وفد المناخ اليمني بين التمثيل والتساؤلات.. أين ذهبت الأموال؟

كريترنيوز/تقرير /هشام صويلح
أثار الكشف عن قوائم تضم أكثر من 140 اسمًا مسجلين ضمن وفد وزارة المياه والبيئة اليمنية للمشاركة في مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP 30) في مدينة بيليم البرازيلية بين 10 و21 نوفمبر 2025 موجة واسعة من التساؤلات. لم ترتبط هذه التساؤلات بحجم الوفد وحده، بل بمبدأ إدارة المال العام في ظرف اقتصادي هو الأصعب منذ سنوات.
كان يفترض بالمؤتمر، باعتباره أحد أهم المحافل الدولية لمناقشة آثار التغير المناخي، أن يشكّل مساحة لعرض التحديات البيئية التي تواجه اليمن، بدءًا من تراجع الموارد المائية وصولًا إلى تداعيات الجفاف على الأمن الغذائي. غير أن القوائم الثماني التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي — متضمنة أسماءً ومناصب ووظائف — حوّلت الحدث إلى اختبار للشفافية المؤسسية بدلًا من كونه مناسبة لعرض السياسات البيئية.
من سافر؟ ومن وُضع اسمه فقط؟
القوائم لا تعكس وفدًا موجهًا لغرض فني محدد بقدر ما تكشف عن خليط واسع من الأسماء؛ بعضها يرتبط مباشرة بالقطاع البيئي، فيما ينتمي بعضها الآخر إلى وظائف إدارية أو جهات لا علاقة لها بالوزارة، وفق ما نشره الأكاديمي د. عبدالقادر الخراز.
وما يزيد الالتباس أن بعض الأسماء لم تسافر أصلًا إلى البرازيل، وهو فارق لا يمكن اعتباره تفصيلًا ثانويًا، بل مؤشرًا على غياب آليات رقابية واضحة. فلم تُنشر قائمة رسمية بالمشاركين الفعليين، ولا بيان يوضح أسباب الاستبعاد أو التغيير، ما يترك أسئلة معلّقة حول معايير الإدراج وما إذا كانت دوافعه فنية أم إدارية أم سياسية.
التكاليف: سؤال يتكرر ولا يُجاب
تشير تقديرات أولية إلى أن تكلفة التذكرة الواحدة تتجاوز ألفي دولار، فيما تتضاعف النفقات مع تكاليف الإقامة في مدينة تستضيف قمة عالمية. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تغطي تكاليف ثلاثة مشاركين فقط — كحد أقصى — فإن مصادر تمويل العشرات الآخرين بقيت مجهولة.
ويصبح السؤال أكثر إلحاحًا حين نضعه في سياق توقف صادرات النفط، وتراجع الإيرادات، وتأخر الرواتب في مؤسسات حكومية عدة: كيف يمكن تبرير إنفاق بهذا الحجم؟ ومن أين جاءت هذه الأموال أصلًا؟
لا إجابة رسمية حتى الآن: هل تحمّلته الموازنة العامة؟ أم جاء من تبرعات خارجية غير معلنة؟ أم من منظمات دولية تقول في الوقت ذاته إنها تقلل برامجها الميدانية؟
المنظمات الدولية: تعاون أم تناقض؟
أشار الخراز أيضًا إلى قائمة تضم نحو 50 اسمًا لموظفين في منظمات دولية عاملة في اليمن. وجود هؤلاء بحد ذاته ليس إشكالًا، فالتعاون أمر طبيعي. لكن التناقض يظهر حين تضع هذه المنظمات قيودًا على ميزانياتها، وتخفض برامجها في المناطق المتأثرة، بينما تسمح لعدد كبير من موظفيها بالمشاركة في قمة دولية ذات تكاليف عالية.
هذا التناقض لا يمكن تجاهله، ويحوّل هذه الجهات من شركاء في تقديم حلول إلى أطراف بحاجة هي الأخرى إلى مساءلة.
التمثيل أم التمثيلية؟
في مؤتمرات المناخ، لا يُقاس الحضور بالعدد بل بنوعية الوفد. الدول التي تسعى لتحقيق مكاسب أو طرح أوراق تفاوضية ترسل متخصصين في الانبعاثات وإدارة المخاطر والتكيف المناخي.
لكن وجود أسماء لا ترتبط بعمل فني مباشر يفرض سؤالًا واضحًا: هل الهدف هو المشاركة في النقاشات أم مجرد تسجيل حضور شكلي لرسم صورة “تمثيلية”؟
ومع الأوضاع المالية الحالية، يصبح التناقض بين حجم الإنفاق واحتياجات القطاعات الحكومية أكثر حدة، خصوصًا حين تؤجل وزارات أعمالًا أساسية كصيانة المنشآت.
صمت رسمي يثير أكثر مما يهدئ
الإشكال لا يقتصر على غياب المعلومات المالية، بل يمتد إلى غياب أي تعليق رسمي.
لم توضح الوزارة معايير اختيار الوفد، ولا آلية التمويل، ولا الأعداد الفعلية للمشاركين.
هذا الصمت يبدو أقرب إلى تجنب المساءلة منه إلى ضعف في التواصل، ومع مرور الوقت تتسع الهوة بين المؤسسات والرأي العام، وتتحول الوثائق المنشورة إلى شهادة على غياب النظام الداخلي.
أزمة مالية تعيد تعريف الأولويات
يمر اليمن بأزمة تطال جذور الاقتصاد، من توقف إيرادات النفط وتراجع التحويلات إلى ضعف الخدمات وانهيار القدرة الشرائية. في مثل هذا السياق، يصبح تبرير أي إنفاق خارجي أمرًا لا بد أن يستند إلى معايير دقيقة وواضحة. فصرف آلاف الدولارات على تذاكر سفر بينما تتأخر الرواتب لا يبدو مجرد خطأ إداري، بل مسألة تمس مبدأ العدالة الاجتماعية.
ليست مسألة «من سافر؟» بل «لماذا؟»
القوائم المنشورة لم تكشف عددًا فقط؛ بل كشفت غيابًا: غياب الشفافية، والمسؤولية، والرؤية.
القضية لا تتعلق بمؤتمر واحد، بل بكيفية اتخاذ القرار العام: من يقرر، ومن يمول، ولماذا؟
وحتى يصدر توضيح رسمي — إن صدر — ستظل هذه القوائم مثالًا على أن المشكلة الأعمق ليست ندرة الموارد، بل كيفية إدارة ما تبقى منها.