لماذا تتجه أوروبا إلى وادي السيليكون في الصناعات الدفاعية؟

كريترنيوز /متابعات /البيان
يتنامى حجم الاستثمارات الأوروبية داخل قطاع التكنولوجيا الدفاعية، وسط تحولات جيوسياسية حادة، وتزايد الحاجة إلى تسريع وتيرة التحديث العسكري. ورغم أن الجزء الأكبر من هذه الأموال يُضَخ داخل أوروبا نفسها، فإن قنوات استثمارية تربط القارة بمنظومة وادي السيليكون في الولايات المتحدة، حيث يُصنع مستقبل التقنيات الدفاعية.
وفي الإجمال، شهدت أوروبا عام 2024 ارتفاعا تاريخيا في تمويل الشركات الناشئة العاملة في مجالات الدفاع والأمن والتقنيات المزدوجة الاستخدام، إذ بلغ حجم التمويل نحو 5.2 مليار دولار، ويمثل هذا الرقم زيادة تقارب خمسة أضعاف خلال ست سنوات فقط.
تتبع أوروبا استراتيجية مزدوجة في التعامل مع بيئة الابتكار الدفاعي: بناء قدراتها المحلية، وفي الوقت نفسه التمركز الذكي في بيئات تقنية عالمية تقود السباق، وفي مقدمتها وادي السيليكون. ويجري ذلك عبر ثلاث قنوات رئيسية وفق تقارير تحليلية دفاعية.
من أبرزها صندوق الابتكار التابع لحلف الناتو، بحجم يتجاوز مليار يورو، يموّله 24 بلدًا، ويهدف إلى دعم الشركات العاملة في الذكاء الاصطناعي والطيران والفضاء والتقنيات الدفاعية المتقدمة. ورغم أن تركيزه الأساسي داخل أوروبا، إلا أنه يفتح شراكات غير مباشرة مع شركات أميركية، ما يخلق تداخلاً في سلاسل القيمة الدفاعية عبر الأطلسي.
التمويل الحكومي الانتقائي
مثال ذلك الصندوق الاستراتيجي للأمن القومي في المملكة المتحدة، الذي شارك عام 2023 في تمويل شركة أميركية متخصصة في تقنيات الواقع المعزز لتدريب الطيارين ضمن صفقة بلغت 70 مليون دولار. وهي حالة تعكس رغبة أوروبية في امتلاك حصة من المشاريع التقنية الأميركية بدل الاكتفاء بدور المستورد.
شركات الصناعات الدفاعية الكبرى
شركات أوروبية مثل «إيرباص» و«تالس» تنتهج نهجاً استراتيجياً أكثر مباشرة. فـ«إيرباص» تمتلك ذراعاً استثمارية في وادي السيليكون تموّل شركات ناشئة أميركية في مجالات الطيران والدفاع، بينما استحوذت «تالس» الفرنسية على شركة Vormetric الأميركية للأمن السيبراني بقيمة 400 مليون دولار، في واحدة من أبرز صفقات الحضور الأوروبي المباشر في السوق الدفاعية الأميركية.
وتشير التقديرات إلى أن أوروبا ضخت خلال الأعوام الأخيرة مليارات الدولارات في قطاع الدفاع-تِك، مع قفزة تمويلية تفوق 500% بين عامي 2021 و2024. ورغم أن هذه الأموال تُوجَّه أساسا إلى الشركات الأوروبية نفسها، فإن وجود قنوات انتقائية نحو وادي السيليكون يمنح أوروبا موطئ قدم في واحدة من أكثر بيئات الابتكار الدفاعي حيوية في العالم.
وفي المقابل، تجاوز حجم التمويل الأميركي في هذا القطاع 28 مليار دولار عام 2025، ما يقلص حاجة الشركات الأميركية إلى رؤوس أموال أجنبية، ويجعل الدخول الأوروبي إلى السوق الأميركية انتقائيًا واستراتيجيًا.
لماذا وادي السيليكون؟
رغم أن أوروبا لا تزال تمتلك قاعدة صناعية قوية في مجالات الطيران والدفاع والتكنولوجيا المتقدمة، فإنها تتأخر في مجال الشركات الناشئة عالية المخاطر، وهي التي تقود اليوم الثورة في الذكاء الاصطناعي العسكري، والطائرات غير المأهولة، والحوسبة الكمية. ففي وادي السيليكون تنشأ مئات الشركات سنوياً في هذه القطاعات، مدعومة برؤوس أموال ضخمة، وببيئة تنظيمية مرنة وسريعة، في حين تبقى أوروبا محكومة بوتيرة أبطأ بسبب البيروقراطية والتشريعات الصارمة.
وجاءت الحرب في أوكرانيا والتوتر مع روسيا لتعيد ترتيب أولويات الأمن الأوروبي. فقد وجدت الحكومات الأوروبية نفسها أمام حاجة ملحّة لتحديث جيوشها، وتبني تقنيات لم تكن ضمن خططها قبل سنوات قليلة. لكن هذه التقنيات المتقدمة موجودة في الولايات المتحدة بشكل جاهز أو شبه جاهز، ما يجعل الاستثمار في الشركات الأميركية اختصاراً للوقت والمسافة التقنية.