامه وخدمته للناس، لا بعدد كلمات المديح التي يحصدها.
مسدوس: البعض يسال لماذا لا يُعلن الرئيس عيدروس الزُبيدي الدولة الجنوبية الآن؟
خط المفكر الجنوبي الكبير الدكتور محمد حيدرة مسدوس منشوراً في وقت سابق، وبه نختم التقرير، قال فيه: يتساءل كثيرون عن سبب عدم اتخاذ الرئيس عيدروس الزُبيدي خطوة حاسمة بإعلان الدولة الجنوبية، في ظل ما يعيشه المواطنون من معاناة اقتصادية وغلاء معيشي خانق. والحقيقة أن هذا السؤال مشروع، لكن الإجابة تكمن في أن القضية الجنوبية ليست قضية قرار فردي أو تحرك لحظي، بل معركة وطنية تُدار بحسابات دقيقة على المستويين الإقليمي والدولي.
وأردف قائلاً: الجنوب اليوم ليس بمعزل عن التحالفات والضغوط الدولية، فكل خطوة تُحسب بدقة، وأي تحرك غير مدروس قد يُفقد الجنوب مكتسباته السياسية والدبلوماسية التي تحققت على مدى سنوات من النضال. عيدروس الزبيدي يعمل وفق استراتيجية النفس الطويل، فهو يدرك أن إعلان الدولة بلا اعتراف دولي وغطاء سياسي لن يخدم القضية، بل سيضعفها ويعزلها.
واستطرد مسدوس: هناك تفاهمات ومفاوضات جارية في الكواليس، والمرحلة تتطلب بناء مؤسسات قوية، وكسب تأييد دولي، وتحقيق حضور فاعل في المحافل السياسية العالمية، لا مغامرات لحظية. فالرئيس الزبيدي لا يسعى إلى نصر شكلي، بل إلى استعادة الدولة الجنوبية بشكل شرعي ومستدام، يعترف به العالم ويضمن حياة كريمة لشعبه.
وختم الدكتور مسدوس قائلاً: من هنا، يجب أن يُوجه اللوم إلى من صنعوا هذا الواقع المتدهور منذ سنوات، لا إلى من يحاول إنقاذ ما تبقى بخطوات محسوبة وعقلانية. فالمعركة اليوم ليست بالشعارات، بل بالرؤية، والتخطيط، والصبر..