ريال مدريد يدرس تغييراً تاريخياً ومثيراً للجدل في نموذج ملكيته

كريترنيوز /!وكالات
يستعد نادي ريال مدريد لاتخاذ خطوة وُصفت بأنها «ثورية» في تاريخه الممتد لأكثر من قرن، إذ يعمل رئيسه فلورنتينو بيريز على إعداد خطة تسمح، للمرة الأولى، بدخول مستثمرين خارجيين لشراء حصص في النادي، الذي ظل طوال تاريخه مملوكاً لأعضائه المعروفين باسم «السوسيوس»، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».
تأسس ريال مدريد عام 1902 ككيان مملوك للأعضاء، وبقي وفياً لذلك النموذج حتى اليوم. وتعد ثلاثة أندية إسبانية أخرى فقط هي: برشلونة وأتلتيك بلباو وأوساسونا مملوكة بالطريقة نفسها، حيث يملك الأعضاء سلطة انتخاب الرئيس والموافقة على الحسابات السنوية والتصويت على أي تعديل في الأنظمة.
لكن، رغم هذا الإرث الديمقراطي الفريد، بدأ بيريز (78 عاماً) يعبّر علناً عن قناعته بأن هذا النظام أصبح عبئاً على النادي في زمن الأندية التي تموّلها صناديق ثروة سيادية أو يملكها مليارديرات قادرون على ضخ الأموال بحرية في فرقهم. فرغم أن ريال مدريد هو النادي الوحيد في العالم الذي تجاوزت إيراداته السنوية حاجز المليار يورو تحديداً 1.045 مليار في موسم 2023-2024 وفق تقرير «ديلويت» يرى بيريز أن النظام الحالي يقيده في سباق التعاقدات والاستثمار.
وفي الجمعية العمومية الماضية، لمح الرئيس إلى إمكانية تنظيم «استفتاء» على تعديلات بنيوية تتيح دخول استثمارات خارجية مع احتفاظ الأعضاء بالسيطرة. واليوم، تؤكد مصادر مطلعة أن بيريز سيعرض تفاصيل أكثر تقدماً في الجمعية المقبلة المتوقعة قبل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، في خطوة قد تمهّد لتغيير هو الأكبر في تاريخ النادي.
نموذج مزدوج: فصل كرة القدم عن الأعمال
الفكرة التي يجري تداولها داخل النادي تقوم على تقسيم ريال مدريد إلى كيانين منفصلين: أحدهما مسؤول عن نشاط كرة القدم، والآخر عن الأنشطة التجارية والاقتصادية. وبهذا الشكل، يحتفظ الأعضاء بالملكية «الرمزية» للنادي، بينما يُسمح للمستثمرين بشراء حصص في الجانب التجاري فقط.
وقد نوقش أيضاً نموذج «50+1» الشهير في ألمانيا، الذي يضمن للأعضاء حيازة الأغلبية في القرارات مهما بلغت نسبة المستثمرين، بوصفه حلاً وسطاً يمكن أن يحفظ هوية النادي ويستقطب في الوقت ذاته أموالاً جديدة.
لكن مصادر قريبة من بيريز تقول إن العملية ستكون معقدة قانونياً وضريبياً، نظراً لأن التشريعات الإسبانية لا تتيح بسهولة هذا النوع من الهياكل المختلطة. ورغم ذلك، يزداد الترقب في محيط «سانتياغو برنابيو» بأن الأسابيع المقبلة قد تشهد الإعلان عن تحوّل تاريخي.
منذ مطلع التسعينيات، فُرض على الأندية الإسبانية الكبرى التحوّل إلى «شركات مساهمة رياضية»، لكن الحكومة منحت استثناءً لأربعة أندية فقط هي ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيك بلباو وأوساسونا، بسبب تاريخها واستقرارها المالي. ومنذ ذلك الحين، ظل هؤلاء الأربعة يفاخرون باستقلالهم وممارستهم الديمقراطية الداخلية.
في ريال مدريد، يبلغ عدد الأعضاء نحو مائة ألف، غير أن حق التصويت في الجمعية العمومية يقتصر على نحو ألفي عضو يُطلق عليهم «السوسيوس المفوَّضون»، يُنتخبون من بين جميع الأعضاء.
ورغم هذا المظهر الديمقراطي، يرى المراقبون أن بيريز يهيمن فعلياً على القرارات منذ عودته إلى الرئاسة عام 2009، حيث تمرّ كل مشروعاته بأغلبية ساحقة، كما حدث عام 2012 عندما أُقرّ تعديل يفرض أن يكون أي مرشح للرئاسة عضواً منذ عشرين عاماً على الأقل، وأن يقدّم ضماناً مالياً يعادل 15 في المائة من ميزانية النادي، وهو شرط يُقصي فعلياً معظم المرشحين.
تكلفة تجديد ملعب برنابيو التي بلغت 1.8 مليار يورو، إضافة إلى تبعات جائحة «كوفيد-19»، دفعت النادي سابقاً للبحث عن تمويل خارجي. ففي عام 2017، أبرم صفقة مع شركة الاستثمار الأميركية «بروفيدنس» مقابل 200 مليون يورو مقابل حصة من عائدات الرعاية المستقبلية، ثم تم تعديلها عام 2021 لتضيف 50 مليوناً أخرى.
