أوكرانيا الكابوس الذي صنعه بوتين

كريترنيوز / القاهرة الإخبارية / عبدالله علي عسكر
تحوَّلت أوكرانيا خلال سنوات الحرب إلى قوة عسكرية كبرى في أوروبا، بعدما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى منذ البداية إلى نزع سلاحها، وفق مركز الأبحاث الأمريكي “أتلانتيك كاونسل” الذي أوضح أن التطور السريع في قدرات كييف -خصوصًا في مجال الطائرات المُسيَّرة- لم يغير فقط موازين الحرب بل أيضًا بنية الأمن الأوروبي، محوِّلًا حلم بوتين إلى كابوس إستراتيجي.
خبرات أوكرانية
وصل عسكريون أوكرانيون إلى الدنمارك هذا الأسبوع لتبادل خبراتهم في حرب الطائرات المُسيَّرة مع نظرائهم الدنماركيين، وجاءت هذه الخطوة عقب حوادث متكررة في أجواء المطارات الدنماركية ومواقع إستراتيجية أخرى تضمنت نشاطًا مشبوهًا لطائرات مُسيَّرة يُعتَقَد أنه مرتبط بروسيا.
وأشار المركز إلى أن الدنمارك ليست وحدها في حلف الناتو التي تسعى للاستفادة من التجربة الأوكرانية، ففي أوائل سبتمبر، وبعد اختراق طائرات روسية بدون طيار المجال الجوي البولندي، أعلنت وارسو خططًا لإجراء تدريبات مشتركة مع الجيش الأوكراني.
كما نقلت صحيفة “ذا تايمز” أن مدربين أوكرانيين أُرسلوا سابقا إلى المملكة المتحدة لتدريب القوات البريطانية على استخدام الطائرات المُسيَّرة في المعارك الحديثة.
تقنيات المُسيَّرات
أكد “أتلانتيك كاونسل” أن أوكرانيا باتت تُعرف بريادتها المتنامية في تطوير تقنيات الطائرات المُسيَّرة، إذ أفرزت الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات مناخًا خصبًا للابتكار والاختبار اليومي للتصاميم القتالية.
وأظهرت النتائج فعالية هذه التقنيات، إذ لعبت الطائرات المُسيَّرة الأوكرانية دورًا محوريًا في تغيير ميزان القوى في البحر الأسود، إلى جانب شنِّ هجمات متكررة على أهداف داخل روسيا نفسها.
كما تسعى دول شريكة عدة إلى دمج هذه الخبرات في عقائدها الدفاعية، من بينها بريطانيا التي أعلنت البدء في إنتاج واسع النطاق لطائرات مُسيَّرة طُوِّرت بالتعاون مع أوكرانيا.
تعاون دولي
أفاد المركز بأن وفدًا أوكرانيًا توجه في أواخر سبتمبر إلى الولايات المتحدة لبحث اتفاقية تعاون محتملة بشأن إنتاج الطائرات المُسيَّرة، ويولي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اهتمامًا خاصًا بهذا الدور العسكري، مؤكدًا أن مهمة بلاده في الدنمارك قد تمثل نموذجًا لتعاون أوسع مع دول أوروبية أخرى.
وقال زيلينسكي، في 30 سبتمبر، إن خبرات أوكرانيا يمكن أن تشكِّل عنصرًا أساسيًا في مبادرة أوروبية مستقبلية تُعرف بـ”جدار الطائرات المُسيَّرة”، ويرى المركز أن ذلك يعكس تحوِّلًا جوهريًا في مكانة كييف داخل المنظومة الأمنية الأوروبية.
وادي تكنولوجيا الدفاع
أشار “أتلانتيك كاونسل” إلى أن أوكرانيا كانت حتى وقت قريب تُعامل كقوة عسكرية صغيرة تكافح لاعتماد معايير الناتو، غير أن الوضع انقلب رأسًا على عقب، وأصبح الحلف يسعى لتبني المعايير الأوكرانية.
ولا يقتصر التحوُّل على مجال الطائرات المُسيَّرة فقط، إذ برز الجيش الأوكراني في قطاعات عدة مثل الحرب الإلكترونية والأنظمة الروبوتية والأمن السيبراني.
وأكد المركز أن معرض “وادي تكنولوجيا الدفاع” الأخير في غرب أوكرانيا جذب نحو خمسة آلاف مشارك من أكثر من خمسين دولة، وتعهدت خلاله شركات غربية باستثمارات تفوق مئة مليون دولار.
ثاني أكبر جيش
رغم التقدم التكنولوجي، يرى المركز أن رأس المال البشري لأوكرانيا يظل أهم مواردها، فالبلاد تمتلك ثاني أكبر جيش في أوروبا، يضم قرابة مليون عسكري واحتياطًا واسعًا من المحاربين القدامى، ويشكِّل هذا العدد قوة تتجاوز قدرات أي دولة أوروبية أخرى، خصوصًا مع تراكم الخبرة في خوض الحروب الحديثة.
ومع توجه الولايات المتحدة إلى تقليص دورها في الأمن الأوروبي، بات الجيش الأوكراني بمثابة خط الدفاع الأول في مواجهة روسيا التوسعية، ما جعله عنصرًا لا غنى عنه لاستقرار القارة.
كابوس بوتين
اعتبر المركز أن هذه المكانة الجديدة لأوكرانيا تمثل أسوأ كوابيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ إن التحول لم يكن ممكنًا لولا الحرب الروسية، فحين بدأ بوتين اجتياح أوكرانيا عام 2014، لم يكن لدى كييف سوى بضعة آلاف من الجنود الجاهزين.
لكن مقاومة الأوكرانيين للحرب الروسية في البر الرئيسي أشعلت موجة تعبئة واسعة، أسست لاحقًا لجيش حديث، وبعد فشل خطط موسكو الأولى، صعّد بوتين إلى غزو شامل في فبراير 2022، واضعًا “نزع سلاح أوكرانيا” هدفًا أساسيًا له، غير أن النتائج جاءت معاكسة تمامًا، فأسهمت الحرب في إنشاء آلة عسكرية ضخمة أثبتت فعاليتها داخل أوكرانيا وخارجها.
نتائج عكسية
خلص “أتلانتيك كاونسل” إلى أن الحرب الروسية لم تضعف أوكرانيا بل حفزت بناء قوة عسكرية قارية، وجعل من دعم كييف خيارًا ضروريًا لشركائها الأوروبيين، وأكد المركز أن أمام القادة الأوروبيين خيارًا بسيطًا، هو إما دعم أوكرانيا اليوم وإما مواجهة روسيا غدًا.
ورغم استمرار القتال في شرق أوكرانيا وهجمات الطائرات المُسيَّرة والصواريخ الروسية، من غير المرجح أن تخرج البلاد ضعيفة أو بلا دفاع، بل توقع “أتلانتيك كاونسل” أن يزداد جيشها قوة وقدرة على حماية مكانتها في أوروبا.