وفي 2022، حصل النادي على 360 مليون يورو من شركة «سيكث ستريت» مقابل شراكة مدتها 20 عاماً لإدارة إيرادات الملعب باستثناء اشتراكات التذاكر الموسمية بالشراكة مع شركة «ليجندز» المتخصصة في إدارة المرافق، والتي تولت تشغيل متاجر النادي ومطاعمه وحفلاته، بما في ذلك فعاليات كبرى مثل حفلات تايلور سويفت ومباريات دوري كرة القدم الأميركية.
هذه التجارب جعلت النادي معتاداً على التعامل مع رأس المال الأجنبي، ومهّدت لخطوة أوسع قد تعيد تعريف مفهوم «النادي المملوك للأعضاء».
يقدّم بيريز نفسه دوماً باعتباره «حارس هوية النادي»، ويؤكد أن معاركه مع رابطة الدوري الإسباني والاتحاد الأوروبي تهدف إلى حماية استقلال ريال مدريد، غير أنه في الوقت ذاته لا يخفي إحباطه من القيود التي تفرضها الملكية الجماعية. ففي الجمعية الأخيرة، قال بالحرف: «سنعرض على الجمعية مقترحاً لإعادة هيكلة النادي بما يضمن مستقبلنا ويحمينا من التهديدات التي تواجهنا، ويؤكد أننا نحن الأعضاء الملاك الحقيقيون للنادي وممتلكاته الاقتصادية».
وأوضح أن «العنصر الأهم هو أن يظل التحكم الفعلي بيد الأعضاء»، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام إدخال تعديلات جوهرية تمهّد لاستقطاب شركاء من الخارج. ومنذ ذلك الحين، التزم الصمت العلني، فيما تواصل فرق من المستشارين القانونيين والماليين أبرزهم «كي كابيتال بارتنرز» و«كليفورد تشانس» دراسة نماذج الملكية الجديدة الممكنة.
المداولات الحالية تدور حول نموذجين محتملين:
الأول، إنشاء شركتين منفصلتين: إحداهما تدير كرة القدم وتبقى مملوكة للأعضاء بالكامل، والأخرى تتولى الأنشطة التجارية ويُفتح فيها باب الاستثمار. وبذلك يُحتفظ بالسيادة الرمزية بينما يستفيد النادي من ضخّ أموال خارجية.
الثاني، تطبيق نسخة من قاعدة «50+1» تضمن بقاء الأغلبية للأعضاء مع السماح للمستثمرين بحيازة ما يصل إلى 49 في المائة من الأصوات. غير أن ضعف السيطرة سيجعل هذه الحصص أقل جاذبية للمستثمرين الكبار.
استبعاد خيار «بيع الحصص الفردية» للأعضاء جاء بعد مناقشات داخلية، إذ تبيّن أن السماح لكل عضو ببيع حصته الشخصية مقابل 50 إلى 100 ألف يورو مثلاً قد يفتح باب المضاربات ويقوّض هوية النادي الشعبية.
من وجهة نظر المستثمرين، تمثل قاعدة الجماهير المحلية التي تتمتع بأسعار تذاكر منخفضة وثابتة تحدياً مالياً، لأن العائد من تذاكر الموسمين أقل بكثير من السوق العالمية. لكن هؤلاء الأعضاء أنفسهم هم قاعدة النفوذ السياسي لبيريز داخل النادي، مما يجعل إرضاءهم أولوية لا يمكن المساس بها.
كما أن إدارة النادي تصرّ على أن تبقى القرارات الرياضية مثل التعاقدات أو إقالة المدرب من اختصاص مجلس الإدارة وحده، وليس للمستثمرين أي سلطة فيها، الأمر الذي يعقد الصورة أكثر.
بين الهوية والمستقبل
يبقى فلورنتينو بيريز مصراً على ألا يفقد ريال مدريد استقلاله، قائلاً في تصريحات قديمة: «لا أريد أن أرى أي شخص، مهما كان، يشتري نفوذه داخل نادينا. هذا كياننا، ولا أريد أن أظلم أحداً، لا العرب ولا الروس، لكنه شأننا الخاص».
ومهما كان النموذج النهائي، فإن أي أموال يتم جمعها من المستثمرين سيُعاد استثمارها في الفريق أو في تسديد تكاليف الملعب، ولن يستفيد منها أي شخص بعينه، بما في ذلك بيريز نفسه، الذي يسعى كما تقول المصادر إلى تأمين مستقبل النادي بعد رحيله أكثر من أي شيء آخر.
وبينما يستعد الأعضاء للتصويت على مقترح قد يعيد تشكيل هوية ريال مدريد، تبدو اللحظة فاصلة بين وفاءٍ تقليدي لجذور النادي وضرورات الواقع الاقتصادي الحديث. فالتحدي الأكبر أمام «البيت الأبيض» اليوم ليس خصماً في الملعب، بل معادلة دقيقة بين الانفتاح المالي والحفاظ على روح الملكية الجماعية التي صنعت مجده.
المصدر / الشرق الأوسط